حينما أعلن عن إجراء الانتخابات الرئاسية في الجزائر في شهر إبريل من العام 1999، سعيت للاتصال مع أبرز المرشحين لإجراء حوارات معهم بالتساوي، في برنامجي التليفزيوني «بلا حدود» الذي كان قد انطلق في شهر فبراير من نفس العام واخترت أربعة من المرشحين يمثلون الاتجاهات الأساسية المختلفة في الجزائر، وهم لويزة حنون تمثل التيار اليساري وأحمد طالب الإبراهيمي الذي يمثل التيار الوطني المستقل ومولود حمروش الذي كان ممثلا لجبهة التحرير على ما أذكر ، والمرشح من قبل العسكر عبد العزيز بوتفليقة وقد رتبت أن يكون بوتفليقة آخرهم على اعتبار أن الانتخابات كانت ستجرى في اليوم التالي، وكانت فرصته كمرشح للعسكر هي الأكثر حظا، حينما تقدمت بطلب تأشيرة للسفارة الجزائرية في الدوحة حتى أذهب للجزائر لأجري الحوارات هناك تم رفض الطلب للثلاثة الأول، وحينما جاء دور بوتفليقة فوجئت باتصال من السفارة حتى أذهب للحصول على الـتأشيرة لأتمكن من الذهاب للجزائر وإجراء الحوار هناك فاعتذرت لهم، وقلت طالما لم يسمح لي بالذهاب من البداية واضطررت لإجراء الحوار مع المرشحين الثلاثة عبر الأقمار الاصطناعية فليس معنى أن بوتفليقة مرشح السلطة العسكرية الحاكمة أن أذهب للجزائر وأجري الحوار هناك سأفعل مثلما فعلت مع الآخرين وأجري الحوار عبر الأقمار الاصطناعية مثله مثل البقية، أما بالنسبة للتحضير للحوارات فقد كنت أتواصل مع المرشحين بشكل مباشر أما المرشح عبد العزيز بوتفليقة فقد كنت أتواصل مع الجنرال العربي بالخير أحد الجنرالات المتنفذين الذين كانوا يحكمون الجزائر آنذاك وهو الذي اقترح بوتفليقة على الجنرالات بعدما كان بوتفليقة يقيم في دولة الإمارات كلاجئ يتقاضى مخصصات ولا يفعل شيئا مثل كثير من السياسيين السابقين الذين يعيشون في دول أخرى، ولم يكن بوتفليقة يحلم على الإطلاق أن تتاح له الفرصة ليعود للجزائر فضلا أن يعود رئيسا، ولذلك كان العربي بالخير هو عراب صفقة صناعة الرئاسة لبوتفليقة، وكنت على اتصال مباشر معه في كافة الترتيبات التي تتعلق بالحوار مع بوتفليقة ولم أتحدث مباشرة مع بوتفليقة إلا وأنا معه على الهواء، وقد كان الحوار قاسيا كعادة حواراتي مع السياسيين وواجهت بوتفليقة ببعض الوثائق التي أدت إلى إحراج موقفه مما دفعه إلى أن يكون أول قراراته إغلاق مكتب قناة الجزيرة في الجزائر الذي مازال مغلقا حتى الآن، ومن الطبيعي ألا تطأ قدمي الجزائر بعد ذلك وربما تكون هي الدولة العربية الوحيدة في شمال إفريقيا التي لم أذهب إليها.
بقي العربي بالخير إلى جوار بوتفليقة كمدير للديوان الرئاسي خلال سنوات الحكم الأولى ليزن المعادلة بينه وبين الجنرالات الحكام الحقيقيين للجزائر، وفي اللحظات التي كان بوتفليقة يصدر فيها بعض القرارات التي لا يرضى عنها العسكر كان بالخير يتدخل لتعديل الكفة وحينما أراد بوتفليقة أن يرتب علاقاته بشكل مباشر مع الجنرالات أبعد العربي بالخير ليصبح سفيرا في المغرب إلى أن أصيب بالخير بالمرض اللعين وتوفي بعد ذلك واكتسب بوتفليقة قدرة هائلة على حفظ توازن المعادلة بينه وبين العسكر بعد ذلك حتى أنه حينما مرض المرض العضال في إبريل الماضي والذي أقعده في باريس لعدة أشهر كان أول ظهور له مع قائد الجيش ليطمئن الشعب الجزائري أن رئيسه مازال بصحة جيدة وقادرا على الاستمرار في القيام بصلاحيات الحكم، المفاجأة الآن أن هناك انتخابات رئاسية قادمة في شهر إبريل القادم في الجزائر، ويتردد على صدى واسع أن الرئيس بوتفليقة سوف يرشح نفسه لولاية رئاسية رابعة أو يتم تعديل الدستور ليسمح له بالبقاء حتى العام 2014 رغم التقارير الطبية التي تقول إنه لا يمسك بزمام كثير من الأمور، لكن الجنرالات الذين يمسكون بزمام الأمور هم الذين يسيرون الحكم كما يشاؤون ويعدلون التشريعات والدساتير والقوانين بالشكل الذي يخولهم صناعة الرؤساء على الشكل الذي يريدون وبالمدة التي يحددونها أما الشعب الجزائري فلم يعد يهمه من يحكمه وإنما كل ما يريده هو أن يشعر أنه ينتسب إلى واحدة من أغنى دول العالم وأن تفيض عليه بعض خيرات البلاد بعدما استأثر العسكر ليس بالسلطة وحدها وإنما بالثروة والسلطة.
الوطن القطرية