مرسى والعسكر .. التجربة المصرية

«حينما قررنا أن نصدر البيان الذى فصل بين العسكر والسياسة، اجتمع مجلس الوزراء لمدة 36 ساعة متواصلة، وتحسبنا لكل الخطوات، وتوقعنا كل شىء بدءا من الانقلاب العسكرى إلى إيداع مجلس الوزراء كله فى السجن، وقررنا أن يتلو البيان وزير العدل، ولم يكن هناك أمام العسكر غير الرضوخ أو المواجهة، واعتبرنا هذا هو النجاح الحقيقى وبداية تفرغ العسكر لمهامهم فى حفظ الوطن على أن يترك للساسة إدارة البلاد، لكن الطريق ما زال أمامنا طويلا» كان هذا جواب على باباجان نائب رئيس الوزراء التركى حينما سألته عن اللحظات الحاسمة لإنهاء وضع العسكر المميز فى القرار السياسى التركى والذى استغرق ما يقرب من عشر سنوات من حكومة أردوغان، والآن هناك ما يزيد على 60 جنرالا تركيا فى السجون يحاكمون بتهم تتراوح بين الفساد ومحاولة الانقلاب على النظام الديمقراطى فى البلاد، وهذه سميت التجربة التركية فى إعادة العسكر إلى الثكنات وهناك تجارب أخرى شبيهة فى أمريكا الجنوبية وآسيا، وكنا نعتقد أن مصر ستمر بنفس المنعطف وتستغرق نفس المدة، غير أن ما أنجزه أردوغان فى عشر سنوات قام به الرئيس محمد مرسى فى خمسة أسابيع، فيما يمكن أن نطلق عليه بفخر واعتزاز «التجربة المصرية فى إعادة العسكر إلى الثكنات»، لكن العوامل والظروف مختلفة كثيرا بين التجربتين حتى أن أردوغان كان مذهولا لسرعة إنجاز مرسى وقال «لقد اختصر الرئيس مرسى الطريق فى أقل من شهر»، وقد نجح مرسى بتوفيق الله أولا وأخيرا له باختياره اللحظة التاريخية ووجود رجال مخلصين من أبناء القوات المسلحة حوله ساعدوه فى اتخاذ القرار، لأن المؤسسة العسكرية كانت مهترئة وكانت قيادتها تمارس كل شىء إلا العسكرية، وتحول أفراد الجيش إلى عمال يومية فى شركات الجيش وبيوت الجنرالات ومزارعهم، وكان الضباط الصغار المخلصون يشكون مر الشكوى من الفساد المستشرى وتهالك المعدات وانعدام المشاريع وعدم وجود جنود للتدريب، لأن الجنرالات الكبار كانوا مشغولين بمصانع المكرونة وزيت الزيتون ومحطات البنزين ودكاكين البقالة وريعها ونسوا أن مكانهم هو الخنادق والبنادق وليس الفنادق والنوادى، لذلك لم يبك أحد على الذين أقيلوا بل كل المعلومات تشير إلى فرحة عارمة داخل صفوف الضباط الشرفاء وهم أغلبية الجيش إن لم يكن كله، ولعلها تكون فرصة أمام وزير الدفاع الجديد عبدالفتاح السيسى ليعيد بناء القوات المسلحة ويعيد لجيش مصر هيبته ومكانته ويأخذ مكانته فى التاريخ كقائد عسكرى حيث لم يأت بعد سعدالدين الشاذلى رحمه الله قائد عسكرى فذ ومميز، يعيد لجيش مصر مكانته بين جيوش الدنيا. لقد قامت الاستراتيجية الأمريكية عبر مسلسل الانقلابات العسكرية التى تمت فى المنطقة على بسط النفوذ عبر دعم العسكر من خلال إقامة أنظمة عسكرية بلباس مدنى، والعسكرة لأى نظام تعنى الاستبداد والفساد والشمولية والتبعية والسطوة والنفوذ وإقامة بؤر للمصالح الشخصية على حساب المصلحة العامة للدولة وهذا قاسم مشترك لكافة أنظمة الحكم التى جاءت بها الانقلابات العسكرية، ولم تكن مصر استثناء فى هذا المجال، وحينما بدأت كثير من الشعوب تنادى بالانعتاق من حكم العسكر، سعت الولايات عبر عسكرها المخلصين فى بعض هذه الدول أن يرتدوا بزات مدنية ويتقدموا ليقودوا الديمقراطية الأمريكية الحديثة فى بلادهم، وهذا ما حدث فى دول كثيرة مثل إندونيسيا وكان المخطط أن يتم هذا فى مصر عبر تجربة التزوير الناعم التى ربما نتحدث عنها بالتفصيل لاحقا لدعم الفريق أحمد شفيق، لكن الله كان يريد لمصر شيئا آخر وجاء مرسى وكنا نقول أنى له أن يزيل العسكر، لكن الله أزالهم بيد مرسى وغيره من الرجال المخلصين من أبناء القوات المسلحة لأن جيش مصر ملك لشعب مصر وليس لهؤلاء، لاشك أن هناك أسرارا كثيرة فى تجربة مرسى مع العسكر خلال الشهر الماضى، ربما نكشف عن بعضها لاحقا، وربما تكشف الأيام القادمة عن الكثير منها حتى تكتمل جوانب التجربة المصرية فى إعادة العسكر إلى الثكنات.

Total
0
Shares
السابق
محمد المقريف

محمد المقريف: مستقبل ليبيا ومهام المؤتمر الوطني الليبي

التالي

قصة البيان الأول لثورة 25يناير (1)

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

Total
0
Share