حينما أعلن الرئيس الاميركي السابق جورج دبليو بوش في شهر نوفمبر من عام 2003 بعد تسعة اشهر من احتلال بلاده للعراق ان «الديمقراطية العراقية سوف تنجح» كان يروج آنذاك للنموذج الذي برر به هجوم قواته واحتلالها للعراق، ولم يكن ذلك سوى تتويج لمسيرة الكذب والتضليل التي ابتدعها هو وفريق العمل المصاحب له خلال فترة رئاسته والذين كشفت عشرات الكتب والوثائق انهم لم يكونوا سوى عصابة من المارقين والقتلة تحكموا بأكبر دولة في العالم واستخدموها بقدراتها وجيشها لتحقيق مآربهم والترويج لأكاذيبهم ومشاريعهم اليمينية المتطرفة.
ولم تكن الدعوة الاميركية لاقامة نموذج ديمقراطي في العراق على اطلال نظام دكتاتوري هو نظام صدام حسين سوى مبرر للغزو والاحتلال، فبعد احتلالهم للعراق أذاقوا العراقيين ويلات الحروب بكل اشكالها ومعانيها بدءا من اقتحام بيوتهم والاعتداء على اعراضهم وأموالهم واعتقالهم واعتقال نسائهم وأبنائهم حتى من الاطفال الى فضائح التعذيب في السجون والمعتقلات وممارسة شتى اشكال التعذيب غير المسبوقة وغير المعهودة حتى في القرون الوسطى، مرورا باختفاء عشرات الآلاف من العراقيين وحوادث القتل البشعة على الهوية وبث الطائفية عبر أول قرار سياسي بتشكيل مجلس الحكم على اساس طائفي وتقديم طائفة على اخرى وتوسيد الأمر لعملائهم الذين جاؤوا بهم على ظهور الدبابات والطائرات من الخارج وتمكين الاكراد من اقامة نظام مستقل لهم في الشمال يساعد على تقسيم العراق واستبعاد كل عراقي وطني شريف تحت دعوى انتمائه للبعث او للرجعية، ومحاصرة مدن كاملة وابادتها واستخدام كافة اشكال الاسلحة المحرمة ضد اهلها مثل مدينة الفلوجة وتغيير التركيبة السكانية في العراق لصالح طائفة على حساب الاخرى وتهجير مئات الآلاف من العراقيين وتشريدهم في دول الجوار او الدول الاخرى وافساد الحياة بكل اشكالها من جوانب الأمن والتعليم والصحة والزراعة والصناعة وكافة مناحي الحياة وتمزيق النسيج الاجتماعي والثقافي والسياسي للعراق حتى انه من الصعب على اي مراقب ان يقول ان هناك اي احتمال لعودة دولة تسمى العراق ككيان واحد مستقل كما كانت قبل عام 2003، حيث اصبحت هناك طبقات جديدة من السياسيين والاثرياء الجدد الذين نمت ثرواتهم وظهر نفوذهم في ظل قوات الاحتلال فأصبح هؤلاء يملكون الثروة والسلطة ويتحكمون بمصير العراق وحاضره ومستقبله بينما غيب الاحتلال المخلصين من ابناء العراق أو ابعدهم ثم اعلن بعد ذلك عن بدء اقامة نظام ديمقراطي في العراق على اطلال جماجم ما يقرب من مليون عراقي ــ حسب بعض الاحصاءات ــ هم ضحايا سنوات الاحتلال السبع الماضية حيث يعتبرون الانتخابات التي جرت الأحد (السابع من مارس 2010) هي الانتصار الحقيقي للمشروع الاميركي في العراق والنموذج الذي ينبغي على دول المنطقة ان تحذو حذوه وأن تسير على منواله.
نحن لا ندري اي انتصار هذا وأي مشروع ديمقراطية في الوقت الذي تدعم الولايات المتحدة حلفاءها المستبدين الذين يحكمون المنطقة وأغلبهم من العسكر ولا تمارس اي شكل من اشكال الضغوط ولو الشكلية عليهم لا ليقيموا انظمة ديمقراطية حسب الادعاءات والأكاذيب الاميركية ولكن حتى ليرفعوا ظلمهم عن شعوبهم وان يتركوا الناس يتنفسون بحرية.
أي ديمقراطية هذه التي تقام بالأكاذيب على جماجم العراقيين وجراحهم وثقافتهم وأمنهم وسيادتهم على بلادهم وظلمهم ونهب ثرواتهم وتاريخهم وحضارتهم وحاضرهم ومستقبلهم؟ لا ادري اي عقل وأي ضمير هذا الذي يروجه هؤلاء ومدى قناعتهم بهذه الأكاذيب؟
فرغم القمع والاستبداد والدكتاتورية التي يمارسها حلفاء أميركا في المنطقة لم يتحدث اي مسؤول اميركي عن الديمقراطية في أي بلد عربي يحكمه حلفاء أميركا خلال الاشهر او السنوات القليلة الماضية على الاقل لأن ذلك يمكن ان يضر بمصالح هؤلاء الحلفاء الذين يقدمون لأميركا ما تريده وأكثر مما يمكن ان يقدمه النظام الذي سوف يصنعونه في العراق.
وهذا النموذج الذين يريدون صناعته في العراق يريدون ان يحصلوا له على خاتم المشروعية بمشاركة الشعب في صناعته ومن ثم يقولون لباقي حلفائهم ان الذي سوف يخرج عن طعاتنا سوف نبدله بهذا النموذج الذي يوالينا بعد ان يأخذ شرعيته من شعبه حيث انكم جميعا لا مشروعية لكم من شعوبكم لأنكم مزورون وقمتم بالاستيلاء على السلطة عبر انقلابات عسكرية نحن دعمناها أو سكتنا عنها فإما ان تنفذوا ما يطلب منكم واما ان نموذج العراق قائم وسوف نكرره متى شئنا على اي منكم.
إن الحديث عن اقامة نظام ديمقراطي في العراق عبر هذه الانتخابات هو أكذوبة لا تقل عن أكذوبة اسلحة الدمار الشامل التي اعلنتها اميركا لتبرر بها جرائمها في العراق.
وإذا كانت أميركا تريد ان تقيم انظمة ديمقراطية فعليها ان تطلب او تجبر حلفاءها من الحكام العرب الذين يحكم بعضهم شعبه بالحديد والنار منذ عقود ان يتركوا الشعوب تتنفس وتختار من يحكمها لكن على هذه الشعوب ان تدرك ان حريتها لن تأتي من اميركا ولا من اي طرف آخر وانما سوف تسترد هذه الشعوب حريتها وشعوبها بأيديها وارادتها ان شاءت وإلا فسوف تظل تعيش في أوهام الديمقراطية الاميركية.
الوطن القطرية