نُشر المقال فى 30 أغسطس 2017
بقيت إسرائيل منذ قيام الغرب بزرعها في قلب فلسطين وهي تتمنى أن يرضى عنها جيرانها أو يقبلوا بوجودها، وكان قرار الرئيس المصري أنور السادات بالذهاب إلى القدس عام 1977 كسرا لحاجز العداوة التاريخية مع إسرائيل وتنازلا عن حق المسلمين في أرض فلسطين، فمجرد القبول بكيان استيطاني مزروع على أرض إسلامية كان تغييرا في كافة معادلات الصراع التي تحفظ لأهل فلسطين وللأمة حقها في جزء عزيز من أرضها يحوي أحد أهم المقدسات لدى المسلمين وهو المسجد الأقصى.
وسرعان ما تتابعت الحكومات العربية بعد توقيع السادات لاتفاقية كامب ديفيد بالتوافد على إسرائيل ومخاطبة ودها سواء عبر اتفاقيات رسمية مثل اتفاقية الأردن في وادي عربة أو ياسر عرفات في أوسلو أو عبر علاقات غير معلنة مثل كثير من الدول، وقد لعبت الدول الغربية لاسيما الولايات المتحدة الأميركية دورا كبيرا في ترتيب العلاقات المعلنة والسرية لإسرائيل مع الدول العربية، وكان مجيء الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي يعتبر من أشد المؤيدين لإسرائيل إلى الحكم دافعا لترتيب علاقات أقوى بين العرب وإسرائيل وكسر ما تبقى من حواجز ومحرمات، لكن إسرائيل التي كانت تتمنى قرب الدول العربية منها أصبحت تتباعد عنهم وتترفع وتستعلي على العرب الذين أصبحوا يقدمون التنازلات تلو التنازلات دون أي مطالبات سوى أن تقبل إسرائيل فقط مجرد الاعلان عن تقدم في المفاوضات التي عادة ما لا تفضي إلى شيء.
وقد جاءت زيارة صهر ترامب وكبير مستشاريه اليهودي ديفيد كوشنر للمنطقة في الأسبوع الماضي لتكشف حجم التهافت الرسمي العربي وحجم الاستعلاء الإسرائيلي، فقد ذكر الزميل صالح النعامي في تقرير نشره في 28 أغسطس نقلا عن موءاف فادري المعلق السياسي لقناة التلفزة الإسرائيلية العاشرة أن جاريد كوشنر حمل عرضا من السعوديين لنتانياهو طالبوه من خلاله أن يحرز أي تقدم في المفاوضات مع الفلسطينيين مقابل أن يلتزموا بتطبيع العلاقات مع إسرائيل، وذلك من خلال السماح بتسيير رحلات جوية وتجارية مع تل أبيب ومنح رجال الأعمال الإسرائيليين تأشيرات دخول للسعودية، هكذا وصل الأمر مجرد المطالبة بإحراز تقدم شكلي في المفاوضات بعيدا عن المطالبة بالقدس والأقصى وحق اللاجئين في العودة والدولة الفلسطينية وحدود العام 1967 وفك الحصار عن أهالي غزة، وهي المطالب التي طالما وضعها العرب كشروط لبدء المفاوضات والتطبيع مع إسرائيل.
العرض الذي قدمه السعوديون عبر كوشنر لنتانياهو عرض مغر إلى حد كبير لأنه يحوي تطبيعا مع الدولة التي تحتضن مكة والمدينة والكعبة المشرفة، وإسرائيل الدولة الاستيطانية المزروعة في قلب العالم العربي دون ثمن إلا مجرد وعود.. لكن نتانياهو رفض حتى مجرد تقديم الوعود وطالب بتطبيع كامل دون ثمن لأنه لاحظ أن العرب يأتونه راكعين، كما أن السعوديين قد طبعوا دون مطالب حيث ذهبت الوفود السعودية إلى إسرائيل ودخل الصحفيون الإسرائيليون إلى قصور الرياض دون ثمن ودون شروط، فلماذا يقبل نتانياهو الشروط الآن وقد جاءه العرب مستسلمين دون ثمن، ففي غياب أي تصور لدى ترامب وإدارته وفي غياب العزة والكرامة العربية أصبحت اليد العليا لإسرائيل!!