لم يكن فشل الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش في إقناع أكبر حليفين له فى مكافحة ما يسمي بالأرهاب الرئيس الباكستاني الجنرال برويز مشرف ، والرئيس الأفغاني حامد كرازي في أن يتصافحا رغم كل المحاولات التى بذلها معهما سواء أمام الصحفيين أم داخل الغرف المغلقة ، لم يكن هذا الفشل سوي تتويجا لمسيرة بوش الفاشلة في سياسته تجاه المنطقة ودولها والزعامات التى يدعمها ، فالرئيسان اللذين جلسا علي يمين بوش وشماله أثناء مأدبة عشاء أقامها لهما مساء الأربعاء السابع و العشرين من سبتمبر الماضي ، لم يبتسما على الأطلاق للصحفيين فيما كان بوش يوزع ابتساماته ويسعي لجمع شمل حليفيه حيث أشاد بهما ووصفهما بأنهما “صديقاه الشخصيين ” ، لكن صديقا بوش أخذا يتلاومان ويتهم كل منهما الآخر بأنه هو المسئول عن استمرار ما يسمي بالأرهاب فى بلديهما ، لكن بوش دعاهما إلي ” العمل معا لجعل العالم مكانا مليئا بالأمل ” وأشار بوش إلي صديقه مشرف وقال للصحفيين ” إن بن لادن يريد أن يؤذي صديقي هذا وأن يضر بالديمقراطية فى أفغانستان وعلينا أن نجلبه للقضاء ” ولا أدري عن أي ديمقراطية يتحدث الرئيس بوش ، فكل مشروعات الديمقراطية التى دعت الولايات المتحدة إلي قيامها فى المنطقة أوفي أرجاء مختلفة من العالم ، لم تجلب ـ كما قال التقرير الذي سرب من ملفات المخابرات الأمريكية وتحدثت عنه صحيفة ” نيويورك تايمز ” ـ إلا إلي مزيدا من الفوضي وإشاعة الأضطراب فى العالم ، ولعل النتائج التى أفرزتها الأنتخابات في معظم دول أمريكا الللاتينية لم تأت إلا بحكومات مناوئة للولايات المتحدة وسياستها ، كما أن الأنقلاب العسكري الذي وقع ضد حليف أمريكا رئيس وزراء تايلاند وكذلك المعارك الدائرة فى كل من أفغانستان والعراق وما يحدث في فلسطين ولبنان وأماكن أخري كثيرة من العالم هو نتاج لتلك الديمقراطية التى يتحدث عنها الرئيس بوش تلك الديمقراطية التى لم تأت إلا بمزيد من الحروب و الخراب والدمار فى كل مكات تواجد فيه الأمريكان أو تدخلوا فيه .
فالناطق الرسمي باسم ما يسمي بالتحالف الدولي فى أفغانستان الكولونيل جون بارادايس أعلن فى تصريحات نقلتها الوكالات فى الثامن والعشرين من سبتمبر الماضي أن ” الأعتداءات على الحدود الباكستانية الأفغانية تضاعفت مرتين أو ثلاثا ” كما أن العمليات التى تجري كل يوم ضد قوات التحالف فى أفغانستان رغم عدم وجود وسائل إعلام عالمية كافية مثل التى تتواجد فى العراق أو فلسطين ـ هذه العمليات تشير وكذلك تقارير كثيرة إلي أن حركة طالبان فى ذروة نشاطها منذ سقوط نظامها قبل خمس سنوات علي يد القوات الأمركية وقد خصصت مجلة ” نيوزويك الأمريكية عدد الأسبوع الماضي للحديث عن ” فقدان أفغانستان ” وتساءلت إن كان النصر بدأ يتحول إلي هزيمة لقوات التحالف ؟ وأكدت” نيوز ويك ” فى تقريرها المطول أن ” رجال طالبان يقاتلون بحرية بعد خمس سنوات ويجدون الملاذ الآمن والدعم الكافي وأن حامد كارازي غارق فى التفاصيل التافهة فى كابل بينما أمراء الحرب يحكمون قبضتهم علي معظم الريف ” .
لقد أصبح كارازي ومنذ اختباره نموذجا للحاكم الذي تريده أمريكا لدول المنطقة ، حاكم يعبر عن لسان الغرب وحكوماته وحاله وقد تمثل هذا فى تصريحات أدلي بها كارازي أثناء زيارته لكندا يوم السبت 23 سبتمبر فخاطب الكنديين منتقدا صديق بوش الآخر الجنرال مشرف قائلا ” إن هناك بعض الأماكن فى باكستان مدارس دينية ، لكنها ليست فى الواقع مدارس دينية ، بل أماكن تجري فيها الدعوة إلي كرهنا ” وضمير الجمع الذي تحدث به للكنديين يعطي إشارة إلي خطاب الجمع الذي تريد أمريكا لمن يتحدث من حكام المنطقة أن يتحدث به جمع الأمريكيين مع الأفغان مع العرب مع المسلمين في بوتقهة واحدة و ” من ليس معنا فهو ضدنا ” كما قال بوش حينما أطلق حربه علي ما يسمي بالأرهاب قبل خمس سنوات ، لكن صديق بوش الجنرال مشرف لم يقبل ما قاله كارازاي عنه فى كندا فرد عليه و اتهمه بـ ” أنه يهتم بنفسه أكثر مما يهتم ببلاده ” وتلقي مشرف جزاء سنمار حينما اتهمه تقرير استخباراتي بريطاني بأنه متقاعس فى حربه على الأرهاب بل وصل الأمر إلي حد اتهامه بأنه يدعم طالبان ، وقد سارع بلير إلي إبلاغ مشرف بأن هذ التقرير لا يعبر عن الموقف الرسمي ، وكان مشرف قد فاخر بأن نظامه كان الأقوي بين كل دول العالم الأسلامي فى الحرب على الأرهاب ، لكن عدم قدرة بوش على أن يجعل أقوي حليفين له بل وصديقاه الشخصيين يتصافحا رغم محاولاته السرية والعلنية تؤكد علي حقيقة هامة هي أن أن مسيرة الفشل للسياسة الأمريكية قد وصلت إلي ذروتها ولعل الأنتخابات التشريعية فى نوفمبر القادم تقلب المعادلات الداخلية فى الولايات المتحدة ويجد بوش نفسه أمام واقع جديد