حالة عجيبة من التشنج والعصبية تملأ الساحة المصرية قبيل الجولة الثانية والأخيرة لانتخابات الرئاسة المقررة يومى السبت والأحد القادمين 16و17 يونيو، فالكل غاضب من الكل، ولغة الخطاب أصبحت مليئة بالإسفاف والتخوين والسباب والقول الفاحش أحيانا، والمشكلة هى ألا تكون هذه لغة العامة من الناس فحسب ولكن أن تصبح هذه هى لغة بعض الإعلاميين الذين يدخلون بيوت الناس رغما عنهم ويتابعهم الكبير والصغير، أو بعض الصحف التى تزداد اصفرارا يوما بعد يوم، وبدلا من أن يعمل هؤلاء على الارتقاء بالناس والمجتمع لغة وفهما وثقافة وعلما، فإنهم ينزلون بالجميع إلى أسفل سافلين ويخاطبونهم بلغة أشبه ما تكون بلغة الشوارع المليئة بالإسفاف وقلة الذوق والأدب والاحترام إن لم تكن هى هى بمفرداتها وألفاظها وجملها، والمشكلة الأكبر حينما يستضيف هؤلاء من يسمون بالمحللين أو الخبراء أو المفكرين أو الناشطين، الذين أصبح بعضهم مثل المرتزقة يدورون على الفضائيات من الصباح إلى المساء دون اعتبار للفضائية التى يظهرون فيها أو المقدم الذى يحاورهم أو شركائهم فى الحوار.. وكلما فتحت فضائية مصرية وجدت الوجوه نفسها تقول الكلام نفسه وتردده بروح مليئة بالعصبية والتشنج والانفلات وعدم المسئولية إلا من رحم ربك، حتى أننى أعرف بعض المفكرين والمحللين والخبراء الحقيقيين قرروا مقاطعة كثير من الفضائيات والبرامج بسبب هذا الإسفاف والخطاب الملىء بعدم المسئولية المهنية والأخلاقية والتلاسن الذى يصل فى بعض الأحيان إلى مرحلة السباب أو حتى الاشتباك بالأيدى. هذا الخطاب الملىء بالعصبية والانفلات له تأثيره الساحر على عموم الناس، فحينما تتشنج النخبة على شاشات التلفزة تشتعل التعليقات على صفحات التواصل الاجتماعى وتمتلئ بالسباب والشتائم أحيانا كما يتعصب العامة فى الشوارع ويتطاولون على بعضهم البعض، ويتحول المجتمع كله إلى مجتمع عصبى متشنج يُخشى من انفلاته فى أى لحظة. إن ما يحدث عبر الفضائيات وفى الشوراع أصبح وكأنه أمر طبيعى خلال الأسابيع الماضية، لكن غير الطبيعى أن تصل حالة العصبية والتشنج إلى القضاة؛ فالقاضى يجب أن يكون أكثر الناس قدرة على التحكم فى انفعالاته وعواطفه، وأكثر الناس قدرة على امتصاص غضب الآخرين، وأكثر الناس تحكما فى أهوائه ونزواته، وأكثر الناس قدرة على صياغة عباراته وألفاظه لأنه يزنها بميزان القاضى الذى يحكم بالعدل بين الناس وليس ميزان العامة والدهماء الذين لا يعولون كثيرا على ما يقولون ويجهلون دلالات ما يلفظون، وإلا فنحن أمام كارثة كبيرة، فالعدل أساس الملك والقضاة هم ميزان العقل والعدل فى الأمم والمجتمعات، إذا سقطت هيبتهم سقطت هيبة المجتمع وأصبحت الفوضى هى السائدة لأن القاضى هو ملجأ الناس فى الدنيا لتلمس العدل فإذا ظهر القاضى فى حوار تليفزيونى عصبيا متشنجا انفعاليا مرتفع الصوت حاد الطبع سيئ المزاج والكلام فإنه لا يرجى عدله ولا يوثق فى حكمه ويأخذ المجتمع بهذه الطريقة إلى عالم مخيف من الصدامات والانفلات والقلق. تأملت فى الخطاب الدائر الآن بين القضاة وبعضهم البعض فى مصر وبين القضاة وأعضاء مجلس الشعب، وبين القضاة وبعض منتقديهم من المثقفين أو حتى من العامة، فوجدت نفسى أمام مشهد مخيف، يعكس حالة مجتمعية مرتبكة تدفعنا إلى أن نضع أيدينا على قلوبنا ترقبا لما يمكن أن يؤول إليه أمر البلاد إذا أصبح قضاتها عصبيين متشنجين وأصابهم ما أصاب المجتمع المصرى من أمراض أفرزتها المرحلة الانتقالية التى تمر بها مصر. إننا أمام مشهد جديد لكنه مخيف هذه المرة لأن القضاء هو السلطة الوحيدة المنوط بها الفصل بين سلطات الحكم الثلاث، فإذا أصابت العصبية والتشنج هذه السلطة أيضاً فعلى الأمة السلام؟