التقيت في أكثر من لقاء مع النخب السياسية وشباب الثورة اليمنية وكانت اللقاءات كلها تدور حول المستقبل والتحديات وإن كان أغلب الحديث حول الثورة اليمنية إلا أنه تجاوزها في كثير من الأحيان إلى الخليج ومصر وسوريا وليبيا وتونس والسودان، غير أن ما يتعلق باليمن تركز حول التحديات التي تواجه الثورة اليمنية في الفترة المقبلة وعلى رأسها كيفية تطبيق مقررات الحوار الوطني على أرض الواقع، ورغم الارتياح الواسع لقرار تقسيم اليمن إلى ستة أقاليم ذات حكم ذاتي إلا أن هناك قلقا من بعض الجهات التي ستسعى لعرقلة أي تقدم تحرزه الثورة اليمنية.
كان تحدي الأمن هو الأبرز وقد عايشت الهجوم على السجن المركزي في صنعاء والذي أدى إلى هروب تسعة عشر من معتقلي تنظيم القاعدة في عملية اختراق لا يستبعد حسب رأي الجميع أنها تمت بتواطؤ وخيانة، والتواطؤ والخيانة أيضا هو أحد التحديات الهامة في ظل شراء الذمم الضعيفة في مجتمع قبلي يعاني الفقر والتهميش.
وفي قلب صنعاء شاهدت موكبا يضم عشرات المسلحين يركبون سيارات مكشوفة للدفع الرباعي قال لي مرافقي هؤلاء يحرسون سيارة أحد شيوخ القبائل وهم للاستعراض أكثر منهم للحراسة، وعلى شاكلة هؤلاء كان يأتي البلاطجة الذين هددوا الثورة والثوار طيلة اعتصامهم، وإلى حد ما يعتبر الوضع منضبطا في بلد يوجد في كل بيت فيه أسلحة تزيد على عدد أفراد الأسرة بل إن بعض البيوت بها أسلحة ثقيلة، وفي مناطق القبائل البعض لديه دبابات وصواريخ، وحينما حاولت أن أفهم الانضباط أو شبه الانضباط الأمني وجدت مرده إلى أن الجميع مسلح وأن هناك توازن قوى إلى حد ما يجعل كل طرف يدرك أنه الخاسر لو استعمل السلاح واعتدى على الآخر.
من التحديات الأساسية فرض سلطة الدولة في هذا المجتمع القبلي الذي يعاني من الفقر والتهميش ولازلت أذكر تلك العبارة التي قالها لي أحد شباب الثورة وهو يدعوني لزيارة المناطق القبلية التي ينحدر منها حيث قال لي عبارة لن أنساها وجاءت على لسانه بتلقائية تامة جعلتني أشعر بصعوبة الوضع في كثير من مناطق اليمن قال: سأريك بعض القرى ما زالت تعيش على الوضع الذي تركها عليه أبونا آدم عليه السلام قلت له: يا إلهي.. إلى هذا الحد، قال : نعم ودون مبالغة قلت له : أعدك بأن أقوم بهذا في زيارة قادمة.
النظام السابق لازال يحكم قبضته على كل مقدرات الدولة إن لم يكن معظمها وبالتالي فلابد من مصالحة أو توافق معه أو أنه سيبقى يعيق كل خطوات التحول والاصلاح التي جاءت الثورة من أجل القيام بها إذ أنه في مجتمع قبلي متداخل من الصعب أن يقصي طرف الآخر أو يقضي عليه لاسيما وأن الانقسام حدث داخل أبناء البيت الواحد لكن ذلك لن يتأتى إلا برغبة حقيقية.
الوطن القطرية