أردوغان يسحق خصومه

كانت نتائج الانتخابات البلدية التركية في الثلاثين من مارس الماضي مذهلة بكل المعايير وربما تكون الانتخابات البلدية الوحيدة التي حظيت باهتمام واسع في التغطية والمتابعة من معظم وسائل الإعلام العالمية، فخروج 92 % من الأتراك الذين لهم حق التصويت والانتخاب والبالغ عددهم 52 مليون تركي للمشاركة في الانتخابات يعتبر من أعلى النسب لمشاركة الشعوب في الانتخابات في العالم.
ومع حجم المؤامرة الكبرى على الدولة التركية كما يقول أردوغان وحزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا والتي بدأت في شهر ديسمبر الماضي وظلت قائمة حتى يوم الانتخابات وشملت وسائل قذرة وحربا شرسة على أردوغان ومساعديه ووزرائه والمسؤولين في حكومته، فلم يتوقع أحد أن يحصد أردوغان وحزبه هذه النتيجة بل اعتقد الجميع أن الأثر الكبير للدعاية السوداء ضده وضد عائلته وحزبه وحكومته ستضع حدا لهذا الوحش السياسي الذي وضع تركيا في مصاف الدول الكبرى خلال عشر سنوات.
لكن أردوغان الذي كان يجوب تركيا شمالا وجنوبا وشرقا وغربا منذ بداية الأزمة وهو يشن هجمات كاسحة ضد خصومه لاسيما فتح الله جولن الذي تتهمه قوى كثيرة داخل الحزب الحاكم في تركيا بأنه عميل للاستخبارات الأميركية وأنه يهدم الدولة التركية ويقضي على ما حققته من ازدهار وتقدم اقتصادي عبر عناصره التي بثها في أجهزة الدولة لاسيما القضاء والشرطة.
أردوغان كان له رأي آخر حيث أعلن في تحد قوي قبل أيام من الانتخابات أنه سوف يخرج من الحياة السياسية إذا لم يحقق حزبه الأغلبية في الانتخابات البلدية، ورغم أن الحزب لم يحصل في الانتخابات البلدية الماضية في العام 2009 سوى على نسبة 37 % إلا أن حصوله على ما يزيد عن 46 % في هذه الانتخابات يعتبر اكتساحا غير مسبوق كما أن حصوله على أغلبية بلدية اسطنبول تحديدا وهي التي كانت تمثل أكبر التحديات لأردوغان مثل ذروة النجاح، وكان هذا تصويتا لصالح أردوغان لدفعه للترشح في الانتخابات الرئاسية القادمة في شهر أغسطس القادم.
أردوغان ليس سياسيا عاديا ولكنه وحش سياسي لا يتعامل مع خصومه بالمهادنة أو الخضوع أو التصالح أو التفاوض وإنما مبدؤه هو إما أن تسحقني أو أسحقك .. وهذا ما أشار إليه في خطابه الذي أعلن فيه الفوز في الانتخابات من شرفة مقر حزب العدالة والتنمية في تركيا وهو محاط بأركان حزبه، حيث أعلن أنه سيسحق جماعة فتح الله جولن ومن تبقى منهم في أركان الدولة وإن كان هذا الأمر عسيرا إلا أن أردوغان يعتبر نفسه قد أخذ التفويض من الشعب لاتخاذ التدابير الصارمة بحق هؤلاء، ورغم أن الجميع بما فيهم الرئيس التركي عبد الله جول كانوا يكتمون أنفاسهم قبل ظهور نتائج الانتخابات إلا أن النتائج المبهرة أجبرت زعماء العالم جميعا على الاتصال بأردوغان وتهنئته, وكان أول المتصلين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
نجاح أردوغان وحزبه أصاب كثيرا من المتربصين به حول العالم والذين دعموا المعارضة بمليارات الدولارات حتى تكسره بالخيبة والحسرة، وأصبح الجميع يترقب الخطوات الهامة القادمة التي سيقوم بها أردوغان خلال الأيام والأسابيع القادمة حيث سيجري تغييرات هيكلية كبيرة في الحزب والحكومة تمهيدا لاستقالته حتى يرشح نفسه لرئاسة تركيا في الانتخابات المقررة في أغسطس القادم.
الوطن القطرية

Total
0
Shares
السابق

حرب الجنرال ساركوزي الرئاسية

التالي

السيسي على خطى برويز

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

Total
0
Share