جاء قرار مجلس الأمن مساء الأربعاء 30 مايو الماضي ليشكل انتصارا سياسيا للولايات المتحدة الأمريكية فى عصر الهزائم المتلاحقة التى تعيشها في المنطقة منذ قرار الرئيس الأمريكي بوش بغزو العراق في التاسع عشر من مارس عام 2003 ، فالولايات المتحدة ـ حسب رأي كثير من المراقبين ـ تعيش عصر الهزائم العسكرية والسياسية من خلال سياستها المتخبطة فى المنطقة بشكل خاص والعالم بشكل عام ، فعلاوة علي الفشل الذريع فى العراق وأفغانستان ، هناك فشل مدو فى الملف الفلسطيني ، وترقيع سياسي تجاه إيران والسوادان ، وتخبط تجاه كثير من الحكومات الحليفة الأخري التى أصبحت معزولة عن شعوبها بسبب ارتمائها التام فى الحضن الأمريكي ، لذلك تعتمد إدارة بوش سياسية الهروب إلي الأمام ، ومنها السعي لأنشاء المحكمة الدولية الخاصة بلبنان من خلال القرار رقم 1757 الذي أصدره مجلس الأمن الدولي ، لكن الولايات المتحدة التى تجيد دائما فتح الجروح دون أن تنجح فى إغلاقها أو تضميدها يبدوا أنها فتحت جرحا جديدا فى المنطقة سيزيد من آلامها ومشكلاتها ، فلم يسبق للولايات المتحدة أن حققت العدالة فى أي جزء من العالم بل هي دولة تمارس التدمير للأخر وامتصاصه بكل الطرق والوسائل ، وكل بلاء فى أي جزء من العالم قائم الآن نجد الولايات المتحدة وراءه بشكل أو بآخر وهناك جروح مضي عليها عشرات السنين نكأتها الولايات الولايات المتحدة ولم تغلقها وإنما تلجأ دائما إلي عمليات ترقيع لها .
القرار النهائي للمحكمة بكل مراحلها سيكون للقضاة الدوليين فهم الأكثرية سواء في التحقيق أو درجات التقاضي ، كما أن أخطر ما في معاهدة تنظيم المحكمة أنها لها السلطة المفتوحة والمطلقة ليس في محاكمة الأشخاص المسئولين عن اعتداء 14 فبراير 2005 الذي أدي لاغتيال الرئيس رفيق الحريري و 22 شخصا آخرين فحسب ولكن حسب نص المعاهدة ” وفي حال وجدت المحكمة أن الأعتداءات الأخري التى حصلت فى لبنان بين تشرين الأول أكتوبر 2004 و12 كانون الأول ديسمبر 2005 أو في أي تاريخ آخر يقرره الأطراف بموافقة مجلس الأمن ، مرتبطة ببعضها ستكون لديها السلطة لمحاكمة الأشخاص المسئولين عن هذه الأعتداءات أيضا ” .
هذا النص بفتح الأبواب علي مصراعيها لتصفية الحساب مع أي شخص تري الولايات المتحدة أنه يمكن أن يقف في مواجهتها أو الوقوف ضد سياستها ليس في لبنان فقط وإنما فى لبنان وسوريا وربما المنطقة ، فهناك حوادث كثيرة وقعت فى لبنان مرتبطة حسبما يقال بسوريين وفلسطينيين وربما دول وجهات أخري سيجد الجميع فى النهاية أنه تحت مقصلة المحكمة ، وبالتالي فإن الملفات التى ستنظرها المحكمة لن يقررها اللبنانيون الذين يشكلون الأقلية فى تنظيم المحكمة وهيئاتها المختلفة وإنما سيقررها الطرف الذي وقف وراء تشكيل المحكمة وهم الأمريكيون ومن خلفهم الفرنسيون ، ومن ثم فإن كل لبناني وسوري وفلسطيني علي الأقل فى المدي المنظور مهما كان موقعه ومسئوليته يمكن أن يجد نفسه متهما أمام المحكمة بتهمة أو جناية ربما وقعت فى لبنان قبل ثلاثين عاما ، وهناك إشارات من رجال القانون ومن المراقبين أن المحكمة يمكن أن تكون سياسية بالدرجة الأولي ، ولتصفية الحساب مع من عجزت أمريكا عن تصفية حساباتها معهم بوسائل وطرق أخري .
سوريا أعلنت علي لسان وزير خارجيتها وليد المعلم فى مؤتمر صحفي عقده مع نظيره الأيراني فى دمشق في الأول من يونيو أن سوريا لن تتعامل مع المحكمة ، لكن هل يكفي هذا لأعفاء توجيه المحكمة أية اتهامات أو قيامها بمحاكمة من تريد من المسئولين السوريين ؟
الرئيس اللبناني إميل لحود أعلن فور صدور قرار مجلس الأمن تحفظه علي القرار ، فيما ألمح فى حوار تليفزيوني مع الزميل غسان بن جدو أن لديه مفاجأة لأخراج لبنان من المأزق السياسي الحالي ، أشار مراقبون إلي أنها ربما تكون تكليفه لشخص آخر غير رئيس الوزراء الحالي بتشكيل حكومة جديدة فى لبنان وتصبح لبنان بحكومتين برأسين فتتعقد الأمور بشكل أكبر مماهي عليه ويصبح الجميع فى مأزق أكبر ، حزب الله أعلن أن القرار يفتح الأبواب مشرعة أمام التدخلات الخارجية وسط تأكيدات من مراقبين أن حزب الله وقيادته أحد الأهداف المطلوب مطاردتها وتصفيتها من وراء هذه المحكمة .
الصورة يبدوا أنها في طريقها لتكون أكثر تعقيدا ، والولايات المتحدة التى تحترف التدمير والتخريب ونكأ الجروح يبدوا أنها نكأت جرحا جديدا فى المنطقة تحاول به الخروج من مأزقها فى العراق وأفغانستان وسياساتها الأخري الفاشلة فى المنطقة لكن المشكلة هي أن أهل المنطقة في النهاية هم المتضرر الأكبر من السياسيات الأمريكية المدمرة وهم الذين يدفعون الثمن .