يواصل أحمد منصور توثيق الشهادات على عصر يحيى السنوار، زعيم حركة المقاومة الإسلامية حماس، في برنامج شاهد على العصر، ويستضيف د.باسم نعيم رئيس الدائرة السياسية والعلاقات الخارجية في حركة حماس في غزة، ليستعرضا شخصية يحيى السنوار : رجل الدولة الثائر ؟! وملكاته وقدراته الشخصية، ودوره الأبرز في التخطيط للطوفان.
وأوضح نعيم أن التجهيز لطوفان الاقصى، استغرق أعواماً طويلة، بما في ذلك حفر 600 كم من الأنفاق، استغرقت نحو 20 عاماً، مشيراً إلى أن السنوار كان له الدور الأبرز في التجهيز النهائي لعملية الـ 7 من أكتوبر 2023.
وتحدث نعيم عن التناقض في شخصية السنوار، وقال إنه كان مقاتلاً شرساً مع الإسرائيليين، لطيفاً مع إخوانه وحريصاً على العلاقات الطيبة مع الآخرين، بما فيهم أبناؤه، الذين كان يجهر بمحاولته إيجاد حياة ومستقبل أفضل لهم.
وأوضح أن السنوار كان عميق التدين، يحرص على أوراده الخاصة في سرية تامة مهما كانت ظروفه، ويقول: “وقت الأوراد حان وإذا لم أنجز أورادي الليلة فقد لا أصبح”.
وكشف الضيف أن السنوار كان يعتبر أن الحكم الذي يمارسه الفلسطينيون تحت الاحتلال هو حالة استثنائية اضطروا إليها في ظل اتفاق أوسلو، وكان حريصاً على إنجاز مصالحة للتحلل من أعباء الحكم والتفرغ لمشروع المقاومة الشامل وفي القلب منه المقاومة المسلحة.
وأكد أن السنوار كان يملك قدرة غير عادية على احترام الآخرين حتى لو كان مختلفاً معهم أيديولوجياً أو سياسياً أو مجتمعياً، وأنه كان يشيد بالجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وبانتماء كوادرها الوطني وصلابتهم وثقافتهم واستعدادهم للتضحية، ويوصي على الدوام خيراً بحركة الجهاد الإسلامي.
وتحدث نعيم عن كواليس ودوافع اللقاء السري الذي جمع الشهيد السنوار مع محمد دحلان.
وتطرق إلى قدرات وملكات السنوار الهائلة، بما في ذلك قدرته العجيبة على الاستشراف، وثقافته الواسعة، ومعرفته العميقة والدقيقة بالأمور، وأنه يملك قدرة على اتخاذ القرار بجرأة و إبداع غير مسبوق ببراجماتية أحياناً.
كما تحدث عن إدارة السنوار للوقت، وأنه كان يعيش الساعة 60 دقيقة بكل ما فيها، ويحترم الوقت، ولديه عدة ساعات بمكتبه، أحداها بـ 4 سنوات مدة رئاسته للمكتب، بما فيها الشهور والأسابيع والأيام، وآخرى ساعة ستوب ووتش تعُد الساعات المتبقية من دورته.
نص حوار باسم نعيم عن
يحيى السنوار : رجل الدولة الثائر ؟!
أحمد منصور
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وأهلاً بكم في حلقة جديدة من برنامج “شاهد على العصر”، في هذه الشهادة الخاصة، نواصل تقديم الشهود على شاهدنا الذي كنا ننتظر أن نسجل معه، ولكنه استشهد قبل أن نقوم بذلك، الشهيد يحيى السنوار. أما شاهدنا عليه فهو أحد المقربين إليه، وربما كان من أواخر من التقوا به قبيل طوفان الأقصى، وهو الدكتور باسم نعيم، وزير الصحة والشباب في حكومة إسماعيل هنية، ورئيس الدائرة السياسية والعلاقات الخارجية في حركة حماس في غزة. دكتور، مرحبًا بك.
باسم نعيم
أهلاً وسهلاً بكم.
أحمد منصور
قبيل طوفان الأقصى بأسبوع واحد فقط، التقيت مع يحيى السنوار لتودعه حتى تذهب لحضور مؤتمر خارج غزة، ولكن في 7 أكتوبر 2023 اندلعت الحرب وبقيت خارج غزة. هذا كان آخر لقاء، فماذا عن أول لقاء لك مع يحيى السنوار؟
باسم نعيم
بسم الله الرحمن الرحيم. يعني اللقاء الأول هو أول معرفة مباشرة به، وأول مرة كانت بعد خروجه من السجن.
أحمد منصور
هو خرج في 18 نوفمبر 2011.
باسم نعيم
2011 في صفقة وفاء الأحرار الأولى، وإن شاء الله يكون فيه وفاء الأحرار ثانية قريبًا يعني. وكانت معرفة أولية وليست معمقة؛ لأن المعرفة المعمقة صارت عندما التحقت بالمكتب السياسي في حركة المقاومة الإسلامية حماس، رئيسًا للدائرة السياسية ومسؤول العلاقات الخارجية في غزة.
أحمد منصور
متى كان؟ في أي انتخابات؟
باسم نعيم
في الانتخابات الأخيرة.
أحمد منصور
2012 الأخيرة؟
باسم نعيم
2020.
أحمد منصور
2020.
باسم نعيم
نعم.
أحمد منصور
لكن أنت من 2011 إلى 2020 كانت العلاقات بسيطة معه؟
باسم نعيم
كانت يعني هو قائد كبير في الحركة، عضو المكتب السياسي، وأنا كنت في هذه الفترة مسؤولًا للعلاقات الخارجية. وفي مرحلة من المراحل، كنت أيضًا عضوًا في اللجنة الحكومية الإدارية، مسؤولًا عن ملف الصحة والشؤون الاجتماعية والعلاقات الدولية.
أحمد منصور
نعم.
باسم نعيم
ولذلك كان هناك تقاطعات في اجتماعات، في لقاءات، في أعمال.
السنوار رجل الطوفان
أحمد منصور
لكن القرب الأساسي منه والالتصاق معه كان في المكتب السياسي، واستمر هذا من 2020 إلى 2023. يعني المرحلة الحاسمة سواء في التخطيط لطوفان الأقصى أو بروز شخصية السنوار القيادية في الجوانب المختلفة.
باسم نعيم
يعني أنا أعتقد أنه يمكننا القول إن التخطيط للمحطات الأخيرة لطوفان الأقصى كان جزءًا من العمل المستمر، لكنني لا أعتقد أن طوفان الأقصى في 7 أكتوبر كان نتيجة سنة أو سنتين من العمل، هناك ستمائة كيلومتر من الأنفاق احتاجت عشرين عامًا من الحفر تحت الأرض، هناك سلاح تم تطويره من الرصاصة إلى الصاروخ، بدأ منذ حوالي عشرين عامًا، وقس على ذلك كل مكونات هذا المشروع: بناء مجتمع المقاومة، وبناء المجاهد المقاوم، لكن بالتأكيد المحطات الأخيرة، والتي كان دور الشهيد أبو إبراهيم رحمة الله عليه هو الدور الأبرز فيها، كانت في صقل هذه المقدرات والإمكانات والتوجهات، لتخرج لنا بهذا المشهد الملحمي الأخير في يوم السابع من أكتوبر.
الوجه الآخر للمقاتل الشرس
أحمد منصور
الدور الذي قمت به معه في السنوات الثلاث الأخيرة قبيل طوفان الأقصى كان بحكم وضعك ومسؤولياتك يجعلك قريبًا منه في كثير من الأحيان، لأن بصفته أصبح رئيسًا للحركة، فبالتالي أصبح يحتاج إلى الدائرة التي ترأسها والأشياء التي تقوم بها.
ما هي الجوانب التي اكتشفتها بداية في شخصية يحيى السنوار؟ هذا الرجل الذي يبدو متجهّمًا، علاقته بالإسرائيليين هي علاقة محارب ثائر لا يبتسم، لا يعرف من الحياة إلا القتال.
علاقة السنوار بأطفاله
باسم نعيم
والله هذا الانطباع فعلاً هو توصيف دقيق، ويمكن أنا من الناس الذين اكتشفوا في أبو إبراهيم عند الاقتراب منه في العمل في دائرة المكتب السياسي أنه لا، هناك إنسان آخر في قلب هذا الثائر وهذا المقاتل الشرس فيما يتعلق بالعدو، هناك إنسان لطيف جدًا مع إخوانه، حريص جدًا على علاقاته الطيبة مع الآخرين، حتى على مستوى علاقاته الأسرية، وكان يهتم بأن يُبذل لأطفاله الكثير، وهذا سمعته منه كثيرًا. كان يقول: “أتمنى أن أؤمن لأطفالي مستقبلاً أفضل.” وكان يحاول ما استطاع في زحمة الواجبات والتكليفات، وفي ظلال هذه المعركة الكبيرة، أن يقترب منهم ويقدم لهم شيئًا يشعرهم بوجوده كأب معهم، لكن كما قلت، هناك جوانب كثيرة تكتشفها كلما اقتربت منه، تكتشف أنه، كما قلت، الإنسان اللطيف.
أحمد منصور
خليني هنا عند اللطيف، لا شك أن الذي جعلك تكتشف هذا هو مواقف رأيتها أمامك، ما هي المواقف، وليس موقفًا واحدًا، على الأقل أعطني موقفًا واحدًا جعلك تكتشف هذا الجانب في تلك الشخصية؟ وأنت بقيت ربما تسع سنوات تعرف يحيى السنوار دون أن تقترب منه وتكتشف هذه الصفة.
باسم نعيم
يعني كثير من الأحيان كنا نضع بعض القضايا على طاولة النقاش والحوار، سواء فيما يخص أحد الإخوة من الحركة أو أحد المواطنين، ويكون هناك خطأ أو تجاوز، ونميل إلى أخذ الأمور بشدة و الالتزام بحرفية القوانين، إلى آخره، فنكتشف في نهاية الأمر أنه يذهب في اتجاه آخر، في اتجاه الرحمة والرأفة، وخاصة إذا كان مواطنًا عامًا، يعني دائمًا كنا نشعر أنه كان يقول: “إحنا مش عايشين في السويد أو في سويسرا، بدكم تحاسبوا الناس على القوانين بحرفيتها في الناس تحت الاحتلال، وتحتمل ما لا يطيقه الجبال من الظلم والضيم والحصار.” وبالتالي تجده هو دائمًا يأخذ مناحي اللطف مع الناس عمومًا، وخاصة إذا كان مواطنًا…
حتى في قضايانا الداخلية، كان دائمًا يرى أنه إذا حصلت مخالفة من أخ أو خطأ أو تجاوز، تشعر أنه يميل إلى أنه “لا، خلينا رؤوفين بإخواننا.” وفي النهاية هم يحتملون معنا هذا العبء الكبير في هذا المشروع، ويقدمون الغالي والنفيس في سبيل هذا المشروع. لذلك، لا يجوز أن نقف معهم على بعض الأخطاء والتجاوزات.
أحمد منصور
لكن كان حازمًا في قضايا أخرى.
باسم نعيم
نعم، نحاسب ولكن برحمة ولطف.
أحمد منصور
طيب، ما الجوانب الأخرى في تلك الشخصية؟ كجوانب إنسانية أيضًا لمستها فيه.
أحمد منصور
أنا رأيت في أخونا أبو إبراهيم إنسانًا أولاً مؤدبًا جدًا، واسع الثقافة، عميق التدين.
أحمد منصور
من أين ثقافته؟ أنت رجل درست في ألمانيا الطب وعشت في الخارج.
باسم نعيم
هو أول شيء طبعًا يحمل.
أحمد منصور
وبالتالي ثقافتك واسعة ومسؤول دائرة علاقات خارجية ودائرة سياسية، اطلاعك يكون كبيرًا. فمن أين وزنت حجم الثقافة عنده؟
باسم نعيم
أول شيء هو طبعًا يحمل بكالوريوس في اللغة العربية وبكالوريوس في الأدب العبري، وواضح أن فترة السجن لم يقضِها في مجرد المناكفات السياسية والحوارات السياسية، وإنما كان يقرأ ويطلع على كل ما يقع بين يديه، وهذا ما سمعته منه، كان يتابع كل ما يقع تحت يديه.
أحمد منصور
قل لي، ماذا سمعت منه عن ثقافته؟ لأنني رأيت أنه كان لديه تقريبًا سبع مؤلفات وكتب مترجمة، وكلها عميقة.
فماذا سمعت منه بخصوص ثقافته؟
باسم نعيم
كما قلت، سمعت أنه كان يتابع عن كثب كل ما يقع بين يديه من مؤلفات، سواء كانت بالعربية أو بالعبرية، يعني حتى عندما كنا نطرح قضايا متعلقة بالمشهد الدولي، كنت أشعر أنه مطلع وواعي جدًا، لم يكن يتحدث عن أمريكا أو الغرب كأنهم مجهولون، بل كان في توجيهاته يعكس إلمامًا وثقافة عميقة بطبيعة هذه الثقافات، قد تكون سنوات السجن الـ22 ليست بالقليلة حتى.
أحمد منصور
22 عامًا.
باسم نعيم
نعم، 22 عامًا من القراءة والاطلاع، ولذلك، كان عميق التدين وله أوراده الخاصة التي كان مستعدًا أن يلغي أي اجتماعات إذا جاء موعدها.
أوراد السنوار الخاصة
أحمد منصور
قل لي قصة أوراده الخاصة، لسبب رئيسي: بعض الناس يحرصون على أورادهم مهما كانت الأمور، وحينما سألت بعض الشخصيات التي عرفته من قرب، قالوا كان يترك الاجتماعات، يترك كل شيء، ويذهب لأوراده الخاصة: قراءة القرآن والذكر وغيرها من الأشياء.
فقل لي لأن هذه الخاتمة التي رأها العالم كله لهذا الشخص تنم عن علاقة خاصة كما وصفها كثير من الناس بالله. فكيف كانت بعض الأمور التي تعرفها عن هذه العلاقة التي من المؤكد أن كثيرًا منها كان مستترًا؟
باسم نعيم
هذا ما كنت أود قوله. هو طوال النهار في عمله اليومي يتصرف كإنسان عادي، مسؤول حركة، مسؤول تنظيم، مسؤول عمل، يوجه الناس، يصدر القرارات والأوامر. لكن هذه المساحة، كان يغلقها تمامًا على الآخرين. وغالبًا يمارس هذا الدور أو يقوم بهذه الأوراد في فترات يختلي فيها بنفسه، كان يقول مثلاً: “الآن يجب أن أذهب، جاء موعد الأوراد.” وقد سمعته مرة يقول: “إذا لم أنجز أورادي الليلة، قد لا أصبح،” لكن أمامنا كان يتصرف مثل أي شخص فينا فيما يتعلق بالله.
أحمد منصور
كواحد مشغول يؤدي أعماله ولقاءاته واجتماعاته ويمشي الأمور وغيرها. لكن حينما يأتي الوقت الذي ينفرد فيه في عباداته، يترك الجميع.
باسم نعيم
يترك الجميع ويذهب إلى أوراده وعبادته.
السنوار ثائر أم رجل دولة؟!
أحمد منصور
هو كان عضو مكتب سياسي في 2012، وصل في 13 فبراير 2017 إلى أن أصبح رئيس المكتب السياسي للحركة. وهو بدأ حياته رئيسًا للجهاز الأمني في حماس، الذي هو مجد. هل كنت تراه رجل دولة ورجل سياسة؟ أم كنت تراه ثائرًا؟ أم كنت ترى الاثنين؟
باسم نعيم
الحقيقة، أنا ما عرفته عن أخونا أو ما لمسته من أخونا أبو إبراهيم أنه هو رجل ثائر بالدرجة الأولى، بطريقته في التفكير، بجرأته، بحزمه، باستشرافه، بقدرته على اتخاذ القرار بجرأة وبإبداع غير مسبوق، يعني كثير من الأحيان كان يتسم ببراغماتية عالية، صحيح، فيما يتعلق بالدولة، لفت انتباهي أنه أبو إبراهيم كان يعتبر أن الحكم الذي كنا نمارسه في قطاع غزة، وعموماً في فلسطين تحت الاحتلال، هو حالة استثنائية نحن اضطررنا إليها في ظل اتفاقيات أوسلو، ولذلك كان حتى يرفض أن يرفع من سقف مساحة الحكم في المشروع الكبير.
أحمد منصور
كيف؟ كيف؟ اشرح لي.
باسم نعيم:
يعني مثلًا عندما استلمنا في اللجنة الإدارية عام 2017، وصار يعني طبعًا بعد فشل المفاوضات المصالحة من أجل أن نشكل حكومة وحدة وطنية.
أحمد منصور:
مع حكومة غزة، مع السلطة الفلسطينية.
باسم نعيم:
مع السلطة الوطنية الفلسطينية، فاضطررنا إلى أن نتولى المسؤوليات، أنا كنت وزير الصحة الأسبق، فرجعت إلى وزارة الصحة وكان معها وزارة الشؤون الاجتماعية. المنطق أنه يعني أسمي وزير الصحة أو وزير الشؤون الاجتماعية، هو كان مصرًّا، لأ، نحن لن نعطي هذه المسميات، الأخوة يبقوا مسؤولين عن ملف الصحة، مسؤولين عن ملف الشؤون الاجتماعية. ونظرته أنه نحن لا نريد أن نضخم حجم الحكومة في مساحة المشروع العام.
أحمد منصور:
ولا المسميات الوظيفية.
باسم نعيم:
ولا المسميات.
أحمد منصور:
نحن حركة تحرير.
رغبة السنوار في التخلي عن حكم غزة
باسم نعيم:
نحن حركة تحرير وطني، نأخذ من الحكم ما اضطررنا إليه لإدارة الشأن العام، وإذا استطعنا أن نتخلص منه فلنتخلص منه، ولذلك كان حريصًا جدًا على موضوع أن ننجز مصالحة لنحلّ نحن من أعباء الحكم ونتفرغ لمشروع المقاومة.
أحمد منصور:
يعني أنا سآتي للقصة دي، لأن موضوع المحاولة المصالحة مع حركة فتح ومع السلطة الفلسطينية، لأن بعض ما أُخذ على حماس أنهم حينما نجحوا في انتخابات 2006 وشكلوا الحكومة وكذا، أصبحوا تحولوا من حركة مقاومة إلى سلطة حكم، وبالتالي لم تعد نظرتهم لتحرير فلسطين، كل فلسطين كما كانت.
هل السنوار في 2017 حينما أصبح رئيسًا للمكتب السياسي أعاد حركة حماس إلى طبيعتها كحركة مقاومة وحركة تحرير، وأن التواجد في السلطة هو تواجد مؤقت أو اضطراري؟
باسم نعيم:
لا، هو هنا لا بد من التوقف قليلاً عند الاستنتاج الأول.
أحمد منصور:
طيب.
باسم نعيم:
يعني أنت لو ذهبت إلى الحركة قبل خروج أخونا أبو إبراهيم السنوار.
أحمد منصور:
قبل 2011.
باسم نعيم:
اختطاف شاليط متى تم؟ في شهر يونيو 2006 يعني بعد أقل من شهرين من تولي الحكم.
أحمد منصور:
نعم.
باسم نعيم:
يعني ما في حكومة عاقلة تذهب في الاتجاه الذي تفضلت به. حكم ووزارات وبروتوكولات وبساط أحمر إلى آخره. وتذهب إلى اختطاف جندي من داخل الحدود. وبقينا يعني. طبعًا قامت إسرائيل بمهاجمة غزة في شهر 6.
أحمد منصور:
وحتى 2008-2009 في حرب طويلة. أنا لم أقصد هذا. لا.
باسم نعيم:
لذلك الذي جاء به أبو إبراهيم هو التخفيف من حجم الالتزام. يعني داخل مشروع. أولًا الفصل الكامل بين مشروع الحركة ومشروع الحكم في الحياة اليومية.
الإعداد للطوفان
أحمد منصور:
قل لي. قل لي. قل لي بقى. دي نقطة مهمة جدًا. كيف قام بهذا؟ لأن هذه نقطة أعتقد غيرت قليلاً في المشهد ومهدت لطوفان الأقصى الذي جاء بعد ذلك بست سنوات. هو انتخب في فبراير شباط. وطوفان الأقصى في أكتوبر 2023. ست سنوات بين 2017 و 2022. الست سنوات هذه. هل كانت ست سنوات من الإعداد أم سبقها إعداد آخر؟
باسم نعيم:
لا بالتأكيد سبقها إعداد، لكن الست سنوات الأخيرة هي التي يعني ظهرت أكثر وأكثر مساحة العمل المقاوم بمعناه الصلب العسكري في مساحة المشروع العام. ولذلك من البدايات، أخونا إبراهيم قال يجب أن يصبح العمل الحكومي أحد ملفات المكتب السياسي، يتابعه الأخ بالتنسيق مع المكتب ولا يصبح هو هم المكتب الشاغل: الحكم والحكومة والوزارة والوزارات. هذا الأخ يتابع اللجنة الإدارية أو حكومة إدارة حكومة غزة، لكن ليس هذا عمل المكتب، العمل هو عمل المكتب. هناك ملف سياسي، هناك ملف عسكري، هناك ملف اقتصادي، هناك ملف جماهيري وشعبي وبقية الملفات، أحد الملفات هو ملف الحكومة.
أحمد منصور:
على اعتبار أنها حكومة خدمات فقط والملفات الأخرى هي ملفات.
باسم نعيم:
الملفات الأساسية التابعة لحركة حماس. لكن أما الآن، أنا لا أستطيع التخلي عن هذا الحكم بما أني صرت مضطرًا إلى هذا الخيار ومش قادر أوصل مع الأخوة في حركة فتح إلى مصالحة تؤدي إلى تشكيل حكومة وحدة. بالمناسبة، نحن في 2014 سلمنا الحكومة تمامًا وخرجنا من الحكم للتفرغ لهذا المشروع، ولكن مرة أخرى فشلنا في نقل هذا القرار من القرار النظري إلى واقع عملي. لم تأتِ الحكومة من رام الله أو حكومة الوحدة الوطنية لم تصبح واقعًا في غزة وبقيت غزة تدار من قبل اللجنة. اللجان الإدارية المختلفة. ولذلك هو كان معنيًا بأن يبقي مساحة العمل الحكومي مساحة محدودة ضمن ملفات الحركة الكبيرة. وضمن هذا المشروع الكبير الذي يحضر إلى هذه اللحظة الحاسمة.
أحمد منصور:
كيف كان يدير الشأن العام؟
باسم نعيم:
أول شيء كان هو يتميز في إدارة الملفات كلها بالتفويض مع المتابعة الحثيثة. يعني أنا مسؤول ملف الدائرة السياسية خلاص هو. يفاوضني بهذا الملف ولا أتدخل في شغلي. لكن يتابع، يعني ممكن في أي وقت يجي يسألني، إيش صار في الموضوع الفلاني؟ بدنا تقدير موقف في الموضوع الفلاني. في زوار جاءوا للبلد. إيش اللي صار معهم؟ يعني هو من نوع المتابع الحثيث. لكن لا يتدخل في ملف ولا يسمح لأحد أن يتدخل في ملف آخر. بالمناسبة، يعني حتى لو واحد ثاني تدخل في ملفك هو يضع له حدًا.
أحمد منصور:
عندك نموذج قصة.
باسم نعيم:
يعني في أكثر من مرة.
أحمد منصور:
أنت بالذات ملفك. التدخلات كثيرة. الكل عايز وانت دكتور. واللي دخله في القصة.
باسم نعيم:
مثلًا هو كان بكل وضوح يبلغ، يعني، النائب العام: “أنت نائب عام للشعب الفلسطيني ولست نائبًا عامًا تمثل حركة حماس، تعمل بما يمليه عليك القانون والنظام. لو أنا بنفسي جيتك للتدخل في موضوع لأي شخص كان، لا تسمح لي بالتدخل”. نفس الشيء كان يبلغ الوزراء: “أنت وزير صحة الشعب الفلسطيني أو مسؤول ملف الصحة للشعب الفلسطيني. لا تسمح لأحد أن يتدخل مهما كان قدره. حتى لو قيادة الحركة أن يتدخل في ملف في عملك أو أن يعني يؤثر على عملك تجاه تقديم خدمة للناس”.
أحمد منصور:
اضطررت في وقت ما أن تذهب له لتشكو أحدًا يتدخل في ملفك ويعيق عملك.
باسم نعيم:
لا يعني ما في.
أحمد منصور:
ولا أسلوبه. هذا جعل الكل كل واحد يلزم حده.
باسم نعيم:
طبعًا هو كان أسلوبه وكان كل واحد يلزم حده. وإذا حصل تداخل ما كان يجد حرجًا أن توضع. يعني هو مثلًا ما يحب أنه نناقش الأمور ثنائيًا. يعني ممكن تقول له: “أنا صار معي كذا وكذا. وأنا شايف أنه هذا التدخل غير مقبول.” خلاص، في الاجتماع المكتب الجاي، نحطه على الطاولة حتى نضع حدًا لهذا التصرف ولغيره من التصرفات. يعني لا يرى حرجًا في أن تناقش الناس مع بعض بأريحية، أنه هي مساحات العمل لكل واحد. وعلى كل واحد أن يحترم مساحة عمله.
احترام يحيى السنوار للجبهة الشعبية
أحمد منصور:
علاقته بالآخرين. غزة تعج. حماس والجهاد الإسلامي. حركة كل الحركات موجودة في غزة لأنها جزء من نسيج الشعب الفلسطيني. فكيف كان يتعامل يحيى السنوار مع الآخرين؟
باسم نعيم:
أنا يعني ما بعرف من أين جاء بهذه الصفة. بس أنا اكتشفت فيه قدرة غير عادية على احترام الآخر حتى لو كان مختلفًا معه أيديولوجيًا أو سياسيًا أو مجتمعيًا. يعني بمعنى قد يكون تجربة السجن والعيش مع الآخرين لفترات طويلة، يعني أنا أذكر في مرة من المرات كنا في عزاء لأحد إخواننا توفي، وبعد انتهاء العزاء جلسنا في دردشة قيادات الحركة وبعض الكوادر، وأثناء الحديث جاءت سيرة الجبهة الشعبية، أنا تفاجأت كم يتكلم باحترام وتقدير عالٍ عن هذا التنظيم.
أحمد منصور:
الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين.
باسم نعيم:
الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين.
أحمد منصور:
رغم أنهم يساريون.
باسم نعيم:
التنظيم يتكلم عن انتمائه الوطني. عن صلابة كوادره. عن ثقافة كوادره. لدرجة أنه قال: “كم أتمنى أن يكونوا أبناء هذا التنظيم، عندنا في حركة حماس”. وتحدث في مجلس ليس فيه أحد إلا حماس. يعني هو ما تحدث مش موجودين هم، لكن تحدث عن عناصرهم، عن التزامهم الوطني، عن استعدادهم للتضحية، عن صلابتهم في موقفهم من المقاومة بكل إعجاب وفخر. كما قلت، هو قال: “يعني بتمنى أنه هؤلاء الشباب يكونوا ضمن كوادر الحركة”، حتى مع إخوة آخرين مع الجهاد في كثير من المحطات. هذا عمل تنفيذي. قد تختلف الناس في الميدان، حدث هنا حدث هناك، لكن ما يصير في خلاف. لكن دائمًا كنا نشعر أنه عندما يصل الأمر إليه في موضوع الخلاف، ممكن يذهب إلى حل هذا الخلاف حسب القواعد المتفاهم عليها وما يقتضيه. لكن دائمًا يثبت أن إخوتكم في الجهاد هم شركاؤكم في هذه المعركة. وأنا مرة سمعت كنا في أحد المحطات بعد الجولة. الجهاد الثاني لماذا؟
وصية السنوار بحركة الجهاد
أحمد منصور:
الجهاد كنت سأسألك. الجهاد قام بأكثر من جولة دون موافقة حماس ودون مشاركتها. وأخذ على حماس أنها خذلت الجهاد وتركته وحده في المعركة.
باسم نعيم:
هو طبعًا الحركة شاركت، لكن ضمن سقف محدود. يعني لم تذهب سقف إسناد ودعم وتوفير لوجستي. لكن ما دام أنك.
أحمد منصور:
كنت موجودًا، ما هو السبب؟ السبب ما هو؟
باسم نعيم:
السبب؟ السبب كان واضحًا، نحن نحضر أنفسنا لمعركة كبرى وهذه المعركة يجب أن تكون حاسمة وفاصلة، أي جولة على الطريق ليست في هذا الاتجاه أو لا تخدم هذا الهدف قد تعيقنا. لماذا؟ لأنه كل ضربة كان يضربها العدو إما يقتل بعض القيادات أو يدمر بعض المقدرات. وبالتالي هو يؤخرنا عن الوصول للهدف. يعني فكرة الإشغال لوحدها لا تحقق الهدف المرجو من ضرب العدو. ضربة كبيرة مؤثرة تزلزل كيانه. أما مجرد أنني أشغله، أعتقد هذا كان غير مطلوب. ولذلك هو يعني في هذه المرة اللي كان فيها الخلاف مع إخوتنا في الجهاد، وصار شوية تراشق إعلامي، وكان البعض منا محتقنًا أنه في… يعني صار اتهام لنا بأننا تقاعسنا عن إسناد…
أحمد منصور:
إنكم تخاذلتم والحكم خلاص وبعتم القضية بالدولار.
باسم نعيم:
بعنا المقاومة بالدولار والسولار، وإلى آخره. فكان البعض غضبان، يعني. فأنا يعني ونحن بنتناقش عن ما هو المطلوب كان دائما يدفع في اتجاه “لا”. أولاً يجب أن نتفهم موقف إخواننا. هم في النهاية يعملون عملاً صحيحاً. قد يكونون مختلفين. نحن معهم في الوقت أو التوقيت أو الشكل. لكن هو في النهاية في الاتجاه الصحيح. مقاومة مسلحة. الشيء الثاني أن هؤلاء شركاؤنا في المكانة وخاصة حركة الجهاد كان دائما يوصي بها خيراً. ويقول: الجهاد هم شركاؤنا بالمعنى الإيديولوجي العقائدي، هم خلفيتنا نحن الاثنين الإسلام وهم أكثر الشركاء إيماناً بفكرة المقاومة المسلحة، وبالتالي هذا السند والظهير الأول لك في هذه المساحة. ولذلك لا يجوز. وأنا سمعته يقول: “أنا أوصيكم حياً وميتاً. ممنوع منعا باتاً الوصول إلى أي صدام مع إخواننا في حركة الجهاد. هؤلاء هم إخواننا وسندنا وضميرنا ولن نسمح لأي اقتتال داخلي أن يحرف البوصلة في اتجاهات معارك عبثية لن تؤدي إلى شيء”. ولذلك هو لا. هذا كان منهجه مع كل الفرقاء، وأنا أعتقد أن فكرة الغرفة المشتركة التي أنشأها أبو العبد هي تقوم على احترام التعاون والشراكة مع الآخرين رغم أن البعض قد يكون حجمه العملي فعلاً محدود جداً. ويمكن جزء من مقدراته هي بإسناد من حركة حماس. لكن هو معني أن يكون المظهر العام للمقاومة هو مظهر الشراكة على قاعدة المقاومة نحو التحرير. ولذلك عندما تم تأسيس الغرفة المشتركة في فترة معركة سيف القدس كانت تعتبر من أحد أهم الإنجازات. مسيرات العودة كان معني بتظهير الحالة الوطنية، يعني المتحدث الأساس في مسيرات العودة كان من إخواننا في الجهاد الذي يقوم على التنسيق إلى آخره من تنظيمات أخرى. في كل محطة كنت تشعر أنه هو معني بتظهير أو باحترام الآخر وتقديره وإسناده وإقامة علاقة على علاقات الشراكة.
فلسفة السنوار في التعامل مع السلطة الفلسطينية
أحمد منصور:
أريد أن أعرف منك حاجتين مهمتين جداً. الخيار الاستراتيجي الذي كان يعلنه السنوار دائماً هو المقاومة. والخيار الاستراتيجي الذي تعلنه السلطة الفلسطينية هو التنسيق الأمني. كيف يمكن لمقاوم ثائر يقود واحدة من أكبر حركات التحرر في العالم لقضية أصبحت من أكبر القضايا التي يشغلها العالم كله أن يلتقي أو يتوافق مع شخص دوره الأساسي هو الجانب الأمني عليه؟ اشرح لي. أريد أن أعرف نظرته للسلطة، وتعاملها مع السلطة.
باسم نعيم:
أنا أعتقد أنه يتحرك ضمن محددين.
المحدد الأول أن السلطة الوطنية الفلسطينية جسمها الأساسي هو حركة فتح. وهو كان يعتقد وهذا كان ما ينظّر له. ونحن نعتقد بذلك أن حركة فتح حركة وطنية أصيلة كبيرة. لا يمكن لأحد أن يلغيها ويلغي تاريخها، وبالتالي افتعال أي معركة مع هذه الحركة هو يعني الذهاب في اتجاهات خاطئة. ولذلك كما قلت هو باعتبار أن السلطة جسمها حركة فتح يجب أن نُحيّد هذه الحركة. هذه المعركة مع حركة فتح لأن أي صدام مع السلطة يعني صدام مع حركة فتح.
الشيء الثاني هو يعتبر.
أحمد منصور:
أنه رغم الضرر الكبير الذي تسببه للمقاومة.
باسم نعيم:
رغم الضرر الكبير، لأنه هو يعتبر أنه ليست هذه هي المعركة التي يجب أن نتجه إليها، وهو بيعتبر أن الضرب في المقاومة وضرب العدو هو الذي سيضعف هذه الاتجاهات حتى داخل حركة فتح، لأن هذه الاتجاهات تعيش على حالة السكون والاستقرار والقبول بهذا الاحتلال والتعايش معه. تحسين ظروف السجن كما كان يقول. نحن لسنا ذاهبين لتحسين ظروف السجن، نحن ذاهبون لفتح باب السجن والانطلاق نحو الحرية. فلذلك هو كان كما قلت يعتبر أن حركة فتح مكون أصيل لا يجوز أن نفتعل معه أي معركة. يجب أن نبحث عن المشتركات معه وأن نتجنب أي صدام.
الشيء الثاني أنه هو يعتبر أن المعركة الأساسية هي التجهيز للمقاومة والتجهيز للمعركة الحاسمة التي كان يرتب لها في 7 أكتوبر، فأي انشغال إعلامي وسياسي أو حتى على الأرض مع السلطة سيكون سيصب في مصلحة العدو، لأن العدو هو المستفيد الوحيد من حالة الانقسام، واستمرار الفرقة داخل الشعب الفلسطيني هو العدو الصهيوني، وهذا الذي كان دائماً نتنياهو يدعو إليه. حتى البعض يدعي بأن استمرار وجود حركة حماس داخل غزة لوحدها مسيطرة بعيداً عن الضفة وهذا كان جزءاً من رؤية نتنياهو. ولذلك كان هو معني بأن نحيد هذه المعركة التي لن تخدم إلا الاحتلال.
أحمد منصور:
طيب أنتم الآن حركة فتح عبارة عن قسمين، قسم موجود في الضفة الغربية وعلى رأسه السلطة الفلسطينية، وقسم موجود في غزة كان يرأسه محمد دحلان إلى قبل الخلاف الذي حصل في 2006 وأخرج دحلان وأخرجت القوة من غزة. كيف كانت علاقتكم أنتم بحركة فتح في غزة؟
باسم نعيم:
بالعكس، أنا أعتقد طبعاً حركة فتح بعد 2006 أو 2007 يعني انقسمت في داخل غزة إلى قسمين، قسم يتبع أو تيار يتبع محمد دحلان وهو التيار الإصلاحي الديمقراطي والتيار الذي يتبع.
أحمد منصور:
السلطة في غزة.
باسم نعيم:
السلطة في رام الله.
أحمد منصور:
رام الله.
باسم نعيم:
السيد محمود عباس أبو مازن وهذه قصة أخرى أنهم أصلاً بينهم خلافات يعني جذرية وعميقة حول الرؤية والمستقبل. نعم، نحن بفضل الله وأعتقد في إطار رؤية أخونا إبراهيم الذي استبق الكثيرين حاول أن يحافظ على علاقة متميزة واستثنائية مع الطرفين، ولذلك كانت تجمعنا مع الإخوة في حركة فتح التي كان يقودها الأخ أبو ماهر حلس في غزة علاقة متميزة وعلاقة طيبة، وفيها يعني كثير من البحث عن المشتركات، يعني نحن موجودون مع بعض في لجنة القوى الوطنية والإسلامية، كنا موجودين مع بعض في مسيرات العودة، كنا موجودين مع بعض في كثير من المناشط الوطنية العامة، وكذلك في نفس الوقت كنا محافظين على علاقة طيبة مع الإخوة في التيار الوطني الديمقراطي والتيار الإصلاحي في حركة فتح الذي يقوده الأخ محمد دحلان.
دوافع اللقاء السري مع محمد دحلان
أحمد منصور:
هل لديك معلومات عن اللقاء السري الذي تم بين محمد دحلان ويحيى السنوار؟
باسم نعيم:
هو هذا في… يعني هو اللقاء صار في 2016 – 2017، مرة ثانية في إطار رؤية أخونا إبراهيم بأنه أولاً على المستوى الوطني العام يجب أن نحيد كل نقاط التوتر. نحن معركتنا ليست مع فلان أو علان، ليست مع فتح ولا مع الجبهة الشعبية ولا مع أي تنظيم من التنظيمات ولا مجموعة من المجموعات البشرية. معركتنا الأساسية مع الاحتلال، ولذلك يجب تحييد هذه… هذه النقاط التوتر.
أحمد منصور:
هو رجل الرؤية عنده واضحة.
باسم نعيم:
واضحة.
أحمد منصور:
والهدف واضح.
باسم نعيم:
والهدف واضح.
أحمد منصور:
والعدو واضح. وكل ما سواه ليس عدواً له.
باسم نعيم:
قطعا. لكن في حالة التيار ومحمد دحلان هناك خصوصية أخرى.
أحمد منصور:
ما هي؟
باسم نعيم:
لما حصل الخلاف في 2007 الذي نحن بنسميه “الحسم” وانبنى عليه الانقسام، قُتل تقريباً 150 من كل طرف، 150 شخص من عندنا و150 من عندهم. نعم، الـ 150 الذين قُتلوا من فتح، الغالبية العظمى منهم هم من اتباع محمد دحلان أو من شباب التيار. يعني أخونا أبو إبراهيم كان يرى، والحركة كانت ترى بأنه هذه العائلات إذا نحن ما وصلنا فيها لحل، يمكن أن نُنهِى هذه البؤر بؤر التوتر والثأر في غزة. وخاصة أنه أنت تتكلم عن مجتمع يعني متحفز، مضغوط، متوتر، مسلح. مليء بالسلاح. أي لحظة ضعف في النظام العام قد تدفع الناس للثأر، والثأر قد يفتح دورة جديدة من العنف. فكان أحد أهم الأهداف: كيف يمكن أن ننهي هذه بؤر التوتر؟ ولذلك صار التوافق على مشروع الإصلاح المجتمعي، بمعنى أنه نحن نذهب مجتمعين ومعنا بقية الفصائل إلى كل الأسر التي وقع عليها الضرر من هنا ومن القتل أو الجرح أو الإعاقة من هنا ومن هناك ويتم تسوية الأمر بالكامل، يعني يتم الأسرة بتوقيع على تعهد بعد ما تأخذ كل حقوقها الشرعية والسياسية والاعتراف، إلى آخره. توقع أنها تنازلت عن كامل حقوقها وبالتالي على الأقل تضمن أنه يمكن من 300 يمكن حل مشكلة 290 أو 294.
أحمد منصور:
فقط، بقيت حالات قليلة.
باسم نعيم:
حالات محدودة جداً.
باسم نعيم:
هل رفضوا؟
باسم نعيم:
نعم، هناك من رفض. جزء منهم رفض لأسباب خاصة، يعني الشخص المعني ليس موجوداً مثلاً. لكن الغالبية الساحقة من هذه المشاكل.
أحمد منصور:
هذا كان ملفاً خطيراً جداً.
باسم نعيم:
خطير وقابل للانفجار. تتكلم عن شخص وراءه عائلة ويمكن أن ينتقم. الشيء الثاني، يعني بعيداً عن الموقف الشخصي من محمد دحلان، في النهاية هو يمثل تياراً كبيراً وعريضاً داخل قطاع غزة في حركة فتح. يعني أنت لا تستطيع أن تخلق حالة وحدة وطنية وشراكة وطنية وأنت تستثني جزءاً أصيلاً من حركة فتح، وهو جزء كبير وجزء فاعل، وهو الذي كان الأكثر فاعلية قبل الانقسام. وبالتالي إذا كنت معنيًا كما أنا معني بالإصلاح أو بالشراكة مع بقية الفصائل لابد أن أطرق باب هذا التيار. الشيء الثالث أنه يعني التيار جزء منه خرج إلى الخارج وأصبحت له علاقات ممتدة في المنطقة العربية، سواء مع جمهورية مصر العربية أو مع الإمارات أو مع غيرها من الدول. ونحن كنا كذلك معنيين كحركة.
أحمد منصور:
أنكم تريدون أن تستفيدوا منها.
باسم نعيم:
يعني أنه كيف يمكن أن هذه المروحة من العلاقات الوطنية أن تخدمنا في مساحات أخرى.
أحمد منصور:
هل أبدى استعداد دحلان وساعدكم في ترتيب بعض العلاقات؟
باسم نعيم:
بالتأكيد. يعني أنا أعتقد أن هذه الخطوة في المصالحة لعبت دوراً جوهرياً في فك بعض الإشكاليات.
أحمد منصور:
هنا، أول لقاء كان في 5 يونيو 2017 مع المخابرات المصرية، خرج يحيى السنوار إلى مصر وأصبحت زياراته متكررة وأصبح له على المستوى الشخصي. أنت رجل علاقات دولية والتقيت بمسؤولين كثيرين وكنت أيضاً وزير لوزارتين على المستوى الشخصي، كيف يستطيع هذا الرجل الذي سمته أنه ثورياً وثائراً قاتلاً للإسرائيليين كما وصفوه؟ يعني حتى عندما تولى السلطة كتبت مقالات كثيرة في “يديعوت أحرونوت” لما أصبح رئيساً للمكتب السياسي، قالت في 13 فبراير: “لقد تولى حركة حماس الرجل الذي يتباهى بقتل 12 عميلاً إسرائيلياً”. طبعاً غير الجنود، كيف يستطيع هذا الرجل أن ينسج علاقات سياسية مع الآخرين؟
باسم نعيم:
أول شيء، أبو إبراهيم رحمة الله عليه يؤمن بالمقاومة الشاملة. هذه معركة شاملة لكل مساحات العمل سواء كملفات أو كجغرافيا.
أحمد منصور:
ليس العسكرية فقط.
باسم نعيم:
نعم. لكنه يؤمن أن العمود الفقري لهذه المقاومة الشاملة هو المقاومة المسلحة. أي أعمال أخرى بدون مقاومة مسلحة ستبقى لعباً في الهوامش. يعني تذهب سياسة، تذهب دبلوماسية وإعلام إذا ما كانت لهذه الملفات أسنان على الأرض.
أحمد منصور:
يعني قصة غصن الزيتون والحمامة والكلام ده.
باسم نعيم:
وبالتالي هو يؤمن بأن المقاومة شاملة. يعني أحياناً يتصل بنا: “تعالوا بكرة اجتماع لمجلس الأمن. بدنا رسالة إعلامية تطلع لمجلس الأمن في اللقاء. مثلاً جامعة الدول العربية، بدنا نبعث رسالة”، يعني هو مهتم ومتابع. لكنه في نفس الوقت لا يعتقد أن هذه الخطوات لوحدها بدون أن تستند إلى مقاومة على الأرض صلبة يمكن أن تحدث التغيير المطلوب. الشيء الثاني أنه يعطي الأشياء قيمتها الحقيقية، يعني هو يدخل في مساحة عمل معينة، علاقات دولية، مقاطعة، اتصالات سياسية. لكن مرة أخرى عقله وقلبه وفكره مشغول بهم واحد: “كيف يمكن أن نبني بناء المقاومة الصلبة القادرة على إحداث تغيير المعادلات الحقيقية؟”. يعني ما بنقدر عليها أو ما يعترضنا عن العمل في أي مساحة من المساحات، لكن في نفس الوقت هو يعطيها حجمها المطلوب.
أحمد منصور:
أنت الآن يعني.
باسم نعيم:
أنا أذكر مرة التقى بعد سيف القدس، يمكن أسبوعين أو ثلاثة جاء.
أحمد منصور:
سيف القدس كانت في 2021.
باسم نعيم:
نعم. جاء مبعوث الأمم المتحدة إلى الأراضي، إلى الشرق الأوسط، تور وينسلاند، وطلب زيارة للقاء الأخ أبو إبراهيم حاول هو يتجنب الزيارة لأنه قال “خلاص، في إخوان مختصين بالملف، يقعدوا معه ويتفاهموا معه.” كما يعني، نحن رايحين عليه أن هذه أول زيارة للمبعوث بعد المعركة. وجيد أن تجلس معه يعني. تفاجأنا أنه هو وضع عشر نقاط كأجندة، لقاء القدس والأقصى والأسرى إلى آخره، وآخر نقطة كانت عن الحصار. ربما رقم 9 أو 10.
أحمد منصور:
وأنت بالنسبة لكم الحصار رقم واحد.
باسم نعيم
يعني الحصار والشعب الذي يموت.
أحمد منصور
حتى في كل بياناتكم في هذا الحصار.
باسم نعيم
فلما هو بدأ يتكلم، صار يتحدث عما يحدث. طبعًا هذا بعد المعركة في القدس والأقصى والتهجير والشيخ جراح والاستيطان والضم إلى آخره. وفي النهاية، عرج على موضوع أنه غزة. يعني الرجل الذي جاء ما عنده شيء غير الحصار. يعني لا جاء ليحدثني عن الأسرى. ولذلك، لما شعر أنه أنت مبعوث السلام للشرق الأوسط، وتعالج قضية كبيرة مثل قضية فلسطين، لن أقبل منك تقزيمها بأنك تأتي لتفاوضني على فتح المعبر، وخلي الكهرباء بدل ست ساعات سبع ساعات، وبدي أزيد لك عمال بدل الـ 18 ألف خليهم 17 ألف، ولن أقبل. ولذلك، بعد أن تحدث في كل النقاط، فاجأنا الرجل هذا فجأة وقال: “اللقاء انتهى” وقف أبو إبراهيم.
أحمد منصور
الرجل كان رد فعله كيف؟
باسم نعيم
هو الرجل صريح في النقاط التي جاء من أجلها، مثل الكهرباء والعمال والمعبر وإعادة الإعمار إلى آخره. نحن تفاجأنا فجأة، أبو إبراهيم وقف في وسط اللقاء. وقف وقال: “ما لك، إيش فيه؟” وقال “انتهى اللقاء”. فحتى الرجل كان مشدوهًا وصدم، وقال للإعلام بشكل مفاجئ، حتى ما كانوا حاضرين الحالة.
أحمد منصور
أبو إبراهيم هو الذي طلب الإعلام؟
باسم نعيم
قال: “طلبوا لي الإعلام”، فوقف دقيقة أمام الإعلام وقال: “اللقاء كان فاشل” أو “لقاء فاشل”، وراح ما قال شيء غير أنه “اجتمعنا مع فلان وكان اللقاء فاشل”. طبعًا يومها، بدأت كل الكرة الأرضية تتصل. “إيش اللي صار مع أبو إبراهيم؟ خلّيه يطلع فجأة”. هو طبعًا لا يحب الإعلام بالمناسبة كثيرًا، ليس صديقًا للإعلام.
أحمد منصور
ليس له حوارات حتى مع الجزيرة، إلا حوار يتيم.
باسم نعيم
هو لا يحب الإعلام كثيرًا، لكننا استغربنا أنه طلب الإعلام بشكل مفاجئ وقال لهم: “اللقاء كان فاشل”، وانتهى اللقاء وترك.
أحمد منصور
ما هي الرسالة التي بعثها للعالم من خلال هذا؟
باسم نعيم
كل الدنيا بدأت تتصل، العرب والعجم. “إيش فيه، مال الرجل زعلان؟ ونحن ما صدقنا نخلص سيف القدس يهدينا الأمور، نفتح معركة جديدة؟”. فقلنا لهم إنه صار واحد اثنين ثلاثة. طبعًا هم غضبوا، لأنه هذا الرجل لم يفهم معادلة الرجل ولا فهم عقليته. لأنه في النهاية بالنسبة له، أنت مبعوث دولي للسلام، إذا كنت مش قادر تجيب سلام، طب ما أنت لا قادر توقف حرب ولا قادر تفك حصار. يعني ما لكش لزوم في الآخر. بتحسه ما عنده قدرة في لحظة معينة على وضع النقاط على الحروف.
أحمد منصور
هذه قليلاً ما تحدث في اللقاءات والحوارات. وهؤلاء حينما يأتون، يأتون في هيبة الدول التي يمثلونها أو المؤسسات العالمية. لكن هو كان ينظر إليهم نظرة أخرى.
باسم نعيم
نظرة الثائر الذي يدافع عن شعب له حقوق، وهذه الحقوق يجب أن تحترم. وما يشغلني هو، كما قلت لك، يعني هو بيقول دائمًا: “احنا مش رايحين نبحث عن كيفية تحسين ظروف السجن، احنا رايحين نكسر السجن”. يعني الفكرة مش فكرة مزيد من العمال أو مزيد من الكهرباء، ولكن…
أحمد منصور
هذه حركة مقاومة، هذا قائد ثائر وليس شخصية سياسية تناور على ملفات ومطالب بسيطة. أنت كرئيس للدائرة السياسية والعلاقات الدولية، الملفات التي كنت تشتغل فيها معه، ماذا كان يشغل ذهنه فيما يتعلق بعملك معه؟
باسم نعيم
أول شيء، كرئيس للدائرة السياسية، كنت مكلفًا بشكل دوري في كل اجتماع بتقديم تقدير الموقف. هو كان في الحقيقة من وضع الإطار لتقدير الموقف. نحن أردنا تقدير موقف لكل المكتب، تقدير موقف للمشهد الوطني، تقدير موقف للمشهد الصهيوني، تقدير موقف للمشهد الإقليمي العربي، وتقدير موقف للمشهد الدولي فيما يتعلق بقضيتنا الفلسطينية. يعني مش هنتابع كل قضايا الكرة الأرضية، بس إذا كان هناك شيء في الشأن الدولي يتعلق بقضيتنا، كانت هذه أول مهمة وكان يتابعها عن كثب. لأنه في النهاية، هذا التقدير إذا عرض على المكتب واعتمد وأُقِر، يعني سيتم إعادة توزيعه على بقية مكونات الحركة، مجالس الشورى وكوادر الحركة، لأنه هذه ستصبح سياسة الحركة أو رؤية الحركة.
احترام السنوار للشورى
أحمد منصور
كان يحترم الشورى.
باسم نعيم
طبعًا.
أحمد منصور
يحترم التقارير التي ترفع.
باسم نعيم
شوف، إذا أخذنا قرارًا في المكتب في أي موضوع، وجئت بين اللقاءين، تراجعوا في الموضوع، سأقول لك: “الموضوع انحكى فيه في المكتب، واتخذ فيه قرار”. إذا لم يعجبك القرار، نرجع في المكتب الجاي وتحط وجهة نظرك وتحتج على القرار. أما الآن، بين المكتبين، أنا ما عندي استعداد أعطيك توجيهًا غير التوجه الذي تم اتخاذه في المكتب.
ساعات السنوار
أحمد منصور
هنا طبيعة شخصية حاسمة وغير مجادلة. كلمة ونص.
باسم نعيم
كلمة ونص. والوقت كان عنده ساعة.
أحمد منصور
أنا أريد أن أحكي لي عن قصة الوقت هذه الآن، لأنني بحثت في سيرته وأتتبع الأشياء. كان كأن الساعة 60 دقيقة يعيشها 60 دقيقة بكل ما فيها.
باسم نعيم
هو مش 60 دقيقة. أنا كنت أرى عنده ساعة حاسب 4 سنوات رئاسة المكتب كم ستكون من الأشهر والأيام والساعات، وبالتالي على المكتب. غير أن الساعة في ساعة ستوب ووتش، كانت تعد الساعات المتبقية من دورته.
أحمد منصور
كأنما يعد عمره؟
باسم نعيم
هو يقول لك: “أنا مسؤول عن الـ 4 سنوات هذول، كل دقيقة وكل ثانية فيها هي مسؤوليتي، ولا بد أن أنجزها”. نعم. ولذلك، إذا جئت في غير وقتك، مش هسمح لك بالدخول.
أحمد منصور
أه، لازم كمان.
باسم نعيم
حتى لو كنت عضو مكتب سياسي، وإذا انتهى وقتك، خلاص. الله يعطيك العافية. يعني، أنت لك نص ساعة، وتقول له…
أحمد منصور
يعني كان يحدد لك الوقت.
باسم نعيم
أنت بتقول له: “قديش”؟ هو يقول لك: “قديش بدك وقت؟”، نص ساعة تخلص في نص ساعة، بعدين شكراً.
أحمد منصور
خلص وتوكل على الله. أه، 35 دقيقة ممنوع.
باسم نعيم
ولذلك، هو لا يحترم الوقت، بل يحترم متابعة الملفات. يعني أنت مش حتاخد وقتك، لأنك هتاخده من غيرك، الذي سيأتي بعدك أو كان قبلك. ولذلك، كما قلت لك، هو حازم وحاسم، لكن ضمن النظام والقانون ويحترم.
قدرات السنوار الهائلة
أحمد منصور
الملفات التي قلت لي عنها، سواء الملف الوطني أو الإقليمي أو… ما هو أكثر شيء كان يشغله الإسرائيلي، كان مقدمًا على غيره، أم كان يعامل المشهد ككل؟
باسم نعيم
لا، لا، لا. أول شيء، يمكن قد أكون مبالغًا إذا قلت إنه من القيادات النادرة التي مرت علي، وكان لديها ثقافة واسعة وقدرة على الاستشراف عالية ومعرفة عميقة ودقيقة بالأمور. يعني مثلًا في المشهد الوطني، تراه مطلعًا ومطلعًا على أدق التفاصيل في المشهد الصهيوني. أنا ما بتصور أنه في خبير في الحركة في الشأن الصهيوني كان يعرف عن الصهاينة ما كان يعرفه أبو إبراهيم.
أحمد منصور
رغم أن كثيرًا من الشباب يتقنون العبرية، ومعهم دكتوراه ربما في السياسة.
باسم نعيم
هو كان يجيبهم. يعني كان يجيبهم بشكل دوري، غير الأوراق التي كانت تصلهم كتقديرات موقف. يعني اليوم، إذا كان هناك انتخابات في إسرائيل، كان يجمع المكونات السياسية في الدائرة السياسية وتقدير الموقف في الاستخبارات وغيرهم من الخبراء، ويقول لهم: “إحنا وين رايحين؟”، “إيش توجهاتهم؟”، “ما هو المطلوب منا؟”. لكن لما كنت أحكي معه، كنت أشعر أنه هو فاهم تفاصيل قد تغيب. يعني أحيانًا…
أحمد منصور
اضرب لي مثالًا على ذلك.
باسم نعيم
يعني، هو مثلًا، نحن نقرأ عن الشأن الصهيوني وتفكيرهم ومراكز دراسات وأوراق، وتقول له: “الأستاذ أحمد، يعني فلان من الصهاينة قال كذا وكذا”.
أحمد منصور
أه، فلان من الصهاينة بعيد عني.
باسم نعيم
فيقول لك: “سيبك منه، هذا ما يعني…”. أنت ترى أنه وزير كبير، يعني.
أحمد منصور
الذي قال.
باسم نعيم
أه، بيقولك: “سيبك منه، هذا أصلاً بالصدفة صار وزير”. أو ضمن معادلات، تقول له: “فلان قد يكون أقل منه شأنًا”، فيقول لك: “هو هذا أصلاً الذي يقرر على الطاولة”.
أحمد منصور
ده الذي عنده القرار.
باسم نعيم
هذا هو الذي يعني.
أحمد منصور
دارس سيرهم وعارف وزن كل واحد منهم.
باسم نعيم
يعني لدرجة أنني أقول له، “فلان قال لي هذا، أصلاً لولا والدته كذا وكذا، لما كان دخل المجال السياسي والعمل.” يعني بتحسّه هو فاهم تفاصيل دقيقة تؤثر على المشهد رغم المعرفة العامة بالعقلية الصهيونية. لأنه، كما قلت لك، هو حاصل على بكالوريوس في الأدب الغربي والعبرية، وله اطلاع على القنوات هذه، وبالتالي عندما يتحدث عن أي القنوات أكثر مصداقية وأي القنوات تعبر عن الرأي الحقيقي، تصبح لديه قدرة تحليلية قوية. ولذلك، لا تدرج معه في التفاصيل المتعلقة بالشأن الوطني أو الصهيوني أو المشهد العام. لديه القدرة على الاستشراف.
أحمد منصور
القدرة على الاستشراف، أنا أتفق معك في ذلك، لأنها من الأشياء المهمة جداً. معظم الحركات أو حتى رؤساء الدول لديهم ضعف فيها. القليل من الناس لديهم هذه المقدرة. حتى في الدراسات المستقبلية، قليل من يتقن استشراف المستقبل. كيف كانت قدرته على استشراف الأشياء ودقة استشرافه؟ يعني، اضرب لي مثالاً عن شيء استشرفه وحدث كما قال.
باسم نعيم
مثلاً، في الشأن الصهيوني، معرفته الدقيقة والعميقة بهذا الشأن مكنته من معرفة الاتجاهات المستقبلية للحكومة والمجتمع والجيش. كنت تكتشف بعد فترة أن كلامه كان صحيحاً. مثلاً، عندما قال إنه “صدام قادم”، كان يعني أنه قد تحدث انقسامات أفقية وعمودية داخل المجتمع الصهيوني. مثلاً، عندما قال “هذه هي اللحظة المناسبة للضرب”، كان بناءً على قراءته الدقيقة للمشهد. كان المشهد الصهيوني، كما قال، منقسماً بالفعل.
أحمد منصور
هذه نقطة أريد العودة إليها. اسمح لي أن أبدأ بها في الحلقة القادمة. لماذا؟ لأنه قبل خمس سنوات من “طوفان الأقصى”، كانت إسرائيل تتمزق داخلياً بشكل كبير جداً. خمس انتخابات، خمس حكومات، ولم يكن أحد لديه القدرة على الحكم والصمود. حتى الرئيس الإسرائيلي، وكل الصهاينة في العالم، كانوا يناشدون قادة إسرائيل أن يحولوا دون سقوط الدولة. وبدأ سيناريو “لعنة السبعين” ينتشر في الصحافة الإسرائيلية وبين السياسيين، حتى أن رئيس الدولة نفسه تحدث عن الموضوع.
فكيف كان السنوار يستشرف ويعد عن طريق الخداع الاستراتيجي لما حدث في السابع من أكتوبر 2023؟
أشكرك دكتور باسم نعيم، شكراً جزيلاً.
كما أشكركم مشاهدينا الكرام على حسن متابعتكم.
في الحلقة القادمة إن شاء الله، نواصل الاستماع إلى شهادة الدكتور باسم نعيم حول عصر يحيى السنوار.
في الختام، أنقل لكم تحيات فريق البرنامج. وهذا أحمد منصور يحييكم. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
محاور الحلقة
00:00 المقدمة
اللقاء الأول مع يحيى السنوار 01:04
04:04 السمات الشخصية الأبرز ليحيى السنوار.
05:31 الوجه الآخر للسنوار : الرأفة والرحمة.
11:05 السنوار ثائر أم رجل دولة؟!
14:30 فصل السنوار بين مشروع الحركة والحكم.
16:55 كيف كان السنوار يدير الشأن العام؟!
19:06 علاقة يحيى السنوار مع الآخرين.
24:44 فلسفة السنوار في التعامل مع السلطة الفلسطينية.
29:36 اللقاء السري مع محمد دحلان: الدوافع والخلفيات.
34:00 علاقات السنوار السياسية.
41:58 احترام السنوار للشورى.
42:36 ساعات السنوار.
44:06 قدرات السنوار الهائلة خاصة استشراف المستقبل.