الأحكام القضائية التي صدرت بحق أربع عشرة فتاة في الأسكندرية بالحبس أحد عشر عاما وايداع سبعة آخرين دون الثامنة عشرة إحدى دور الرعاية الاجتماعية دون مدة محددة لأنهن خرجن للتظاهر ضد الانقلاب أثار اشمئزاز المجتمع الدولي والضمير الانساني كله، وتصدر خبر صدور هذه الأحكام مع صور الفتيات الصغيرات خلف القضبان صدر الصحف ووسائل الاعلام العالمية ليس لأنها خرجت عن اطار ما عهده العالم من محاكمات في مثل هذه الحالات ان كان هناك محاكمات لمثلها.
ولكن لأنه لم يعد هناك ضمير يمكن الحديث عنه لدى القضاة، فدائما يقولون ضمير القاضي، وضمير المحكمة، ولكن حينما تقرأ أو تسمع عن أحكام فاسدة تجاوزت كل الأعراف والقوانين مثل هذه الأحكام لا تسأل عن الضمير ولا حتى عن الانسانية فهي لا وجود لها لدى من يصدرون مثل هذه الأحكام ولكن اسأل عن حجم الفساد الذي وصل اليه القضاء في تلك الدولة التي تصدر من قضاتها مثل هذه الأحكام والأسباب التي تدفع مثل هؤلاء القضاة لاصدار مثل هذه الأحكام المغلظة بل وغير القانونية، وهذه ليست المرة الأولى التي تصدر فيها مثل هذه الأحكام خلال الأيام القليلة الماضية فقد حكم بالسجن سبعة عشر عاما على طلاب جامعة الأزهر الذين تظاهروا أمام مقر مشيخة الأزهر ولا ندري ما هي الأحكام التي يمكن أن تصدر بحق هؤلاء لو قتلوا أو قطعوا الطريق أو أفسدوا في الأرض وليس لمجرد أنهم تظاهروا ضد نظام انقلابي فاسد أطاح برئيس منتخب وعطل دستورا اختاره الشعب بنسبة الثلثين وقتل وجرح واعتقل عشرات الآلاف من المصريين، كما أن هذه الأحكام صدرت عن محاكم جنح مما دفع الكثيرين من رجال القانون والقضاء للتساؤل عما تركه هؤلاء القضاة لمحاكم الجنايات حتى يصدروا مثل هذه الأحكام غير المسبوقة في تاريخ محاكم الجنح.
لقد أفسد النظام العسكري الحاكم في مصر منذ العام 1952 كل مناخات الحياة وعلى رأسها القضاء، ولا ننسى أبدا الأحكام التي كانت تصدر على المعارضين السياسيين للنظام خلال سنوات الخمسينيات والستينيات وطوال العقود الستة الماضية والتي كان يتبارى فيها بعض القضاة الفاسدين في اصدار الأحكام غير المعقولة وغير المتصورة والتي تعود في أحكامها الى العصور الوسطى ومحاكم التفتيش، ذلك أن القضاة الفاسدين يتسابقون لإرضاء النظام الحاكم الفاسد حتى يحصلوا على المناصب التي خصص للقضاة نصيب منها في ادارات الدولة التي تدر عائدات كبيرة على من يتلونها، فهناك كوتة للقضاة كمحافظين وكوزراء وبعضهم كسفراء أو رؤساء لمؤسسات وهيئات أو أعضاء في لجان تحكيم أو منتدبين لدى الوزراء أو الهيئات يتقاضون عدة رواتب من عدة مؤسسات ووزارات وهم في نفس الوقت يجلسون على كرسي القضاء فأنى لمثل هؤلاء أن يكون لديهم ضمير أو انسانية يمكن الحديث عنها ؟ وأنى لهم أن يصدروا أحكاما قانونية أو تعرف سندا من القانون، وهؤلاء يدمرون الأنظمة التي يخدموها ويدمرون طموحهم الأعمى فدولة الظلم لا تدوم والأحكام الظالمة سرعان ما تهوي بقضاتها وأنظمتها الى الحضيض لأن مثل هذه السلوكيات هي التي تعجل بنهاية الظلم ودولة الظلم ولعل هذا ما دفع كثيرين حتى من مؤيدي النظام الانقلابي لتغير مواقفهم ومعارضتهم لهذا الظلم البين والأحكام الجائرة.
هذا لا ينفي وجود قضاة شرفاء يرفضون أن يكونوا أحذية بأقدام العسكر وأن يكونوا دائما فوق الجميع بأحكامهم وضمائرهم وانسانيتهم، أما الذين تخلوا عن مبادئهم فمصيرهم ومصير أحكامهم مزبلة التاريخ.
الوطن القطرية