الشعب المصري حينما استرد سيادته

بعيدا عن نتيجة الاستفتاء على التعديلات الدستورية الذي جرى في مصر يوم السبت الماضي 19 مارس فإن ما حدث في مصر في هذا اليوم أكد على أن الشعب المصري قد استرد بحق سيادته على أرضه وقراره ومصيره ولم يكن البيان الأول للثورة الذي صدر في 11 فبراير 2010 والذي كانت ديباجته التي زينت كل بيانات الثورة فيما بعد إلا تعبيرا عن هذه السيادة حيث جاء فيها «نحن جماهير شعب مصر صاحب السيادة على ارضه ومصيره ومقدراته التي استردها كاملة باندلاع ثورة 25 يناير الشعبية: المدنية: الديموقراطية وتضحيات شهدائها الابرار وبعد نجاح الثورة في اسقاط النظام الفاسد وقيادته تعلن استمرار هذه الثورة السلمية حتى النصر» إن المعاني العميقة التي حوتها هذه الديباجة بدأت تظهر للعيان يوما بعد يوم فمفهوم «سيادة الشعب» ظل غائبا عن المصريين في ظل أنظمة الحكم المستبدة التي حكمته طوال العقود وربما القرون الماضية ، ومع نجاح الثورة في إسقاط رأس النظام وحكومته، وحل مجلسي الشعب والشوري، وحل جهاز مباحث أمن الدولة، وغيرها فقد كانت الدعوة للتصويت على التعديلات الدستورية مشوبة بالضبابية بعدما طالب كثيرون بأن تكون بنود التصويت دعوة لإعلان دستوري بدلا من الدعوة الى تعديلات دستور أسقطته الثورة وهذا ما أثار بلبلة لدى المصريين، لكن خروج المصريين للمرة الأولى بالملايين للإدلاء بأصواتهم على التعديلات الدستورية وإعلان الجميع احترامهم للنتيجة أيا كانت مثل قفزة نوعية غير عادية في مفهوم «سيادة الشعب» لدى الناس، فقد اصطفت الطوابير من الصباح الباكر وحتى إغلاق اللجان الانتخابية بعضها امتد إلى مئات الأمتار لم يتأفف الناس ولم يشعروا بالملل ولم يحتجوا بل تحولت كثير من الطوابير إلى وقفات نقاش راق بين الناس بحثا عن مستقبل أفضل لمصر وشعبها، وكان المؤيد للتعديلات والرافض لها في حوار راق عشت جانبا منه وعاش معظم المصريين الذين كانوا مبتهجين فرحين بممارسة حقهم ومعظمهم للمرة الأولى، قابلت رجلا جاوز الستين قال إنها المرة الأولى في حياته التي يشارك فيها في التصويت أو الانتخاب وقابلت شبابا كثيرين ورجالا في منتصف العمر أما النساء فبدءا ممن لهن حق التصويت في سن الثامنة عشرة وحتى النساء العجائز خرجن جميعا لممارسة حقهن في رسم مستقبل مصر والتأكيد على نجاح ثورة الشعب المصري أرقى ثورات التاريخ كما وصفت حتى الآن، كما أن كثيرا من المرضى والمعوقين حرصوا على الخروج والإدلاء بأصواتهم، وحقهم في رسم مستقبل بلادهم، وكان أهم ما خرجت به من مشاهدتي ومشاركتي في هذا الأمر هو أن المصريين أكدوا على نجاح ثورتهم وعلى أنهم لن يسمحوا لأي حاكم أو نظام بسرقة بلادهم منهم بعد ذلك،وأن الشعب المصري قد استرد سيادته على أرضه وقراره ومصيره بالفعل، وكانت هذه أهم رسالة وجهتها الملايين التي خرجت لكل من تسول له نفسه أن يتلاعب بهذا الشعب أو يتهمه بأنه غير مهيأ لممارسة حقوقه وسيادته. ومن أرقى مشاهد التصويت وقوف رئيس الوزراء المصري عصام شرف ووزرائه وكبار المسؤولين في الدولة كمواطنين عاديين وسط الناس حتى أذن لهم الناس بأن يتخطوا الطابور بينما اعترضوا على محافظ القاهرة وطالبوه بأن يقف في الطابور شأنه شأن الناس بل هتفوا ضده على اعتبار أنه من بقايا النظام الفاسد وطالبوه بالخروج من لجنة مدرسة قصر الدوبارة في شارع القصر العيني وهتفوا ضده «برة… برة» ، أما رئيس الوزراء عصام شرف فلم يكتف بسماح الناس له بتخطي الطابور بل اعتذر لهم أكثر من مرة على تجاوزه وشكرهم على سماحهم له، وهذه المرة الأولى التي يختار فيها المصريون من يحكمهم ويتعامل معهم على أنه واحد منهم ربما منذ زمن طويل، فقد كان عصام شرف أحد مقترحات الثوار على المجلس الأعلى للقوات المسلحة حينما أصر الثوار على إقالة حكومة أحمد شفيق، أذكر أني في الطابور الطويل الذي وقفت فيه والذي لم أشعر بالوقت الذي قضيته لأنه كان في نقاش حميم مع أناس التقيهم لأول مرة منهم من أعلن أنه سيؤيد ومنهم من أعلن أنه سيرفض لكن الجميع كان في نقاش حول مستقبل مصر، ان جاء مجموعة من الشباب وتأففوا من طول الطابور وقال أحدهم يجب أن نجد طريقة نصل بها إلى الصندوق بسرعة ويمكننا أن نتجاوز هذا الطابور، قلت لهم مبتسما: ما هي قيمة الثورة التي قمنا بها إذا فعلتم ذلك، إننا في عهد جديد وأنتم شباب ويجب أن تشجعوا الناس على الالتزام وليس التخطي فأنتم أمل المستقبل، سرعان ما جاء ردهم إيجابيا إلى حد كبير واعتذروا عما بدر منهم وقال أحدهم إننا نحاول الانسلاخ من الماضي لكن سلوكياته تلاحقنا، وبقوا في الطابور حتى جاء دورهم. لقد أكد الشعب المصري من خلال مشاركته الواسعة في الاستفتاء وصبره على الطوابير والتزامه على أنه الضمانة الوحيدة على نجاح الثورة وأكد لفلول النظام البائد أنهم لن ينجحوا في تقويض نجاح الثورة أو مكتسباتها، غير أن الطريق ما زال طويلا أمام الشعب المصري للوصول إلى تحقيق مستقبل أفضل لبلدهم، فالنظام الفاسد السابق لم يترك شيئا سويا في مصر، كل شيء بحاجة إلى إعادة تفكيك وتركيب مرة أخرى، وهذا أمر يستغرق وقتا طويلا لكنه يمكن أن يكون قصيرا في ظل بقاء همة الناس عالية ومشاركتهم في تحقيق النجاح فعالة وأيا كان الأمر فقد وضعت المشاركة العالية في الاستفتاء أقدام المصريين على أول طريق الحرية.

الوطن القطرية

Total
0
Shares
السابق

الشهيد علي حسن الجابر

التالي

الثورة المضادة لـ «المحاكمة والتطهير»

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

Total
0
Share