نشر المقال بتاريخ:
فارق كبير بين الأحتفال الحزين الذي أقامته القوات الأمريكية فى العاصمة الصومالية مقديشيو فى الرابع والعشرين من مارس عام 1994 حيث أنزلت العلم الأمريكي وأعلنت رحيل آخر جندي من الصومال بعد احتلال فاشل دام حوالي عاما ونصف العام ، وبين علامات الزهو والفرح التى بدت علي وجه الناطق باسم الخارجية الأمريكية شون ماكورماك وهو يعلن فى المؤتمر الصحفي اليومي لوزارته يوم الخميس الرابع من يناير عام 2007 بأن قوات أمريكية نشرت قرب الصومال لمنع هرب زعماء قوات المحاكم الإسلامية ، وذلك بعدما تمكنت القوات الأثيوبية من الأطاحة بنظام المحاكم بعد ستة أشهر من سيطرتهم على العاصمة مقديشيو و معظم أنحاء الصومال ، وبسقوط نظام المحاكم الإسلامية يكون الرئيس الأمريكي جورج بوش قد حقق انتقاما لأبيه جورج بوش الأب خلال أسبوع واحد مرتين ، الأولي بأعدام الرئيس العراقي صدام حسين الذي كان يضع صورة جورج بوش الأب فى مدخل فندق الرشيد أهم فنادق بغداد طيلة ثلاثة عشر عام ليدوسها بالحذاء كل من يدخل أو يخرج من الفندق دون أن يستطيع تجنب ذلك ، والثانية أن يعيد السيطرة الأمريكية علي الصومال ولكن بقوات أثيوبية بعدما نجح الصوماليون من إيقاع الهزيمة بالأمريكييين وإجبارهم على اتخاذ قرار الخروج بعد أقل من عام من احتلالهم له ، وكان قرار احتلال الصومال هو آخر القرارات التى اتخذها جورج بوش الأب فى نهاية فترة ولايته عام 1992 مما يعني أن فشل هذا الأحتلال يعتبر إخفاقا له ولسياسته .
ورغم إجبار الأمريكيين علي الخروج من الصومال عام 94 إلا أنهم لم يذهبوا بعيدا عنه ، أو يتخلوا عن أطماعهم فيه وإنما أسسوا قاعدة لهم إلي جوار القاعدة العسكرية الفرنسية فى جيوبوتي ، كما أن سفنهم تجوب شوطيء الصومال وتترقب ما يحدث فيه بشكل دائم لاسيما بعدما نجحت قوات المحاكم من السيطرة علي معظم أرجاء البلاد دون قتال واستطاعت أن تعيد الأمن إلي ربوع الصومال بعد ما يزيد عن خمسة عشر عاما علي فقدانه ، ومع بداية نظام المحاكم القيام بترتيب أوضاع البلاد الداخلية والأستعداد للدخول إلي مدينة بيدوا حيث المقر الأخير للحكومة الصومالية المؤقتة قررت الولايات المتحدة أن تنهي حكم المحاكم الأسلامية حتى لا تفلت منها الأمور وأن ترتب للقوات الأثيوبية الغطاء الديبلوماسي والعسكري والدولي الذي يمكنها من ذلك ، في ظل غياب عربي مخز والأكثر خزيا من الغياب العربي هو أن تعلن بعض الحكومات العربية مثل حكومة مصر أهم ثقل عربي تفهمها لما قام به الأثيوبيون ، وذلك بعد زيارة قام بها وزير الخارجية الأثيوبي سيوم ميسفين إلي مصر يوم الخميس 4 يناير ، مما يعني إقرار إثيوبيا علي ماقامت به وهو يخالف كافة الأعراف الدولية كما يخالف موقف جامعة الدول العربية ومنظمة الوحدة الأفريقية والأمم المتحدة .
ورغم أني سبق أن أشرت في مقال سابق أن كثيرا من دول إفريقيا وتحديدا دول الساحل الأفريقي التى تمتد من الصومال شرقا وحتي غينيا غربا تحتوي علي واحد من أهم مخزونات النفط في العالم وأن السبب الأساسي لاهتمام أمريكا بالصومال ودول هذه المنطقة يعود إلي رخص كلفة استخراج ونقل نفط هذه الدول ، إلا أني وجدت الزميل يحي غانم قد نشر دراسة في عدد 2 يناير الماضي من صحيفة الحياة أكد فيها أن شركات النفط الأمريكية العملاقة ” كونكو وإميكو وشيفرون ” قد أنفقت مئات الملايين من الدولارات خلال السنوات الماضية بالفعل علي عمليات التنقيب علي النفط فى الصومال ، وأنها اكتشفت كميات هائلة منه ، وأعدت خرائط تفصيلية لتوزيع الآبار بل وبنت بعضها وأعدتها للأنتاج لكنها أخفت معالمها في انتظار استقرار الأوضاع حتى تبدأ عمليات الأستخراج ، وقد أدركت المحاكم الأسلامية ذلك ، وأعادت دعوة هذه الشركات لاستنئاف عملها ، لكن الولايات المتحدة التى حرصت منذ العام 1973 ألا يقع النفط تحت أيدي مناوئين لها خشيت من أن تقوم المحاكم الأسلامية بدعوة الشركات الصينية للدخول إلي الصومال فيتكرر سيناريو السودان التى تصدر 65% من نفطها إلي الصين ، لذلك دفعت ملس زيناوي إلي أن يجتاج بقواته الصومال ويقضي على المحاكم الإسلامية حتى يبقي الصومال ونفط الصومال تحت الأيدي الأمريكية ، وهذا يكشف سر هذه الحرب ، إنها حرب جديدة من أجل النفط .