سوريا ..الخطوة القادمة ؟

ربما تكون هي المرة الأولى منذ أن أسس البريطانيون الجامعة العربية في أعقاب الحرب العالمية الثانية التي يصدر فيها قرار عن الجامعة يمس مصلحة شعب عربي بشكل خاص ذلك القرار الذي اتخذته الجامعة العربية يوم السبت الماضي بتعليق مشاركة سوريا في اجتماعات الجامعة حتى توفي بالتزاماتها التي سبق أن وافقت عليها والمتعلقة بخطة العمل العربي لحل الأزمة السورية وفق القرار المعتمد من المؤتمر الوزاري الذي عقد في الثاني من نوفمبر الجاري، والذي يتلخص في وقف الاعتداء على المدنيين وسحب الجيش من المدن والافراج عن المعتقلين السياسيين.
القرار الذي اعترضت عليه دولتان هما اليمن ولبنان وامتنعت العراق عن التصويت له معان كثيرة غير أن ظاهرها أن الحكومات العربية أدركت أنها اذا لم تتخذ مثل هذا القرار فانها ستصبح عارية أمام شعوبها كما أنها تعني أن الحكومات والحكام الذين سوف يتقاعسون عن تغيير نهجهم والقيام بثورات داخلية سوف تثور عليهم شعوبهم، أما سوريا التي تتحجج بالعمل العربي المشترك وأنها دولة ممانعة فالجميع يدرك أنها أكثر الدول العربية حماية لإسرائيل وحدودها ويكفي أنها لم تطلق رصاصة واحدة تجاه اسرائيل منذ حرب العام 1973 وأن مشاركتها في المواجهات العسكرية الجوية مع الطيران الاسرائيلي خلال حرب لبنان أدت الى تدمير معظم طائرات سلاح الجو السوري في عملية انتحارية مقصودة من النظام لأن ظهور الخلل في المواجهة في أول طلعة جوية كان يعني أن يتم وقف باقي الطلعات لا ارسال باقي الطائرات مع الطيارين الى حتفهم تباعا وكأنها عملية خيانة عظمى الهدف منها التخلص من سلاح الجو السوري ومن الطيارين كذلك، ولو أن هناك عمليات محاسبة وشفافية لكشف حجم هائل من الفضائح والخيانات منذ حرب يونيو عام 1967 وسقوط الجولان التي هي من أقوى الأماكن الطبيعية حصانة في العالم وأكثرها استعصاء على السقوط وحتى الصمت عن كل الاعتداءات التي قامت بها اسرائيل ضد سوريا وآخرها تدمير ما أطلق عليه المفاعل النووي السوري دون أن تطلق اسرائيل طلقة واحدة الى تصفية ضباط سوريين رفيعي المستوي وهم داخل بيوتهم.
منذ أن سيطر حافظ الاسد على السلطة في سوريا عام 1969 ثم دعم سيطرته عام 1971 والشعب السوري يعيش واحدة من أكبر مآسي الشعوب العربية ربما لم يتفوق عليه في المأساة الا الشعب الليبي الذي نجح في التخلص من معمر القذافي بعد حرب ضروس استمرت ثماني أشهر، فمنذ هزيمة سوريا في العام 1973 التي كانت امتدادا لهزيمة العام 1967 حيث كان حافظ الأسد رئيسا لسوريا في الأولى ووزيرا للدفاع في الأولى تضييق الخناق على الشعب السوري ورتب الأسد التوجه للحكم الطائفي الذي بلغ ذروته في مذبحة حماة الثانية عام 1981، والتي قتل وفقد فيها عشرات الآلاف من السوريين علاوة على تدمير المدينة القديمة والقبض على عشرات الآلاف الذي مازال أكثر من خمسة وعشرين ألفا منهم مصيرهم مجهولا، وتحويل سوريا الى سجن كبير والحكم بالإعدام على كل من ينتمي الى الإخوان المسلمين، وقد تخطى الأمر ذلك الى تجريم كل من يقف في وجه النظام حتى لو كان علويا.
لقد كنت أشعر كلما ذهبت الى سوريا أن الناس كانت تخشى حتى من الحديث الهامس، وقد نهج النظام نهجا سوداويا حينما سعى لقلب كل المعادلات عبر افقار الناس وتهميش العائلات العريقة في التجارة أو الصناعة لصالح فئة جديدة هم أزلام النظام وأبناؤه، كما سعى النظام لاستقطاب شخصيات هامشية سنية حتى يزين بها الوجه القبيح للنظام، لذلك فان ما يقوم النظام من عمليات قمع وقتل وتعذيب وتهجير وهدم للمنازل وهجوم بالدبابات والمدفعية من الأرض والبحر والجو أحيانا ضد شعب مدني أعزل لم تكن سوى امتداد لما يقرب من أربعين عاما من الفساد والاستبداد والظلم والطغيان، لقد كانت سوريا في أعقاب استقلالها عن فرنسا منتصف الأربعينيات واحة غناء من الديمقراطية وكانت بها انتخابات حرة ونزيهة وبرلمان وحكومة من اختيار الشعب حتى جاء العسكر بانقلاباتهم المتتابعة وسيطر الأسد على السلطة فأعادوها قرونا الى الوراء، والآن قرر الشعب السوري أن يتحرر بدمائه ورفع شعاره الذي سيظل يتردد في الآفاق «الموت ولا المذلة» وبالتالي فان ماقامت به الجامعة العربية ليس سوى الخطوة الأولى التي يجب أن تتبعها خطوات تحقق للشعب السوري أمله وتؤكد له أن الدماء التي سالت لم تذهب هباء وان مواكب الشهداء التي تزين شوارع المدن السورية كل يوم ما هي الا مواكب الى طريق الحرية وان صبر الاربعين عاما آن له أن يتوج بالحرية والاستقلال الحقيقي للبلاد.

الوطن القطرية

Total
0
Shares
السابق
أسامه ياسين

أسامة ياسين (2) : تحرك الإخوان نحو ميدان التحرير .. وعلاقتهم مع الأقباط .. وحقيقة سرقتهم للثورة

التالي

أسامة ياسين (3) : مشاهد وتفاصيل .. جمعة الغضب 28 يناير .. وعمليات الدهس والقتل

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

Total
0
Share