مسرحية الانتخابات الرئاسية

التعرف على الأجواء التي تجري فيها أية عملية سياسية مهمة لفهم الأبعاد والمآلات التي يمكن أن تؤول إليها، ولعل أكبر عملية سياسية جرت في مصر منذ الانقلاب الذي قام به وزير الدفاع المصري عبد الفتاح السيسي وأطاح به أول رئيس مصري منتخب في 3 يوليو الماضي هي أن يخلع السيسي بزته العسكرية.
ويقدم نفسه ليترشح رئيسا خلفا للرئيس الذي أطاح به في عملية وصفت من كثير من المراقبين بأنها «مسرحية هزلية»، لكن محاولة فهم الأجواء التي تجري فيها هذه العملية ربما يساعدنا على استقراء مستقبلها وما يمكن أن تؤول إليه، فمن الناحية الاجتماعية تجري هذه العملية وسط انقسام مجتمعي خطير وغير مسبوق في مصر وصل إلى حد التفريق بين المرء وزوجه و الأخ وأخيه، وهناك آلاف النماذج التي لا يتسع المجال لذكرها هنا لبيان حالة الانقسام و التشرذم التي ضربت المجتمع المصري على يد السيسي والتي بحاجة إلى جيل أو جيلين حتى يتم إصلاح هذا الشرخ المجتمعي الرهيب، ومن الناحية القضائية يواصل القضاة الموالون لقائد الانقلاب إصدار الأحكام المليئة بروح الانتقام وتجاوز القانون على معارضي الانقلاب من نساء وأطفال وشيوخ ورجال وكل طبقات المجتمع المصري كما يواصل المعتقلون اضرابهم عن الطعام وإصدار البيانات التي تكشف عن الحالة المزرية التي يعيشونها داخل السجون، ومن الناحية الإعلامية لم يعد هناك سوى رأي واحد في الإعلام المصري هو رأي مؤيدي الجنرال السيسي ومن يريد أن يعبر عن الرأي الآخر فعليه اللجوء خارج البلاد ليعبر عن رأيه أو الدخول إلى فضاءات الانترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، ومن ناحية الممارسة السياسية لا توجد انتخابات فعلية أو عملية ديمقراطية ولعل عدم الاقبال سوى من كبار السن والنساء صبيحة اليوم الأول للانتخابات لما شعر أحد أن هناك انتخابات في مصر حتى أن نجوم فضائيات السيسي ظلوا طوال اليوم الأول للانتخابات يناشدون الناس أن ينزلوا كمن يروجون لسلعة بائرة دون أن يستجيب لهم أحد مما يعني أن الشعب قال كلمته الرافضة للمشاركة في هذه المسرحية وأنه يدرك أن ما يجري ليس سوى تتويج لقائد الانقلاب وأن المرشح الآخر يدرك تماما أنه يقوم بدور كومبارس في فيلم رديء الاخراج والفكرة، ويكفي أن نعلم أن المرشح المنافس للسيسي وهو حمدين صباحي ممنوع من السفر وعليه قضايا سوف تفتح ملفاتها فور انتهاء الانتخابات ولا يستبعد أن يكون مصيره السجن، كما أن السيسي يتعامل مع الشعب وكأنه مجرد جنود لديه عليهم أن ينفذوا الأوامر بصرامة ودون نقاش أو تفكير، وعلى المستوى الاقتصادي يزداد الفقراء فقرا وجوعا في مصر والأغنياء غنى وفسادا، كما أن شركات الجيش قد أطبقت على كل شيء في الدولة بشكل رسمي وبقرارات من الحكومة التي عينها الجيش وكان آخر قرار هو منح الجيش حق إدارة الطرق الصحراوية ومنها طريق القاهرة السويس الصحراوي وهذه عملية تمليك لكل شبر في مصر للجيش ليدير مصر سياسيا واقتصاديا وهذا يعني عسكرة الدولة وإقصاء المدنيين ومن أراد أن يعمل فليكن من خلال الجيش وشركاته ومؤسساته أو عليه أن يهاجر من مصر أو يرضخ للواقع، أجواء الانتخابات الرئاسية ترسل رسالة واحدة هي أن مصر دخلت مرحلة جديدة من العسكرة و القمع والديكتاتورية والاستبداد غير مسبوقة وكما كان الخامس من يونيو عام 1967 هو عام النكسة والهزيمة على يد عبد الناصر سيكون 5 يونيو 2014 وهو اليوم المقرر لإعلان النتيجة يوم الولادة الرسمية للدولة المصرية القمعية الجديدة.
الوطن القطرية

Total
0
Shares
السابق

فتنة السيسي

التالي

قراءة في موقف أوروبا من الانقلاب

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

Total
0
Share