تحالف الليبراليين والعسكر

لم يستطع العسكر حكم مصر طيلة ما يقرب من ستين عاما إلا بتحالفهم مع التيار الليبرالى العلمانى الذى كان يمثل الواجهة المزيفة لحكم البيادة والبزة العسكرية، وإذا رجعنا لنظام الحكم خلال الستين عاما الماضية نجد أن نسبة عالية من الوظائف الرئيسية فى الدولة فى جميع المجالات .

بما فيها كل وزارات الدولة وعلى رأسها وزارات الخارجية والحكم المحلى والإسكان والجمارك واستصلاح الأراضى والزارعة والصناعة علاوة على مديرى مكاتب الوزراء ووكلاء الوزارات والمسئولين فى إدارة مجالس الشعب والشورى، ورؤساء مجالس إدارة الشركات والمؤسسات وقطاعات كبيرة من مفاصل الدولة كانت فى يد آلاف الضباط الذين أنهوا الشق الأول من وظائفهم داخل القوات المسلحة ثم انتقلوا إلى الوظائف المدنية كل على حسب قربه ومكانته.

هذا النظام الأساسى جعل من مصر منذ العام 1952 وحتى الآن جمهورية الضباط والعسكر وهذا النظام كان متداخلا مع تحالف من المدنيين الانتهازيين من اليساريين والليبراليين الذين كانوا يتولون الوظائف المساعدة بمن فيها الوزراء.

وهذا ما أدى إلى هجرة قطاع هائل من العقول المصرية غير المسيسة طيلة الستين عاما الماضية خارج مصر لأن نظام الحكم كان مختطفا من هاتين الفئتين ولا يسمح بدخول آخرين إلى منظومة الحكم، فيما كان الإسلاميون هم العدو اللدود للنظام لأسباب كثيرة ولم يسمح لهم بالاقتراب من أى من تلك الوظائف الرئيسية بل حتى البسيطة لأن أمن الدولة باختصار كان يعطى الموافقة على تعيين أى موظف فى الدولة بدءا من الفراش وحتى معيد الجامعة.

لذلك حينما قامت ثورة الخامس والعشرين من يناير وكان شباب مصر هم رأس حربتها والشعب المصرى جسدها بكل أطيافه وجد الجميع فرصة لهذه الثورة لكى تعيد الأمور إلى نصابها، وأن يستعيد الشعب سيادته على قراره ومصيره.

أما الطيف العلمانى الليبرالى المتحالف مع جمهورية العسكر فقد ظل يدافع إلى آخر لحظة عن النظام الذى لم يجد بدا من التضحية بمبارك حتى تبقى الدولة والنظام بل إن كثيرا من هؤلاء حينما سقط رأس النظام ركبوا موجة الثورة ثم التفوا عليها بل أظهروا ولاء للشعب وخياراته ودعموا ذهاب الشعب للصناديق خمس مرات فى استفتاءات وانتخابات برلمانية ورئاسية ودستور جديد بل ورئيس كانوا يؤدون له التحية ويظهرون له الولاء وقد خدع الرئيس بمظاهر السلطة ولم يتمكن من أدواتها كما قلت من قبل حيث كان يدور وراء الكواليس من هؤلاء غير ما كانوا يظهرونه له .

ودليل ذلك ما حدث من بعد وما كشفته صحيفة «وول ستريت جورنال» أن خطة ترتيب الانقلاب بين العسكر والليبراليين استمرت ستة أشهر وحينما شعر هؤلاء أن جمهوريتهم مهددة وأن الدولة العميقة يمكن أن تتفكك سارعوا باستعادة كل شىء عبر انقلاب عسكرى كامل الأركان فى الثلاثين من يونيو يدعمهم حلفاؤهم من التيار العلمانى الليبرالى مع أركان الدولة العميقة ورجال مبارك وعلى رأسهم الإعلاميون الذين يقودون كتيبة التضليل والتزييف والأكاذيب.

وكشف كل عن وجهه، وأصبحنا نسمع من رجال كنا نعتقد أنهم من ذوى الرأى والفكر تضليلا وتزييفا ومديحا للعسكر وتبريرا للانقلاب وسرعان ما اندفع قسم منهم للمناصب وقسم ينتظر أو يبالغ فى الولاء ليحظى بمنصب مغتصب أو امتيازات زائلة، إن هذا التحالف يسعى لتقويض المكتسبات الأساسية التى حققتها ثورة 25 يناير وعلى رأسها الانتخابات والدستور وثقافة صندوق الانتخاب بشكل أساسى لكنه لن يقضى على الثورة التى ربما تطول مسيرتها وتزداد تضحياتها حتى تحقق أهدافها ويعود العسكر إلى ثكناتهم ليوجهوا أسلحتهم إلى أعداء الوطن وليس إلى صدور الشعب.

Total
0
Shares
السابق

الدولة البوليسية.. السيناريو الأخطر لمصر

التالي
أحمد الإبراهيمي

أحمد طالب الإبراهيمي (9) : عهد الشاذلي بن جديد .. والعشرية السوداء

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

Total
0
Share