نُشر المقال فى 26 ديسمبر 2018
القتل البطيء للسياسيين المعارضين استراتيجية قديمة للأنظمة الاستبدادية، حيث يلقى بالمعارضين في غياهب السجون في ظروف بالغة الصعوبة والتعقيد تتجاوز القهر والتعذيب إلى القتل البطيء بدءا من أجواء الزنازين المعتمة المظلمة المليئة بالقاذورات والهواء العفن إلى الطعام المليء بالقذارة والأمراض إلى منع الدواء والغطاء إلى ملء الزنازين في كثير من الأحيان بالمياه الآسنة أو المخلفات الإنسانية أو الحيوانية إلى سجانين قساة غلاظ لا يعرفون من الإنسانية شيئا ولا من الرحمة معنى فتبدأ روح السجين تنطفئ وجسده ينزوي ويتآكل وصحته في التدهور والانهيار فتضيق نفسه ويختنق صدره ويأتيه الموت من كل مكان، فما ينجو إلا من يلهمه الله الصبر فيكون معه في بلائه حتى حين، ومنهم من يأتي أجله على هذه الحال، ورغم أن كتب التاريخ تمتلئ بهذه القصص إلا أن الحاضر مليء بما هو أعظم منها وأكثر أسى وظلما وبطشا، وقد التقيت مع كثير من هؤلاء سجل بعضهم رواياته معي في برنامج «شاهد على العصر» من دول عربية مختلفة لحكام ظالمين قساة غلاظ كان هدفهم أن يقضوا على معارضيهم موتا لكن شاء الله أن يموت الطغاة وأن يخرج هؤلاء للحياة ليرووا للبشرية جانبا من ظلم الإنسان لأخيه الإنسان.
سجلت مع شهود قدموا صورا لهذه المظالم من سجون عبدالناصر والقذافي وبن علي والحسن الثاني والأسد وغيرهم وغيرهم، فأين ذهب هؤلاء المستبدون بعد كل ما فعلوا بالناس؟
المشهد مازال يتكرر كل يوم حيث يقوم عبدالفتاح السيسي في مصر بممارسة هذه المنهجية الشيطانية في تعذيب معارضيه حتى القتل، وكما قام من قبله من الطغاة بتأسيس سجون خاصة للمعارضين لتكون مقبرة لهم تزوى فيها أجسادهم وتموت قلوبهم وأرواحهم اختار السيسي سجن العقرب ليكون هذه المقبرة لمعارضيه، وهو سجن لا تقل قسوة السجانين فيه عن قسوة جدرانه وظلمات زنازينه، حيث منع الزيارات والأدوية والأغطية والاحتياجات الأساسية عن المسجونين حتى يعزلهم عن الحياة والبقاء فيها، فزوت أجسادهم وضربهم الوهن، لكن شيئا واحدا يبقيهم على قيد الحياة أعزاء رغم كل ما هم فيه، هو علاقتهم بربهم، لقد سألت ابن أحد أصدقائي عن أبيه المعتقل في غياهب العقرب فقال لي لم نره منذ عام فالزيارة ممنوعة والأدوية والأغطية والأطعمة ممنوعة رغم أنه يعاني من أمراض كثيرة إلا أن سجانيه يرفضون كل شيء يمكن أن يؤدي إلى تعافيه لكننا واثقون من أن الله معه لأنه مظلوم.
المنظمات الحقوقية وأسر المعتقلين تروي كل يوم قصصا لا تصدق عما يتعرض له المعتقلون في سجون السيسي من مظالم وانتهاكات، ربما لا تحدث في سجون إسرائيل تجاه الفلسطينيين وأتساءل دائما ماهو حجم الحقد والغل والكراهية التي يزرعها النظام في نفوس السجانين تجاه مصريين مثلهم حتى تنتزع الرحمة من قلوبهم فيعاملون هؤلاء الذين كانوا وزراء وأساتذة جامعات وأطباء ومهندسين وحتى أناسا عاديين بهذه القسوة البالغة والإنسانية المنعدمة؟
لكن شيئا أساسيا يبقى مصدر الأمل هو أن أن لكل ظالم نهاية حتى وإن طال أجله وطغى ظلمه وسينصر الله كل مظلوم حتى ولو بعد حين.