أذكر حينما كنت أؤدى الخدمة العسكرية فى المدرسة الثانوية الجوية فى ألماظة أنا كنا نمشى سيراً على الأقدام من طريق السويس أو شارع حسن مأمون حتى نصل إلى المدرسة، وأذكر كذلك مساكن أعضاء هيئة التدريس فى جامعة عين شمس التى ما زالت قائمة فى شارع حسن مأمون حتى الآن، وكان خط الترومواى فى شارع مصطفى النحاس يتم بناؤه وكانت المنطقة شبه صحراوية ومليئة بالعمارات التى تحت الإنشاء، لم يمض على إنشاء خط الترومواى هذا أكثر من خمسة وعشرين عاماً، لكنى فوجئت قبل مدة أنه أصبح خراباً وكذلك مناطق كثيرة من ترومواى مصر الجديدة الذى كان إحدى علامات هذا الحى الذى كان راقياً، وأذكر وأنا أسجل حلقات «شاهد على العصر» مع الدكتور مراد غالب وزير الخارجية المصرى الأسبق حينما حدثنى عن ترومواى مصر الجديدة كان كأنما يحدثنى عن أنظف وأجمل وسيلة مواصلات فى مصر فى الأربعينات، أتحدث عن هذا الموضوع لأنى قبل حوالى ست سنوات درست دورة فى إحدى جامعات لندن عن تخطيط المدن وكانت من أمتع الدورات التى درستها فى حياتى، ولفت نظرى فى كل النماذج التى درسناها أن تخطيط المواصلات والبنية التحتية يجب أن تسبق المبانى والإنشاءات حتى يتشجع الناس على السكن فى الأحياء والمدن الجديدة لأنها بدون مواصلات لا قيمة لها، ولعلنا نتذكر جميعاً صفر المونديال الذى حصلت عليه مصر فى عهد وزير الشباب الأسبق المدرس الخصوصى لولى عهد المخلوع جمال مبارك وسليل التنظيم السرى الطليعى الدكتور على الدين هلال، وكان من أكبر الأسباب التى جعلت مصر تحصل على صفر المونديال هو المواصلات العامة، ولأن المواصلات العامة هى عصب أى مدينة كبيرة فإنى أتذكر ترومواى العاصمة المغربية الرباط حينما كان تحت الإنشاء، وحينما عدت للمغرب فى الشهر الماضى بعد غياب ثلاث سنوات وجدت الترومواى يعمل وقد ربط بين شطرى أبى الرقراق سلا والرباط وحل مشكلات عشرات الآلاف من المغاربة، وما لفت نظرى هو أنه نفس الترومواى الذى أصبح يلف معظم أطراف العاصمة الفرنسية باريس الذى أضيف إلى شبكة المواصلات العامة بها، بعدما كانت باريس تعتمد فى مواصلاتها العامة على شبكة المترو والباص وقطار الضواحى فقط، فأضيف إليها الترومواى رابعاً، مما يجعل كثيراً من الناس يستغنون عن ركوب سياراتهم الخاصة ولا يسببون الزحام فى المدينة، هذا التفكير بعيد تماماً عما يحدث فى مصر، فخط الترومواى فى القاهرة مهمل منذ سنوات طويلة وأصبح عتيقاً وعرباته قديمة صدئة غير نظيفة، وفى النهاية أغلقوا معظم خطوطه بحجة التوسع فى شبكة مترو الأنفاق، وبدلاً من مد خطوط الترومواى مثل باريس لتربط المدن الجديدة بالقاهرة مثل 6 أكتوبر والقاهرة الجديدة والعبور والشروق، تم إهمال الترومواى وإغلاق خطوطه، كنت أتصور لو أن هناك إدارة رشيدة وحكيمة فى هذا البلد أن يتم مد ترومواى مدينة نصر إلى القاهرة الجديدة كمرحلة أولى فيصل بين مصر الجديدة ومدينة نصر والقاهرة الجديدة، بدلاً من طوابير السيارات التى تسد الطريق الواصل بين هذه الأحياء الثلاثة ويتم استكمال المواصلات بقطار ضواحى ومترو أنفاق وباصات نظيفة، وكذلك يكون هناك خط ترومواى يربط بين 6 أكتوبر والمهندسين، وتستكمل بقطار ضواحى ومترو أنفاق وباصات نظيفة، أما مترو مصر الجديدة الذى يقف عند ألماظه منذ عشرات السنين يتم مده إلى مدينتى العبور والشروق، ويدعم بقطار ضواحى وباصات نظيفة بدلاً من تكدس السيارات على طريقى السويس والإسماعيلية وهى مليئة بالمدارس والجامعات الخاصة، وبذلك يشعر الشعب المصرى أن هناك من يفكر فى همه ومشاكله، لو فكرنا فى حجم النفقات الباهظة التى أنفقت على الطرق السيئة التى تسبب عشرات الحوادث لوجدنا أن تكلفة هذه الشبكة أقل بكثير من كل ما أنفق، الدول تبنى خطوطاً جديدة للترومواى والقاهرة تغلق خطوط الترومواى، وأنا أطرح سؤالاً مهماً: من المسئول عن جريمة إغلاق خطوط الترومواى فى القاهرة؟ ومتى يتحقق هذا الحلم وتكون هناك شبكة مواصلات عامة كاملة متكاملة فى القاهرة ثم فى مصر كلها؟