مسئولية التصويت

دعانى أحد الأصدقاء الذين يدرسون درجة الدكتواره فى القانون فى جامعة السوربون يوم السبت الماضى 9 يونيو 2012 إلى غداء عمل فى العاصمة الفرنسية باريس، وكان من بين الحضور أستاذه المشرف على رسالته، وجدتها فرصة لأتحدث معه بشأن الانتخابات البرلمانية الفرنسية التى كانت مقررة فى اليوم التالى (الأحد) وعن أسباب صعود اليمين المتطرف فى الانتخابات الرئاسية وما يمكن أن يحصل عليه من مقاعد فى الانتخابات البرلمانية وماذا يمكن أن يحدث حال عدم تحقيق الاشتراكيين الفوز الذى يمكنهم من تشكيل الحكومة فى ظل رئيس اشتراكى، وغير ذلك من الموضوعات الأخرى التى تشغل بال الفرنسيين فى هذه الأيام حيث تم تسليم السلطة فى هدوء قبل أسابيع من الرئيس ساركوزى رئيس حزب يمين الوسط إلى الرئيس الجديد أولاند رئيس الحزب الاشتراكى، الذى مارس عمله من اليوم الأول مع انتقادات شديدة من الفرنسيين للرجل الذى لا يعرف شيئا عن البروتوكول وتعثر أكثر من مرة خلال مشيه وكاد يقع، فقبل عدة أشهر لم يكن يتخيل أولاند أنه سيكون مرشح الحزب بل سيصبح الرئيس ولم يأخذ الوقت الكافى لتعلم بروتوكول الرئاسة. مساء الجمعة أبلغنى صديقى أن أستاذه اعتذر عن الغداء لأنه من مدينة فى جنوب فرنسا ويجب أن يدلى بصوته فى مسقط رأسه يوم الأحد، وهو متخوف من ألا يتمكن من السفر يوم الانتخابات ليصل فى الموعد ليدلى بصوته ثم يعود لذا قرر السفر يوم السبت حتى يلتزم بالإدلاء بصوته فى الانتخابات صباح الأحد ثم يعود إلى باريس حيث يعيش. شعور المواطن فى الغرب بأهمية صوته فى الانتخابات هو من أهم المبادئ التى أسست عليها الديمقراطية هناك، ورغم أن نسبة من الفرنسيين مثل غيرهم لا يذهبون إلى صندوق الاقتراع ولا يهمهم من يمثلهم فى مجلس النواب أو يحكمهم من الإليزيه فإن الغالبية ما زالت تحافظ على اختيار من يحكمها ومن يمثلها، ولأن النسبة التى تشارك لها فاعليتها والآلات الحزبية تلعب دورها فى حشد المؤيدين للمرشحين فإن الفوارق التى تحدد الفائز من الخاسر عادة ما تكون قليلة، لأن كل طرف يستخدم كل الوسائل من أجل أن يحصل على أعلى نسبة من أصوات المؤيدين، هذا الالتزام من قبل هذا الأستاذ ومن ملايين غيره ممن لهم حق التصويت فى الغرب أن يذهبوا إلى مسقط رأسهم أو الدوائر المسجلين فيها حتى يدلوا بأصواتهم حتى لو أدى هذا إلى سفرهم يوما أو يومين جعلنى أتعجب من دعوات بعض المثقفين المصريين إلى مقاطعة الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية المصرية على اعتبار أن أحد المرشحين ينتمى للنظام السابق والآخر ينتمى إلى الإخوان المسلمين الذين يتعرضون لهجوم شرس من كثيرين، كذلك تعجبت من دولة قامت فيها ثورة ضد نظام حكم استبدادى فأسقطت رأس النظام، ثم يتقاعس نصف الشعب عن أن يدلى بصوته فى الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية ويخشى مع دعوات المقاطعة أن ترتفع نسبة الذين لا يدلون بأصواتهم ولا يشاركون فى تحديد من يحكمهم. التجربة الانتخابية فى الغرب وكذلك البسيطة التى جرت فى مصر فى انتخابات مجلس الشعب والانتخابات الرئاسية أكدت أن القوى المنظمة هى الوحيدة القادرة على جلب الأصوات، وهكذا وجدت فى الانتخابات الرئاسية الفرنسية، فرغم أن رئيس الوزراء الفرنسى الأسبق دومونيك دوفيلبان الذى كان ضيفى يوم الأربعاء الماضى فى برنامجى التليفزيونى «بلاحدود» من العاصمة باريس يوصف من قبل الفرنسيين بأنه وريث الديجولية فى فرنسا فإن خروجه من الحزب وسيطرة ساركوزى على الحزب جعله يفشل فى الحصول على خمسمائة صوت ممن لهم حق ترشيح الرئيس فى الانتخابات الرئاسية الماضية مما أبعده عن السباق وجعلنى أقول له قولة الفرنسيين «أنت جنرال بلا جيش».. نحن فى مصر فى جولة الإعادة أمام ماكينتين حزبيتين قويتين سنرى أيهما الأقدر على الحشد والإقناع لإخراج خمسين مليون مصرى من بيوتهم للتصويت فى الانتخابات، شفيق مع النظام السابق بكل مكوناته، أم مرسى مع الماكينة التنظيمية للإخوان المسلمين.. أم أن دعاة التقاعس والمقاطعة سينجحون؟

Total
0
Shares
السابق

حالة التشنج والعصبية فى مصر؟!

التالي

معركة النواب والقضاة!!

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

Total
0
Share