أصبح السؤال الذى يوجهه إلىّ مِن كل من يقابلنى فى أسفارى عن حجم الفوضى واتساعها فى مصر بشكل كان يشعرنى بالقلق حينما أكون بعيداً عن أية وسائل إعلام أو اتصال بالمصادر الإخبارية، الأسئلة عن مصر كانت كثيرة خلال الأسابيع الثلاثة الماضية، وقد كنت أتلقاها بقلق من الأوروبيين الذين التقيتهم خلال جولتى الأخيرة، ولم تكن هذه الأسئلة على مستوى المسئولين والمثقفين والسياسيين فحسب، ولكن حتى على مستوى البائعين فى المحلات أو الذين يعملون فى المطاعم، الذين يعرفوننى منهم يسألوننى مباشرة بلهف، والذين لا يعرفوننى حينما يعلمون أننى مصرى يسألوننى مباشرة عن مصر والاضطرابات التى بها، وأستطيع من خلال القلق الذى لاحظته لدى كل من سألنى أن أؤكد أن السياحة ليست على ما يرام والاقتصاد وضعه متردٍّ والعلاقات الدولية مع مصر فى حالة ترقب، ورغم أن الإعلام يضخم حالة الفوضى ويعطيها هالة كبيرة فإن الوضع لا يستهان به على أى الأحوال، لا سيما بعدما قام المتظاهرون، أياً كان وضعهم، بإغلاق البورصة ومجمع التحرير ثم طريق المطار حتى إجبار بعض المسافرين على السير لمسافة طويلة على أرجلهم من أجل أن يلحقوا بالطائرات، وفى حالة العصيان المدنى التى دعوا إليها دخلوا بالأسلحة على المدارس والمؤسسات الحكومية، وأجبروا الجميع على مغادرتها، هذه السلوكيات لا تمس الحكومة، ولا تمس الرئيس مرسى أو «الإخوان المسلمين»، وإنما هى سلوكيات موجهة ضد مصر وشعبها، تضر بالاقتصاد والأمن القومى وتنعكس على الاستقرار ومكانة مصر الدولية. انقبض قلبى أمس الأول حينما سألنى أحد الإيطاليين الذى كنت أشترى منه شيئاً فسألنى من أى البلاد أنت؟ قلت من مصر، قال وعلامات الأسى على وجهه: لديكم مشاكل كبيرة فى مصر اليوم؟ اعتقدت أن الأمر به تطورات غير عادية، تركت ما فى يدى وركضت أبحث عن وسيلة تواصل مع الأخبار فى أرجاء المكان، وجلست أقلب بقلق تطورات الوضع فى مصر، وقلت: يا إلهى، مصر كنانة الله فى أرضه الكل يسأل عن أخبارها ويريد أن يعرف ماذا يجرى فيها، ورغم عادة الأوروبيين فى عدم الاهتمام إلا بشئونهم الداخلية التى تمس حياتهم بشكل مباشر، فإن الثورة المصرية جعلت شعوب الأرض جميعاً تقف فى تحية وإكبار للشعب المصرى على ما قام به، وجعلته يرقب الثورة وتطوراتها، وجعلت كثيرين منهم فى شوق لزيارة مصر والتعرف على شعبها المعطاء الطيب، هذه الشعوب الآن قلقة على ما يحدث فى مصر وعلى المخاطر التى تتعرض لها هذه الثورة، وتتابع كل يوم بقلق ما يحدث على أرضها وما تنقله وسائل الإعلام المختلفة. لاحظت أن تصاعد التظاهرات فى مصر له مواسم ترتفع فيها موجة التظاهرات ثم تنخفض، ولم يعد عاقل يعتقد أن ما يحدث مرتبط بمطالب تُرفع سرعان ما تتغير إذا تمت الاستجابة لها، بل مرتبط بأهداف ربما تكون أبعد بكثير مما يخرج المتظاهرون من أجله، وإذا كان البعض يخرج بإخلاص لا شك فيه، فإن كثيرين يخرجون بتوجيهات ليست بريئة أو للاسترزاق، لأن الاستقرار يعنى خروج مصر من عنق الزجاجة وجذب الاستثمارات ودوران عجلة الإنتاج واستقرار الأمن، أما الفوضى فتعنى ألا تخرج مما هى فيه حتى لا تسترد مصر مكانتها وقرارها وتبقى مأزومة تدور فى إطار مشاكلها التى لا تنتهى. إن الفوضى حرفة وصناعة وليست تحركات عفوية أو مطالب فئوية، فما يحدث فى مصر هو فوضى منظمة تديرها جهات تعرف ماذا تريد، وإن كان الذين يمارسون الفوضى بعيدين تماماً عن إدراك هذه الأهداف، ولا يشك فى النوايا الحسنة لكثيرين منهم، لكن ما يقومون به يصب فى النهاية فى مصلحة أعداء مصر، وعلى رأسهم إسرائيل التى تدرك أن مصر يجب أن تبقى فى حالة فوضى وعدم استقرار، لأن استقرار مصر يعنى أن إسرائيل سوف تجبر على احترام تعهداتها والتزاماتها على الأقل مع جيرانها، حينما تتوقف الفوضى سيبدأ الاستقرار وتدخل مصر مرحلة جديدة فى ثورتها وتاريخها، فمتى تتوقف الفوضى فى مصر؟