تدمير النسيج الاجتماعي المصري

استوقفني شاب مصري كان يستوقف سيارته إلى جوار سيارتي وبعدما سلم عليّ قال لي: أنا شاب مصري ضد الانقلاب العسكري لكني لست من الإخوان المسلمين ولا أنتمي لأي تنظيم سياسي، لكني من الذين خرجوا في ثورة 25 يناير على أمل أن يتغير حال مصر وأن ينتهي حكم العسكر وأن نشعر نحن المصريين أننا نملك بلادنا، لكني أصبت بخيبة أمل كبري حينما وقع الانقلاب العسكري وكنت من الذين اعترضوا عليه، لكن عائلتي تمزقت بعد هذا الانقلاب.
فأخي الأكبر صهره ضابط في القوات المسلحة لذلك انحاز بشكل كامل إلى جوار العسكر بينما أخي الأصغر من الإخوان المسلمين وانحاز ضد الانقلاب وأنا بطبيعة الحال ضد الانقلاب، قبل الانقلاب كنا عائلة واحدة متماسكة نلتقي بشكل دائم ويزور بعضنا بعضاً الآن نحن نقاطع أخي الأكبر لا نكلمه ولا يكلمنا.
هذه واحدة من آلاف القصص التي تعكس تمزق النسيج الاجتماعي المصري بسبب الانقلاب الذي قام به السيسي وقد تجاوز الأمر حدود الخصام والخلاف في بعض الأسر ووصل إلى حالات طلاق كثيرة بين الأزواج والزوجات وخلافات كثيرة بين الأخوة والأخوات أو بين الوالد وأولاده داخل العائلة الواحدة تحت السقف الواحد، ومازلت أذكر في بداية الأزمة حينما استوقفني شقيقان كانا يمشيان سوياً وقالا لي: نحن شقيقان، لكننا مختلفان بشأن الخروج يوم 30 يونيو؛ أحدنا سيخرج والآخر معارض تماماً له، لا أعرف كيف حالهما الآن بعدما وصلت مصر إلى ما وصلت إليه، الأمر يتجاوز الآن حدود الخلافات إلى الوصول إلى مرحلة الفتنة وهذا أسوأ ما وصلت إليه مصر والمصريون، أن يختلف أقرب الناس في ما بينهم على شخصية قاتل قدم نفسه حتى يحكمهم وهذه أسوأ نتيجة حققها الانقلاب بعد عمليات القتل والاعتقال والترهيب والملاحقات الأمنية، فلم يعد هناك بيت في مصر لم تصبه شظايا الانقلاب إن لم يكن بالقتل أو الإصابة أو الاعتقال أو الملاحقة الأمنية؛ فمن خلال الخلافات الاجتماعية بين أفراد البيت الواحد أي أن السيسي جاء بالشر كله للمجتمع المصري، فلم يحدث أن مزق حاكم لمصر على مدار تاريخها النسيج الاجتماعي للشعب كما حدث على يد السيسي وقد فعل كل هذا قبل أن يحكم أما وقد رشح نفسه الآن للرئاسة ولا يوجد عائق في وصوله إليها بعدما رشحه الجيش ووقف وراء ترشيحه بكل قوته فنحن أمام مستقبل مخيف لمصر. إن التماسك الاجتماعي هو دليل الصحة والعافية للمجتمع، ولم ينجح أحد على مدار التاريخ في تدمير النسيج الاجتماعي للمجتمع المصري بل كان هذا التماسك على مر الزمان هو الطريق الذي يقهر المحتلين والطغاة، أما أن يشمت فريق في آخر بل ويحرض على قتله والخلاص منه كأنه عدو فهذا لم يحدث من قبل، كما لم يحدث أن يخرج فريق من المصريين ليرقص ويغني على أشلاء وجثث إخوته كما حدث خلال الأيام الماضية. نحن أمام مشهد لا يدعو أبداً للتفاؤل لأنه حقق لأعداء مصر ما ظلوا قروناً يحلمون بتحقيقه وللأسف يتحقق على يد مصري يقول للشعب ويده ملطخة بدمائه: «أنتم نور عينينا».

الوطن القطرية

Total
0
Shares
السابق

المؤامرة الكبرى على تركيا

التالي

المؤامرة الكبرى على تركيا «2»

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

Total
0
Share