نتائج الفوضى الخلاقة

حينما أعلنت وزيرة الخارجية ومستشارة الأمن القومي الأميركية السابقة كوندوليزا رايس عن خطة «الفوضى الخلاقة» إنما كانت تعلن عن استراتيجية قديمة تنتهجها الدولة الخفية التي تسعى للتحكم في مصير العالم وإدارته، فمن آن لآخر حينما يفلت منها الزمام تدفع العالم إلى استراتيجية الفوضى الخلاقة فتبث الفوضى في كل مكان وتتركها تتصاعد وتأخذ كل المناحي ثم تسيطر عليها وتوجه مسارها بعد ذلك في المنحى والاتجاه الذي تريد،
ولأن الله كتب النصر لكل من يأخذ بالأسباب حتى لو كان غير مؤمن بالله، فإن نجاح الدول الغربية والدولة الخفية في تحقيق ما تريد من نجاحات في شتى أنحاء العالم لأن القائمين عليها يأخذون بكل الأسباب بدءا من أسباب التفكير إلى أسباب القوة من ثم فإن النصر عادة ما يكون حليفهم، وفي الآونة الأخيرة تداخلت أمور كثيرة وتصاعدت لاسيما بعد قيام الثورات العربية التي يقر كثيرون أن الغرب لم يكن يتحسب لها ولكنه سرعان ما احتواها ووجهها في النهاية لمصالحه.
ومازلت أذكر ذلك اليوم في شهر مارس من العام 2011 حينما دعاني أحد معارفي من المصريين وهو أستاذ للقانون وله معارف دولية من خلال عمله للغداء وقال لي إنه فوجئ بأن بعض معارفه من الأميركيين الذين لم يتواصل معهم من سنوات طويلة موجودين في مصر، وأن بعضهم اتصل عليه وطلب لقاءه وكل أسئلتهم تدور حول الثورة المصرية والحراك المجتمعي الجديد في مصر وقد أسر له أحدهم بأن هناك عشرات من الأميركيين من علماء الاجتماع والسياسة قد وصلوا إلى مصر وسوف يصلون تباعا على مدى الأسابيع القادمة وكلهم تقريبا يعملون في مراكز التفكير والدراسات أو حتى الأجهزة المباشرة للاستخبارات لدراسة الثورة المصرية وكيفية احتوائها.
وليس سرا أن الرئيس الأميركي أوباما قد وبخ قيادات الخارجية الأميركية في اجتماع شهير بعد قيام الثورات في مصر وتونس وليبيا وغيرها لأن كل تقاريرهم كانت تسير في طريق مغاير لما حدث كما أن تصريحات وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون قبل الاطاحة بمبارك بأيام وهي تتحدث عن رسوخ نظامه كانت تعكس كذلك غيبوبة عن الضغط الشعبي والكراهية التي أصبح يتمتع بها هذا النظام.
لكن رغم كل ذلك نجحت الولايات المتحدة ومعها الدول الغربية في الالتفاف السريع على إرادة الشعوب وإدارة المرحلة بطريقة ذكية أعادت لها كل السيطرة والإدارة للمشهد بل إنها حققت نتائج أكبر مما كانت تسعى إليه وتتوخاه، فترك المجال للإسلاميين حتى يدخلوا في الانتخابات ويتولوا مسؤوليات لم يكونوا مستعدين لها أو لديهم الخبرة للقيام بها مع تحريك كل القوى التي تمسك بتلابيب الدولة لافشال حكمهم جعلهم يحققون نتائج أكبر مما كانوا يتوقعون فالإسلاميون خرجوا من التجربة بخسائر فادحة ما كان لأعدائهم أن يحققوها دون توريطهم في السلطة ثم التآمر عليهم وافشال تجربتهم وشن حرب غير مسبوقة عليهم ربما تتوج بحرب عالمية كانت خطوتها الأولى ما أعلنته بريطانيا عن إعادة دراسة فلسفة الإخوان ومنهجهم لتحديد علاقة بريطانيا بهم، هذا كله يدور في إطار الفوضى الخلاقة التي ما زالت تكشف كل يوم عن المزيد من صفحاتها ولاشك أن الأيام القادمة سوف تفصح عن المزيد.
الوطن القطرية

Total
0
Shares
السابق
محمد محسوب

محمد محسوب ج10: الجمعية التأسيسية للدستور ..وأخونة الدولة

التالي

حتى لا ننسى جرائم الانقلاب

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

Total
0
Share