كواليس المشهد في ميدان التحرير

كواليس المشهد في ميدان التحرير تختلف تماما عن الصورة الظاهرة التي يراها معظم الناس عبر شاشات التلفزة، فالمشهد الظاهر لكل من يتابع أنه بعد انتهاء مليونية الجمعة 18 نوفمبر قررت جماعات من المشاركين في المليونية البقاء في ميدان التحرير والاعتصام لحين تحقيق مطالب الثوار بإلغاء وثيقة على السلمي وتسليم السلطة لحكومة مدنية كاملة الصلاحيات أو مجلس رئاسي، فجأة قررت قوات الأمن فض الاعتصام بالقوة وشاهد العالم مشاهد مواجهات بين الأمن والمعتصمين أقرب ما تكون إلى المشاهد الأولى من ثورة يناير وتحديدا يوم الثامن والعشرين من يناير الذي شهد أشد المواجهات بين قوات الشرطة و جموع الشعب المصري التي شاركت في الثورة، وكان أشد ما يلفت الأنتباه بعد يوم السبت 19 نوفمبر هو أن الشرطة قررت الانتقام من الشعب الذي تمرد عليها وعلى بطشها، وشاهد العالم أجمع شبابا يقتل على شاشات التلفزة وجثثا تسحل وأعينا تفقأ عبر الرصاص المطاطي والخرطوش وحتى الرصاص الحي، ولعل التقرير الذي نشر عن اطباء في مشرحة زينهم يوم الخميس 24 نوفمبر أكد أن عدد من قتلوا بالرصاص الحي من بين الشهداء الذين وصلوا المشرحة حتى ذلك اليوم بلغ اثنين وعشرين أي أغلب القتلى وأن كثيرا منهم برصاصات في الرأس أو الصدر مما يعني أن قناصة وزارة الداخلية حسب كثير من المراقبين قد عادوا مرة أخرى للقيام بنفس الدور القذر الذي كانوا يقومون به خلال الأيام الأولى لثورة يناير كما أكد أكثر من طبيب للأمراض النفسية والعصبية أن القنابل المستخدمة بها غاز قاتل ولعل هذا ما أدى إلى موت واختناق العشرات بل وإصابة البعض بحالات تشنج صورت ونشرت، كما تعمّد ضباط الداخلية توجيه الرصاص المطاطي والخرطوش لأعين المتظاهرين حيث فقد المئات أعينهم، لكن وزير الداخلية المغيب خرج كعادته لينفي قيام الداخلية باستخدام أي سلاح سوى القنابل المسيلة للدموع مكذبا الملايين التي تتابع ما يفعله ضباطه وجنوده بالشعب عيانا بيانا على شاشات التلفزة وحتى نتحرى المشهد من وراء الكواليس فإننا يجب أن نقف على عدة نقاط هامة أولها أن المجلس الأعلى للقوات المسلحة هو من أشعل هذه الفتنة الأخيرة بسياسته الغامضة طوال الأشهر الماضية ثم بإصراراه على إنفاذ ما يسمى بوثيقة علي السلمي التي كانت تضع القوات المسلحة فوق الجميع وفوق كل مساءلة وهو ما يجعل مصر في وضع أسوأ مما كانت عليه طوال الستين عاما الماضية لسبب بسيط هو أنه يشرع ما كان قائما من قبل من ممارسات تتعدى على حقوق الشعب وممتلكاته، الأمر الثاني هو أن المجلس الأعلى للقوات المسلحة بقي متفرجا على المشهد المخزي الذي كان يدور في شارع محمد محمود طوال أسبوع كامل حيث قتل وجرح المئات من الشباب في مواجهات تحمل علامات استفهام كبيرة إلى الآن والسؤال هو : هل المجلس الأعلى كان عاجزا عن بناء الحاجز الذي بناه يوم الخميس 24 نوفمبر أم أنه كان عاجزا عن فرض سيطرته على رجال الداخلية في ظل ما نشر أكثر من مرة بشكل هزلي وبه استخفاف بالشعب ودمائه وأبنائه بأن قوات الجيش أخفقت في الفصل بين الطرفين وشوهد قائد عسكري كبير يقف وكأنه عاجز وهو نفسه الذي كان يتواجد في ميدان التحرير خلال ثورة يناير مؤكدا نفس المنطق الذي يساوي بين الجاني والضحية وهو منطق به إدانة لكل من تواطأ أو صمت وهو منطق أن القاتل مصري والمقتول مصري من ثم فلا تدخل حتى لحماية القتيل، أم أن المجلس الأعلى كعادته لا يتحرك إلا حينما يجد التهديد يمسه هو بشكل مباشر بعدما تحول هتاف الشعب من «الجيش والشعب إيد واحدة» إلى «إرحل» و«الشعب يريد إسقاط المشير» ولعل هذا يفسر التحرك السريع من المجلس الأعلى بعد خطاب المشير الذي ذكرنا بخطابات مبارك حيث سارع عدد من أعضاء المجلس لعقد المؤتمرات الصحفية والمشاركة في البرامج الحوارية للتغطية على ما جاء في الخطاب من سقطات تستغبي الشعب وتلعب على عوطفه لكن سرعان ما انتقدها الشعب وأكد أنه من الصعب استغفاله مرة أخرى.

الأمر الأهم الذي يؤكد على أن هناك مؤامرة كبيرة وتواطؤا من قبل ضباط في الداخلية بل وترتيب لكل السيناريو الذي وقع وأن هذا التواطؤ تم بترتيب مع بعض فلول النظام السابق الذين لازال كثيرون منهم في السلطة أو يملكون المال الذي يمولون به قتل الشعب ونشر الفوضى حيث لازال قتلة الثوار في يناير مازالوا طليقين بل وفي مواقعهم وأن هذه ساعة الانتقام من الشعب الذي قام بهذه الثورة الخالدة، يؤكد على ذلك ضبط الثوار أكثر من عنصر من عناصر الأمن مندسين بين الشباب يلقون الحجارة وقنابل المولوتوف على الأمن وعلى الجيش حتى يظل الحريق مشتعلا وقد روى لي أكثر من صديق ممن يقيمون في الميدان سواء من أطباء أو سياسيين أن هؤلاء منتشرون في الميدان ولعل عقيد أمن الدولة الذي اعتقل في مسجد عمر مكرم ومعه سلاح أطلق منه أربع رصاصات أو إطلاق الخرطوش والمطاطي الذي لا يملكه سوى الأمن على قوات الأمن والجيش من أماكن تواجد المتظاهرين أو أسطح العمارات أو ما نشرته الأهرام في 26 نوفمبر عن ضبط الثوار لمرشد أمن يدعى محمود علي شحاته اعترف بأنه كلف من قبل قيادته في وزارة الداخلية بالتوجه لميدان التحرير يوم السبت 19 نوفمبر لإحداث حالة من الذعر بين المتظاهرين كما اعترف على حد زعم الثوار بأنه ألقى زجاجات مولوتوف على قوات الأمن المركزي في شارع محمد محمود وتلقى تعليمات بإلقائها أيضا على قوات الشرطة العسكرية ورجال الجيش إذا تواجدوا في الميدان لإشعال الوضع وأنه كان يتقاضى يوميا مبلغ مائة جنيه غير راتبه مقابل هذا العمل الاجرامي، وأنه يعرف أن هناك ثلاثة مرشدين من مجموعته كانوا يقومون بنفس العمل ولا يعرف إن كانت هناك مجموعات أخرى أم لا ؟ الأمر الآخر أن أكثر من زميل أبلغوني أن كثيرا من المرشدين ممن كانوا يتواجدون في شارع محمد محمود بين المتظاهرين يقذفون قوات الأمن كانوا يفرون إلى جهة الأمن حينما يشك أحد فيهم ويسعى للقبض عليهم، إذن مشهد المواجهات في معظمه صنعه جهاز الأمن بضباطه ومرشديه والبلطجية الذين عادة ما يتعاونون مع الأمن وفلول النظام السابق لأهداف كثيرة من أهمها إلغاء الانتخابات أو تأجيلها كما شارك في المشهد أطراف لها ثارات قديمة مع الأمن مثل شباب الألتراس وكذلك مقهورون من الشعب ومتعاطفون مع ما يحدث دون دراية بخلفيات المشهد الذي كان ضحاياه كل يوم بالمئات، ومع استفزاز وزير الداخلية عبر نفيه لما يقوم به رجاله من جرائم وصمت أو عجز المجلس الأعلى حينئذ تحركت جموع الشعب إلى الميدان حتى تحمي الشباب من بطش الأمن وصمت المجلس الأعلى ولما بلغت الحشود مئات الآلاف تحرك المجلس الأعلى ليدلي بتصريحات ويغلق شارع محمد محمود ولما بلغت المليونية مداها وارتفعت مطالبها يوم الجمعة عين طنطاوي أحد رموز النظام السابق وهو كمال الجنزوري الذي عمل عشرين عاما إلى جوار مبارك رئيسا للحكومة مؤكدا أن الجميع يعيش في عباءة مبارك ولا يملك من القدرة على التفكير للخروج من هذه العباءة، فخرج المتظاهرون بهتافاتهم مباشرة «جنزوري ما جنزورشي المجلس ما يحكمشي» إننا لا نريد مع تداعيات ماحدث ويحدث أن نتناسى أن المجلس الأعلى بأدائه طوال الأشهر الماضية وإصراره على وثيقة السلمي هو الذي أدخل مصر في هذه الدوامة وهو المسؤول عن كل الدماء التي سالت والعيون التي فقئت، وإن يوم الحساب قادم لا محالة لكل من أجرم بحق هذا الشعب حتى وإن تمترس خلف السلطة ومن يفلت في الدنيا لن يفلت يوم القيامة وليس مشهد مبارك في القفص ببعيد.

الوطن القطرية

Total
0
Shares
السابق
أسامه ياسين

أسامة ياسين (4) : خطاب مبارك ومساندة الجيش للشرطة .. والاختراقات الأمنية للميدان

التالي
أسامه ياسين

أسامة ياسين (5) : يكشف تفاصيل وأحداث ومراحل موقعة الجمل

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

Total
0
Share