المغرب ومصر وإصلاح القضاء

الأزمة الحادة التى تعيشها مصر بشأن الأحكام القضائية والدعوات لاستقلال القضاء لم تتفرد فيها مصر وحدها، وإنما هى أزمة أفرزتها الأنظمة الشمولية الاستبدادية التى انتشرت فى المنطقة العربية فى أعقاب فترات الاحتلال. والمغرب على سبيل المثال ليس بعيدا عن مصر فى المشكلة، ومع تغير ناعم استجاب له الملك بعد مظاهرات عمت أكثر من خمسين مدينة مغربية فى شهر فبراير من العام الماضى 2011، ألقى الملك خطابا فى 9 مارس تم بعده تعديل الدستور وإجراء انتخابات برلمانية تم على أثرها تشكيل حكومة ائتلافية بقيادة حزب العدالة والتنمية الإسلامى مع ثلاثة أحزاب تقليدية أخرى. وكان منصب وزير العدل من المناصب التى دار حولها تجاذب حاد، حيث إن منصب وزير العدل كان على مدى العقود الماضية من المناصب التابعة للقصر، لكن العدالة والتنمية أصر على أن حقيبة العدل من نصيبه، وصوت الحزب بالإجماع على أن تكون لنائب الحزب مصطفى الرميد المعروف بمواقفه المتشددة والحادة. وتكمن أهمية منصب وزير العدل فى المغرب فى كونه يمسك ملفات عديدة وقوية، من أهمها أن وزير العدل يرأس النيابة العامة وهذا يعنى أن من حقه أن يحيل البلاغات والقضايا إلى نواب العموم للتحقيق فيها وعلى رأسها ملفات الفساد، وما أدراك ما الفساد فى المغرب! ذلك الملف الذى لا يقل ضخامة وثقلا وأهمية عن الفساد فى مصر وتونس ودول أخرى عديدة. والرميد محامٍ بارز كان رئيسا للكتلة البرلمانية للحزب، وأجريت معه حوارا قبل عدة سنوات فى برنامجى «بلا حدود»، وقامت بينى وبينه مودة يجيد صناعتها مع الكثيرين. ضافنى الرميد خلال زيارتى للرباط على غداء مع بعض أركان وزارته، وفى جلسة مطولة على مدى ساعتين تحدثنا عن المشكلة العميقة التى تشارك مصر فيها المغرب ومعظم دول الربيع العربى الأخرى، وهى مشكلة استقلال القضاء. سألت الرميد عن ملف استقلال القضاء فى المغرب فقال: «القصة ليست استقلال القضاء وحده ولكن إصلاح منظومة العداله بشكل عام، لأن القضاء جزء من منظومة العدل التى تضم كافة القطاعات التى تعمل فى المجال القضائى بدءا من الشرطة القضائية وصولا إلى القاضى مرورا بالشهود العدول وكتاب المحاكم والمحامين والمترجمين والخبراء وكل من له صلة أو علاقة بالمنظومة العدلية، لذا فإننا أخذنا الموضوع بشموليته وليس بجزئياته، وهذا موضوع معقد وليس سهلا، وقد سعينا لتحقيق ذلك من خلال تأسيس «الهيئة العليا للإشراف على الحوار الوطنى لإصلاح العدالة»، وهى تتكون من أربعين متخصصا فى كافة المجالات التى تتعامل مع القضاء ومنظومته، من مؤسسات المجتمع المدنى إلى اللجنة التشريعية فى البرلمان إلى المحامين إلى قطاع البنوك وجميع المؤسسات الدستورية، هذه الهيئة تنبثق عنها مؤسسات تنظم ندوات حوارية على مستويات مختلفة تشارك فيها كافة قطاعات المجتمع، حتى إننا خصصنا موقعا على شبكة الإنترنت يشارك فيه عموم الناس لإنتاج تجربة مغربية خالصة، كما أننا التقينا مع مسئولين عدليين من دول أوروبية وأخذنا تجربتهم لنستفيد مما يناسبنا حتى نبحث عن العلاج الشامل للجسد العدلى ويجد الإنسان كرامته فى كل مراحل التقاضى، وتجرى حوارات موازية فى القطاعات المختلفة مثل محاكم الاستئناف والمحامين والبنوك وغيرها، ونعتقد أن مخططنا يصل إلى حوالى 120 ندوة نستخلص منها النظام العدلى الشامل فى حوار وطنى بلا حدود ولا قيود إلا شرطين اثنين هما أن الدستور هو سقف الحوار واحترام أدب الحوار هو الأسلوب الذى يجب أن يلتزم به الجميع». ويضيف الرميد: «إذا أصلحنا منظومة العدل، استطعنا أن نجد الطريق لإصلاح المنظومة العامة للدولة لأن العدل أساس الملك، وعملية تفكيك منظومة الدولة العميقة تحتاج إلى وقت وإلى صبر وإلى رباطة جأش». وأكد الرميد أن قضية إصلاح منظومة العدل قضية معقدة وليست سهلة، وأن المرحلة الأولى وهى مرحلة الحوار ربما تستغرق عاما كاملا تبدأ بعدها عمليات التأهيل والتدريب لكافة العاملين فى المنظومة العدلية لاستكمال شوط بعد آخر حتى تتحقق العدالة فى المنظومة الكاملة وليس القضاء وحده. تجربة المغرب الوليدة جديرة بأن يفكر المصريون فيها وأن يركزوا على إصلاح منظومة العدالة بكاملها بدءا من الشرطى وصولا إلى القاضى، فالقضاء ليس وحده أساس الملك ولكن العدل أساس الملك.

Total
0
Shares
السابق

جوليان أسانج ودوره فى الثورات العربية

التالي

المطار يا سيادة الرئيس؟

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

Total
0
Share