حقيقة التظاهرات فى ميدان تقسيم

تصادف وصولى يوم الأربعاء الماضى الخامس من يونيو إلى مدينة اسطنبول نفس الوقت الذى تحركت فيه التظاهرة الكبرى التى دعت لها النقابات العمالية اليسارية فى تركيا للتوجه إلى ميدان تقسيم فى قلب اسطنبول للمشاركة فى الاحتجاجات القائمة منذ عدة أيام على قرار رئيس الورزاء التركى رجب طيب أردوغان بتحويل مركز أتاتورك الثقافى الذى يقع فى قلب ميدان تقسيم إلى مركز ثقافى ودار للأوبرا، وإلى إعادة بناء القلعة العثمانية التى هدمها أتاتورك عام 1940 وأقام مكانها حديقة فى قلب الميدان علاوة على بناء مسجد فى الميدان الذى يخلو من المساجد.

كنت قد اخترت فندقا قريبا من ميدان تقسيم حتى أرقب الأحداث عن قرب وأعرف حقيقة ما يجرى بعيدا عن تهويل وسائل الإعلام أو تفسيراتها، لكن حظى أنى حينما وصل بى سائق التاكسى قرب مبنى بلدية اسطنبول كانت التظاهرة قد انطلقت متجهة إلى ميدان تقسيم وأصبحت الطرق شبه مغلقة، حاول سائق التاكسى العبور من الشوارع الضيقة والحوارى لكنه حينما وصل بى إلى خليج القرن الذهبى قال لى: عليك أن تعبر الخليج من هذا الجسر وتتابع السير إلى فندقك سيرا على الأقدام وهو لا يبعد سوى كيلو متر واحد.

لكن الحقيقة التى اكتشفتها أنه كان يبعد أكثر من كيلو مترين، لم أجد بدا من جر حقيبتى الصغيرة ذات العجلات الأربع والانطلاق نحو الفندق سيرا على الأقدام وبعد عبورى خليج القرن الذهبى وجدتنى أسير فى قلب التظاهرة وهتافاتها المعارضة لحكومة طيب أردوغان، كانت ملابس المتظاهرين متنوعة حسب النقابات العمالية التى يمثلونها، وكان عدد المشاركين لا يزيد على بضعة آلاف لكنهم انتشروا على مسافة طويلة وأغلقوا الطريق حتى ميدان تقسيم.

وحينما وصلت إلى منطقة يارا قبيل الميدان وجدت فندقى فودعت التظاهرة وألقيت حقيبتى فى غرفتى، ونزلت متوجها للميدان عبر شارع تقسيم، حيث كان فى انتظارى هناك زميلاى فى مكتب قناة الجزيرة عمر خشرم ونضال صيام، كان شارع تقسيم يعج بالناس كما عرفته دائما وكذلك بالسياح، وبدت الحياة طبيعية لكنى حينما اقتربت من الميدان وجدت آثار الدمار على بعض المحال وبعض ماكينات الصرافة الخاصة بالبنوك، أما فى الميدان نفسه الذى كانت التظاهرة قد وصلته، فقد وجدت المتظاهرين قد تجمعوا بالقرب من الحديقة.

أعطيت ظهرى لفندق مرمرة الذى بدا أنه لم يتأثر بالعنف الذى وقع فى المكان وأخذت أتأمل الميدان من كل جوانبه كما لم أتأمله من قبل، كان عن يمينى متحف أتاتورك الثقافى وهو الذى قررت حكومة أردوغان هدمه وتحويله إلى دار للأوبرا، لكن المبنى كان ملفوفا بلافتات تمتلئ بالعبارات الحادة ضد أردوغان وحكومته وأعلام جميع المنظمات اليسارية والشيوعية السرية والعلنية التى لها وجود فى تركيا أو انقرضت أو على وشك الأنقراض.

لكنى لم أجد علما واحدا لحزب الشعب الجمهورى وهو حزب المعارضة الرئيسى أو أى حزب رسمى معارض آخر، وكان واضحا أن المعارضة الرسمية قد انسحبت من الميدان بعد أعمال العنف والحرق والاعتداء على الممتلكات العامة لأن هذه جرائم سيحاسب من ارتكبها أيا كان وفق القوانين التركية.

Total
0
Shares
السابق

المنظمات المشبوهة فى مصر

التالي

حقيقة التظاهرات فى ميدان تقسيم -2

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

Total
0
Share