أما الجانب الآخر الهام فى تجربة حزب «العدالة والتنمية» الحاكم فى المغرب والحركة الأم الممثلة فى «حركة التوحيد والإصلاح» أنه على كل الدعاة الذين ينتمون للحركة من خطباء المساجد وأئمتها أن يكونوا لكل المسلمين فى المغرب ولا يستخدمون المنابر لعمل أية دعاية انتخابية أو حزبية لـ«العدالة والتنمية» الذى هو حزب الحركة ومن أراد من دعاة الحركة أو أئمة مساجدها أن يعمل فى السياسة فعليه أن يستقيل ويتفرغ للسياسة، وهذا ما جعل الحركة تحتفظ بعلاقات وطيدة مع كافة المغاربة وأن تكون للجميع وليس لحزب «العدالة والتنمية» وحده، ورغم أن الذين يعملون فى السياسة هم الذين يأخذون بريق الإعلام وأضواء الشهرة إلا أن الدور الذى تقوم به الحركة فى البناء الدعوى والنفسى والاجتماعى لا يقل أهمية إن لم يكن أصعب وأهم من الدور السياسى؛ لأنها تعتبر معمل التفريخ الأساسى للكوادر التى تقوم بممارسة العمل السياسى وكل من يعملون فى الحركة قانعون بالأدوار التى يقومون بها رغم أنها بعيدة عن أضواء الشهرة والسياسة. أما عملية الانتخاب وهى محور حديثنا فإنها فريدة للغاية، ولأنها تتم كل أربع سنوات فقد طلبت من مسئولى الحزب أن يسمحوا لى بحضورها لأنى علمت أنه ليس من حق أحد من غير المجمع الانتخابى حضورها، فسمحوا لى وأخبرونى أنى الضيف الوحيد من خارج المجمع الانتخابى الذى سمح له بالحضور، والمجمع الانتخابى للحزب يضم أكثر من ألف مندوب من مسئولى الحزب على مستوى المغرب تجمعوا كلهم فى ملعب مولاى رشيد المغطى فى العاصمة الرباط، وأول أسس العملية الانتخابية فى حزب «العدالة والتنمية» المغربى أنه ليس من حق أحد أن يرشح نفسه لأى منصب وإنما يقوم أعضاء المجمع الانتخابى بترشيح من يرونه مناسباً للمناصب الرئيسية وعلى رأسها منصب رئيس الحزب، أما مراحل العملية الانتخابية فهى تبدأ بالإعلان عن المنصب المراد التقدم إليه والبداية تكون بمنصب رئيس الحزب، فيقوم أعضاء المجمع الانتخابى بترشيح من يرونه مناسباً ويتم فرز الأصوات والإعلان عن الاختيارات وكانت بين أربعة أعضاء، يمنح الأعضاء الأربعة الفرصة لتأكيد أو رفض قبول الترشيح، وقد رفض اثنان منهم الترشيح وكان من بينهم مصطفى الرميد وزير العدل الحالى فى المغرب، وانحصرت المنافسة بين عبدالإله بن كيران الرئيس الحالى للحزب ورئيس الحكومة والدكتور سعد الدين العثمانى الرئيس السابق للحزب ووزير الخارجية، فى هذه الحالة تبدأ المرحلة الثانية من مرحلة الانتخاب وتسمى فى الفقه «الجرح والتعديل» أو فى عرف الحزب «التداول» حيث يحق لكل أعضاء المجمع الانتخابى أن يطلب أى منهم الكلمة لدعم أو انتقاد أى من المرشحين وقد سرنى أنى وجدت الجميع يلتزم بشيئين الأول هو عدم التعرض لأى من الجوانب الشخصية للمرشح وأن يقتصر الدعم أو الانتقاد على الجوانب الإدارية والفنية المتعلقة بالمنصب، الأمر الثانى أن الجميع كان يلتزم بالوقت المحدد من قبل رئيس الجلسة حتى أن أحدهم كان يقطع جملته فى منتصفها دون أن يكملها حينما يقول له رئيس الجلسة «انتهى الوقت»، وأجمل ما فى «التداول» أنه يتم على الملأ وأمام الجميع بمن فيهم المرشحون، وقد لعب التداول دوراً هاماً فى الانتخابات الماضية للحزب حينما كانت حظوظ سعد الدين العثمانى الذى كان رئيساً للحزب عالية، لكنه خسر الانتخابات بعد «التداول» حينما شن عليه كثير من أعضاء المجمع الانتخابى هجوماً شديداً منتقدين إدارته للحزب مما أدى فى جولة التصويت إلى خسارته لصالح عبدالإله بنكيران، وعادة ما يستمر التداول لعدة ساعات، فى أعقابه يتم التصويت لاختيار رئيس الحزب ويتم فرز الأصوات أمام الجميع ثم إعلان النتيجة، بعد ذلك يقوم رئيس الحزب بترشيح أعضاء اللجنة التنفيذية الذين سيرافقونه فى إدارة الحزب خلال فترة ولايته، فيقوم الأعضاء بالتصويت عليهم، والذى لا ينال الثقة يتم طرح غيره، ثم تبدأ عملية الانتخاب لباقى المسئولين ورؤساء اللجان وغيرهم، وتعتبر هذه العملية من أرقى ما شاهدته من نزاهة انتخابية على الإطلاق، أما الانتخابات فى حزب العدالة والتنمية التركى فلها طريقة أخرى.. نتابع غداً.