اللحظة التاريخية لقناة الجزيرة

الجزيرة الإنجليزية

كنت والزملاء إبراهيم هلال نائب مدير قناة الجزيرة الأنجليزية وحافظ الميرازي مقدم برنامج من واشنطن ، وجاسم العزاوي مقدم برنامج من قلب العراق وسعد العنزي مدير مكتب الجزيرة فى الكويت نقف فى غرفة الأخبار فى قناة الجزيرة الأنجليزية ونحن نكتم أنفاسنا حينما نادي مدير الأستوديو علي الحضور بصوت عال طالبا من الجميع الصمت ، فقد بقيت دقيقة علي تلك اللحظة ، لحظة انطلاق أول قناة تليفزيونية إخبارية عربية بل من كل دول الجنوب الفقيرة ناطقة بالأنجليزية و موجهة إلي دول الشمال الغني التى كانت تحتكر صناعة الأعلام حتى عشر سنوات خلت حيث انطلقت قناة الجزيرة عام 1996، وبدأت تكسر الأحتكار الغربي لصناعة الخبر ، وصناعة الصورة .

بعد عشر سنوات جاءت تلك اللحظة التى تقارع فيها الجزيرة الأعلام الغربي بلغته ، وبإمكاناته

و بعد عشر سنوات جاءت تلك اللحظة التى تقارع فيها الجزيرة الأعلام الغربي بلغته ، وبإمكاناته ، ولكن بشكل متميز لم يقربه الأعلام الغربي من قبل ، فالغرب هو الذي كان يحدد الأجندة الأخبارية للعالم ، لكن قناة الجزيرة الأنجليزية قررت أن تحدد هي أجندة الأخبار التى تري أنها الأولي أن تصل للغرب والعالم عن الجنوب المهمش والمهمل من الغرب ، وكانت نشرة الأخبار الأولي فى الثالثة مساء بتوقيت مكة المكرمة فى الخامس عشر من نوفمبر من العام 2006 ، تمثل لحظة ميلاد ” صوت الجنوب ” .

كان التوتر باديا علي معظم الحضور لكن أكثرهم توترا شولي جوش ذات الأصول الهندية وسامي زيدان ذي الأصول العربية اللذين قدما نشرة الأخبار الأولي ، ومع انطلاقة الأشارة وبدء البث كانت فلسطين هي الخبر الأول ، وتقريرا أعدته جاكي رولاند مراسلة بي بي سي التى انضمت لفريق الجزيرة ، وفي مقابلتها الأخبارية كانت القدس القديمة وقبة الصخرة بما لها من دلالات هي خلفيتها ، وكان أول شخص يحاور ويقدم رأيه للعالم هو خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس ، ثم جاء تقرير نور عودة من غزة ، ثم قدم ديفيد شيتر تقريره من غزة أيضا .

بعد ذلك انتقلنا إلي دارفور حيث قدم أندرو سيمونز تقريرا مميزا ، تبعه بث مباشر من مخيمات اللاجئين وطبيعة الحياة هناك ، ثم تقريرا من زيمبابوي ، ثم تقريرا من طهران أعده المراسل العالمي المتميز راجي عمر البريطاني الصومالي الأصل ، ثم ذهبنا إلي العراق وتم بث صور لم يراها الغرب من قبل عن المجازر اليومية للعراقيين والمقابر الجماعية للمئات الذين لم يتم التعرف علي هوياتهم ، والذين بلغوا حسبما نقل التقرير عن مجلة ” سانست ” الطبية البريطانية المرموقة 650 ألف عراقي منذ دخل بوش بجنوده إلي العراق ليقيم نظاما من وحي خياله حول العراق إلي مايراه الناس ويعيشونه كل يوم ..

ثم انتقلنا إلي الصومال وما يحدث فيها ، ثم جاء جون كوكسون من الكونغو فى تقرير عن الأنتخابات هناك وفي الليل انفرد بأول حوار مع جوزيف كابيلا الأبن الذي نجح فى الأنتخابات ، ثم قدم لنا جون بايس من أفغانستان تقريرا مميزا عن وضع أفغانستان بعد خمس سنوات من سقوط نظام حركة طالبان ، ثم انتقلنا لأمريكا الجنوبية ـ فنحن فى الجنوب دائما بكل مدلولاته الجغرافية والسياسة والأقتصادية ـ حيث قدمت لوسيا نيومان تقريرا مميزا من البرازيل ثم شاهدنا تقريرا عن الصين والأزدحام بها .

غير أن أميز التقارير وكلها كان مميزا هو أن يقوم شخص عادي بصناعة تقرير إخباري ، خالد أبوسعدة سائق سيارة الأسعاف الفلسطيني الذي جرح أثناء نقله الجرحي فى مجزرة بيت حانون الأخيرة ، قدم قصته وقصة سائقي الأسعاف الفلسطينيين وهم يقومون بنقل الجرحي والقتلي الفلسطينيين جراء الأعتداءات الأسرائيلية ، وكانت المرة الأولي التى يقوم بها شخص عادي بإعداد تقرير بصوته إلي محطة عالمية ، وأخبرني إبراهيم هلال أن هذا سيحدث من آن لآخر وأن هذه إضافة إعلامية غير موجودة فى المحطات الأخبارية العالمية .

في كل النشرة التى استمرت ساعة كاملة لم يكن للغرب نصيب سوي في خبر عن مرور بوش علي موسكو حينما هبطت طائرته لأجراءت فنية فالتقي الرئيس بوتن وتباحث معه فى بعض القضايا ، كانت النشرة كلها موجهة من الجنوب إلي الشمال ومثلت انطلاق صوت الجنوب إلي العالم لتبدأ مقارعة جديدة للأعلام الغربي واحتكاره لصناعة الخبر والصورة طوال العقود الماضية .

هذه أول نشرة أخبار فى تاريخ الأعلام العالمي تنطلق إلي العالم تحمل أخبار الجنوب المهملة إلي العالم

أخذ الخوف يتبدد من نفوس الجميع كلما ظهر خبر وراء خبر ، وعندما أعلن سامي زيدان وشولي جوش نهاية النشرة والأنتقال إلي مكتب الجزيرة فى كوالا لامبور لتقديم النشرة التالية ، حيث تقدم الجزيرة الأنجليزية نشراتها من أربع مكاتب مختلفة ارتفع التصفيق في جنبات محطة الجزيرة الأنجليزية وأخذ الجميع يتبادل التهاني بالأنطلاقة المميزة وبتلك اللحظة التاريخية ، فهذه أول نشرة أخبار فى تاريخ الأعلام العالمي تنطلق إلي العالم تحمل أخبار الجنوب المهملة إلي العالم ، والمهم أنها تحملها بلغة مهنية عالمية راقية ، ومراسلين محترفين عالميين تجمعهم اللغة الأنسانية والأهتمام بالأنسان الجنوبي المهمش وبقضاياه ، فهناك أكثر من خمسة تقارير من إفريقيا وثلاثة من فلسطين وواحد من العراق وأفغانستان والصين وإيران والبرازيل ، وهذا يعني الكثير للذين كانوا يهمشون هذه الأماكن أو يقدمونها للعالم بمنظورهم الغربي وليس بالمنظور الأنساني العادل .

!!أخبرني وضاح خنفر مدير شبكة الجزيرة أن الحرب قد بدأت علي الجزيرة الأنجليزية حتى قبل ولادتها

أخبرني إبراهيم هلال أن هذا سيكون النهج الدائم ، وأخبرني وضاح خنفر مدير شبكة الجزيرة أن الحرب قد بدأت علي الجزيرة الأنجليزية حتى قبل ولادتها حيث رفضت كثير من شركات الكيبل التى يعتمد عليها الغرب فى إيصال القنوات الفضائية للمشاهدين ترفض إدخال الجزيرة ضمن باقاتها بينما ألغت أكثر من شركة كيبل تعاقداتها مع الجزيرة قبل البث بيوم واحد ، ويبدوا أن المعركة ستكون حامية فى المستقبل ، فالغرب حارب الجزيرة الناطقة بالعربية رغم أنه لم يكن يفهم لغتها ، فماذا سيفعل مع الجزيرة الأنجليزية التى تتحدث لغته والتي ستكسر إهماله للجنوب وأهله وقضاياه ، لقد بدأت لحظة تاريخية جديدة للأعلام العربي نأمل أن تحقق ما يأمل كل إعلامي عربي بل وجنوبي في تحقيقه .

Total
0
Shares
السابق

محاكمة أمريكا فى العراق

التالي
هاني الحسن

هاني الحسن: محمد دحلان والمأزق الفلسطيني

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

Total
0
Share