نُشر المقال فى 5 ديسمبر 2018
فاجأ الرئيس اليمني المخلوع علي عبد الله صالح، قبل أن يلقى مصرعه أمس 4 ديسمبر 2017، الجميع بإعلان حربه على حلفائه الحوثيين، ومطالبة أنصاره بالانقلاب عليهم يوم السبت 2ديسمبر، واستعداده لعلاقة طيبة مع دول الجوار، ويبدو أن اتصالات وترتيبات سرية جرت بين صالح وكل من الإمارات، التي يقيم فيها ابنه وجزء كبير من عائلته والسعودية، التي تقود التحالف ضده وضد الحوثيين، حيث أعلنت مباشرة دعمها لما أطلقت عليه «الانتفاضة المباركة»، لكن يبدو أن صالح، الذي أعلن انقلابه على الحوثيين من خلال محطته التليفزيونية الفضائية، لم يكن على دراية واسعة بحجم الولاء الذي يتمتع به، أو الأنصار الذين يمكن أن يتجاوبوا مع ندائه، لأن الولاءات المتغيره والمتقلبة في اليمن ليست جديدة، وإنما هي أمور تتعلق بالتركيبة القبلية والثقافة، والامتدادات الجغرافية والمصالح الشخصية والقبلية والتركيبة المذهبية وعوامل أخرى كثيرة، فالذين يلتفون حول صالح أغلبهم من ذوي الأهواء والمصالح والتقلبات مثله، أما الذين يلتفون حول الحوثي فكثير منهم من ذوي المصالح أيضا، لكن جزءا لا يستهان به منهم تحركهم المذهبية الاثنا عشرية، التي بدأت تغزو اليمن منذ أن بدأ الحوثيون نسج علاقتهم مع الإيرانيين، بعلم علي عبد الله صالح ودعمه، قبل أكثر من عشرين عاما، لذلك نجح الحوثيون في دحر قوات صالح والسيطرة على كثير من مواقعه ومنازله، ومنازل عائلته، ومسجد الصالح، وكثير من المناطق التابعة له في صنعاء، وما حولها، كما نجحوا أولا في عزله إعلاميا إلى حد كبير عبر السيطرة على محطته الفضائية ومعظم المواقع الإعلامية التي كان يبث منها، قبل ان تنهي أمره كليا، بمقتله أمس، وهذا يعني أن المواجهة لن تكون سهلة العواقب وإنما سوف تعقبها حروب طويلة سيدفع الشعب اليمني ثمنها وسوف يكون وقودها دون شك.
لكن هذا الحلف الذي أنشئ بين صالح – قبل مقتله- والتحالف العربي يقوض وضع الحكومة الشرعية التي يرأسها الرئيس عبد ربه منصور هادي، والتي تعاني كثيرا سواء من تدخلات الإماراتيين المباشر في عدن ومعظم مناطق جنوب اليمن أو شراء ولاء كثير من القادة العسكريين والقبائل، مما يعني ضبابية شديدة في مستقبل اليمن في ظل تقارير تشير إلى أن الاتفاق السري بين صالح والتحالف يقضي بعودة ابنه أحمد من أبوظبي وتمكينه من حكم الشمال على أن يتم طرد الحوثيين إلى جبال صعدة التي جاءوا منها، لكن يبدو أن هذا المخطط في ظل الغلبة العسكرية للحوثيين لن يكون سهل التطبيق، وسوف تدخل اليمن في حروب معقدة، ومستقبل مجهول، بسبب العبثية التي تتعامل بها دول التحالف مع المشهد اليمني، لتحول اليمنيين إلى وقود لحرب لا نهاية لها، تدمر الأخضر واليابس، وتبيد العشرات كل يوم، وتحولهم إلى قتلى أو معاقين، أو إلى الأمراض الفتاكة التي أصبحت تضرب اليمنيين، من كل جانب كوليرا وتيفود وأمراض أخرى لعينة، اعتقدت البشرية أنها انتهت ولم يعد لها وجود، لكن الشعب اليمني يعاني منها تحت سمع العالم وبصره، دون أن يكون للإنسانية وجود سوى المناشدات العقيمة التي لا تشفي مريضا ولا تنقذ جريحا ولا توقف الحرب.