يكشف أحمد منصور 20 سرا عن أحمد الشرع ويسلط الضوء في بث حصري مباشر على كواليس لقاءاته مع القائد العام للإدارة السورية الجديدة، وآخرها اللقاء المطول في 9 ديسمبر 2024 في دمشق المحررة، والذي استمر طيلة ثلاث ساعات. وذلك في إطار التحضير لبرنامج سيقوم بتسجيله معه قريبًا، بالإضافة إلى لقاءات عام 2015، خلال تسجيله لحلقتي برنامج “بلا حدود”. .
وذكر منصور أن أول ما لفت انتباهه من صفات الشرع هو الذكاء العقلي والاجتماعي، الذي يمكنه من حل المشكلات واتخاذ القرارات، وإجادته فن التواصل مع من يتفقون أو يختلفون معه. كما لفت إلى وضوح الرؤية والأهداف الاستراتيجية لديه، وامتلاكه شخصية براغماتية تتميز بديناميكية التفكير والتموضع الجيد، إضافة إلى ثقافة واسعة وقدرة على الإقناع. وأشار إلى قدرة الشرع على امتصاص الصدمات والتعامل مع الأحداث الكبرى، واعتماده سياسة الباب المفتوح، والقرب من الناس. كما عرض الهدية التي أهداها إليه الشرع في عام 2015.
وقال منصور إن طموح الشرع في عام 2015 كان تحرير دمشق، بينما هدفه الآن هو بناء سوريا.
وأضاف أن الروس والإسرائيليين فوجئوا بما تحقق في سوريا، وأن الشرع أسقط في 11 يومًا ما بنته إيران في 40 عامًا.
وقارن منصور بين الشرع ويحيى السنوار، الذي دخل التاريخ بقرار “طوفان الأقصى” في 7 أكتوبر 2023، وطريقة استشهاده، وكشف أنه سيستضيف شهودًا للحديث عن شخصية السنوار. موضحًا سر امتلاك السنوار ساعة تنازلية في مكتبه.
كما تحدث منصور عن الكلية الحربية في إدلب، وفلسفة الشرع في الدراسات العسكرية، وامتلاكه قوات خاصة ونخبة. وكشف عن ترتيب الشرع لدخوله معه إلى دمشق، ولفت إلى قراءاته في التاريخ، ونقل قوله إن بلاد الشام مباركة، هزمت وانهارت على أرضها معظم الإمبراطوريات العظيمة مثل الروم والفرس والإمبراطورية المغولية، وسحقت الحملات الصليبية. وأضاف أن أهلها إذا ناموا، يستيقظون.
وذكر منصور تفاصيل ما قام به الشرع بعدما صلى العصر في المسجد الأموي، وشروطه للعفو، ورؤيته لملف المهجّرين السوريين وترحيبه بعودتهم.
نص كواليس لقاءات أحمد منصور مع أحمد الشرع
مشاهدينا الكرام، مشاهدي منصة الجزيرة 360 وكذلك قناتي على يوتيوب، أهلاً وسهلاً بكم. نحن معكم على الهواء مباشرة، ونرحب بكم في هذا البث المباشر. عدت للتو من سوريا، حيث دخلتها بعد تحرير حلب، وعاصرت تحرير حماة وحمص ودمشق. تجولت في مسافات شاسعة تجاوزت ألفًا وخمسمائة كيلومتر. زرت حلب مرتين، وإدلب مرتين، وحمص مرة، وحماة مرة، ودمشق مرة. عايشت فرحة السوريين بتحرير بلادهم.
أحد عشر يومًا هزت الكرة الأرضية وغيرت وجه الشرق الأوسط والمنطقة. الكل يتعجب، وأتعجب أنا أيضًا، كيف حدث ما حدث في سوريا. خلال تلك الأيام، كان أهم ما حدث في الزيارة هو لقائي المطول مع القائد أحمد الشرع، الذي استمر ثلاث ساعات، في إطار التحضير لبرنامج سأسجله معه قريبًا إن شاء الله. غصت فيه معه في محاور وأمور كثيرة. كما أضفت هذا إلى جلسات مطولة عقدتها معه في عام 2015، حيث جلست معه لمدة يومين كاملين نتناقش في جوانب كثيرة ومتنوعة.
تعرفت فيه على شخصيته التي سأكشف لكم الكثير عنها في هذا اللقاء، ما لم يتحدث عنه الناس ولم يعرفوه. انشغل البعض بأشياء سطحية كثيرة وبمظاهر مختلفة.
ولكني، على مدى ثلاث حلقات إن شاء الله، هذه هي الأولى. سأروي لكم ثلاثة موضوعات رئيسية. الأولى هي عن أحمد الشرع نفسه، الجوانب الخفية في شخصيته، وأسرار ما دار وراء الكواليس في الحوارات التي أجريتها معه. أما الحلقة الثانية، إن شاء الله، فسوف أتحدث فيها عن استراتيجية الحرب التي دارت، والتي تختلف عن حروب كثيرة، والتي ربما يجلس العسكريون لأيام طويلة لدراسة ما حدث في تلك الـ11 يومًا.
بعد أن تمكنت القوة التي شكلتها الفصائل المسلحة من السيطرة على سوريا وتحريرها من القوات التابعة للنظام، وكذلك القوات الإيرانية، وحتى القوات الروسية التي تم تحييدها في النهاية، وقوات الميليشيات التي كانت موجودة هناك، سواء القادمة من لبنان أو باكستان أو أفغانستان، من الفصائل الشيعية المختلفة.
كثير من الناس ينظرون إلى أحمد الشرع على أنه شخصية غامضة، شخصية غير واضحة المعالم. قبل أن أعرفكم بها، أود أن أذكر لكم الموضوع الثالث إن شاء الله، الذي سيكون عن جمهورية إدلب أو إدارة إدلب، تلك التي أسسها أحمد الشرع في عام 2019. كان يدير من خلالها دويلة صغيرة في شمال سوريا، يقطنها أربعة ملايين نسمة، فيها كل شيء يمكن أن تتخيله، حتى أن فيها بنوكًا محلية، إدارات، أسواق، مولات، شركات، مؤسسات، وهويات خاصة. كانت دولة متكاملة الأركان. ربما تكون هذه الحكومة هي نفسها التي استلمت السلطة في دمشق الآن. ورئيس الحكومة الذي كان هناك هو من سأسرد لكم تجربته بتفاصيلها، لأنني ذهبت وعايشتها، وتحدثت مع كثير ممن كانوا فيها.
ما سأرويه عن أحمد الشرع وعن شخصيته والجوانب المختلفة فيها هو نتاج ما يزيد على عشرين ساعة قضيتها معه في حوارات متصلة. بعضها في عام 2015، وبعضها كان يوم الاثنين الماضي، لقائي الأخير معه في دمشق، في مكتبه في رئاسة الوزراء. في ذلك الوقت، جلس معي حوالي ثلاث ساعات، وكان يتحدث فيها بشكل كامل عن تحضيري للبرامج. أعتمد على شيء أساسي هو التدوين، فكل ما في هذه المفكرات دونته من اللقاءات التي كانت بيني وبين أحمد الشرع. وحينما أعود إلى رؤوس الموضوعات، أتذكر التفاصيل التي كتبتها، والخلاصات التي سأرويها لكم منها، علاوة على قراءاتي عن تجربته من عام 2015 حتى دخوله إلى دمشق. بالإضافة إلى عشرات الساعات التي قضيتها مع الذين يعملون معه، لا سيما من أعضاء اللجنة السياسية التي أصبحت وزارة الخارجية، والتي تعرفت عليها بدءًا من الوزير السيد زيد العطار الذي سيصبح وزيرًا للخارجية السورية، إلى عدد من الأعضاء الآخرين، شباب ناشطين ومثقفين متميزين، عقول ناضجة ومدركة للمسؤوليات التي عليها.
20 سرا عن أحمد الشرع
كيف تحول أحمد الشرع من إرهابي؟ رصدت الولايات المتحدة الأمريكية في العام 2013 عشرة ملايين دولار لمن يدلي بمعلومات عن مكانه إلى رئيس دولة في 8 ديسمبر عام 2024. على صلة بالأمريكان والأوروبيين وغيرهم. والكل سيقيم معه علاقات.
هذا التحول الهائل. هذه الشخصية التي تمكنت من إسقاط النظام في سوريا، تحتاج إلى أن يتعرف الإنسان على الجوانب الخفية فيها. لا زال البعض أو الكثير من الناس أو معظم الناس بما فيهم السوريين يعتبرونه شخصية غامضة. شخصية غير واضحة.
كيف استطاع هذا الشاب الخجول الذي ينظر إليه على أنه خجول ومنطوي من أن يجمع كل هذه الفصائل ويحقق هذا الانتصار العظيم في تلك الفترة الوجيزة؟
كل هذا سأكشفه لكم بالمعلومات بالنقاش الذي دار معه.
كل شخصية سياسية التقيت بها من الزعماء، من الرؤساء، من المسؤولين على مدى أكثر من ثمانية وعشرين عاما من الحوارات التي أجريتها على شاشة الجزيرة. كنت دائما أتأمل في صفات القيادة التي يتمتع بها هذا الشخص، سواء كان رئيس دولة أو رئيس حكومة أو رئيس حزب أو مسؤول: ما هي صفات القيادة المتوفرة في هذا الشخص الذي يقود؟ وهذا ما شغلني في شخصية أحمد الشرع منذ أول يوم أو أول لقاء لقيته فيه في العام 2015.
صفات القيادة لدى أحمد الشرع
جلس معي يومًا كاملاً يحدثني عن اسمه الحقيقي، وعن عائلته، ووالده، وأسرته، ونشأته، ودراسته وأفكاره، وذهابه إلى العراق في عام 2003 لمقاومة الاحتلال الأمريكي، والأفكار التي اعتنقها، والثقافة التي تَشَكَّلت لديه. كل ذلك دونته، ولم أبح بشيء منه حتى الآن. ولن أبوح بشيء إلا بعد أن اتفقت معه على أن يكون هو الذي يبوح بكل التفاصيل للناس في اللقاء الذي سيكون معه إن شاء الله.
أول شيء لفت نظري في شخصية أحمد الشرع من حيث صفات القيادة الأساسية هو الصفة الأولى التي لمستها فيه: الذكاء العقلي والذكاء الاجتماعي.
الذكاء العقلي ليس مطلوبًا من القائد أن يتمتع بذكاء عقلي فريد للغاية، ولكن يُفترض أن يتمتع بالذكاء المتوسط الذي يمكنه من حل المشكلات واتخاذ القرارات. هاتان الصفتان أساسيتان في ذكاء القائد: حل المشكلات واتخاذ القرار.
أما الذكاء الاجتماعي، فهو قدرته على التواصل مع الناس، وقدرته على جمع الناس، وحل مشاكلهم، وإجادة فن الاتصال والتواصل مع من يتفقون معه ومع من يختلفون معه. وهذه الصفة أجادها أحمد الشرع بشكل كبير جدًا، لأنه استطاع في الفترة الأخيرة أن يجمع كل الذين كانوا يحاربونه في بعض الأوقات، ليجمعهم جميعًا تحت مظلة واحدة وقيادة واحدة. وقد تمكن من إرضاء الناس الذين كان يختلف معهم، وتصالح معهم، ودخل الحرب بهذه القوة الجمعية والعلاقات الموجودة.
كان لديه قدرة على حل مشاكل الناس، فقد كان يتعامل مع أربعة ملايين شخص على مدار أربع سنوات، يفكر في كيفية مساعدتهم، ويوجه لهم النصائح. وكانت هذه صفة أساسية وجدتها ضمن صفات القيادة لديه.
عندما التقيت به في ريف حلب في عام 2015، في المرتين اللتين التقيت فيهما معه، سواء في المرة التي تحضرت فيها لإجراء الحوار، أو المرة التي سجلت فيها الحوار وجلست معه بعدها ليوم كامل، كانت رؤيته واضحة للغاية. كان يعرف تمامًا ما يريد. وهذه من الصفات الأساسية في القائد؛ فالقائد لا يكون مشتت الذهن، ولا يسير بلا هدف. بل يجب أن يكون لديه هدف ورؤية واستراتيجية واضحة يسعى من خلالها لتحقيق ما يريد.
كان هدفه تحرير سوريا. وفي ذلك الوقت، وكان مطاردًا، كان يتحدث عن تحرير سوريا بالكامل، وليس عن تحرير حلب أو إدلب كما فعل لاحقًا. كان يتحدث عن إسقاط النظام وتحرير الوطن بأسره..
وأنت تتأمل في شخصية أحمد الشرع سواء اتفقت أو اختلفت معه. حينما ننظر إلى الناس ونحاول أن نزن شخصياتهم بشكل مجرد، يجب أن نبتعد عن قضية أنك تحبه أو لا تحبه، تتفق معه أو تختلف معه، تظن فيه السوء أو تظن فيه الخير. كما يجب أن تنظر إليه أيضا على أنه بشر يصيب ويخطئ ولديه أخطاؤه كما لديه ما يصيبه.
إسقاط المشروع الإيراني
كان يتحدث عن طرد الإيرانيين، وموضوع إيران لديه واضح جدًا وشديد الوضوح. عندما يجلس ويتحدث عن المشروع الإيراني، يظهر ذلك بجلاء. حدثني عن ذلك حديثًا طويلاً في عام 2015، حتى أنني اجتزأت منه حوالي عشرين دقيقة. كان الحديث عن المشروع الإيراني في الحوار الأول الذي جرى في الجلسة التي كانت في التاسع من ديسمبر، وكان حديثه عن المشروع الإيراني موضوعًا أساسيًا. تحدث عن كيفية نجاحه في طرد إيران من سوريا، وكيف أسقط المشروع الإيراني في سوريا وربما في لبنان أيضًا.
الرجل الذي يستطيع أن يضع هدفًا ويحقق هذا الهدف بإسقاط نظام قوي مثل النظام الإيراني بهذه الطريقة التي حدثت، هو رجل لديه صفات قيادية مهمة يجب أن تأخذها في اعتبارك عندما تتأمل في شخصية أحمد الشرع، سواء اتفقت أو اختلفت معه. عندما ننظر إلى الناس ونحاول أن نزن شخصياتهم بشكل مجرد، يجب أن نبتعد عن قضية “هل تحبه أو لا تحبه”، “هل تتفق معه أو تختلف معه”، “هل تظن فيه السوء أو تظن فيه الخير”. يجب أن ننظر إليه أيضًا كإنسان قد يُصيب وقد يُخطئ، له أخطاؤه كما له ما يصيبه من نجاحات.
ومن الأشياء المهمة جدًا التي لمستها فيه وهو يتحدث هي المصداقية.
يحاول أحمد الشرع أن يكون شخصًا صادقًا ومخلصًا. عندما التقيت به في دمشق يوم الاثنين الماضي في الجلسة المطولة، كان أخوه الأكبر، الدكتور ماهر الشرع، يرافقنا. الدكتور ماهر هو طبيب جراحة تجميل وكان قريبًا جدًا من أحمد. بعد الجلسة، حدثني الدكتور ماهر على انفراد عن شخصية أحمد، وقال إن أهم ما يميز أحمد هو نبوغه وتفرده الذي لاحظه منذ طفولته. وأضاف أنه كان يتميز بالصدق، وكان يكره كل ما فيه تهريج أو خروج عن الأصول. كان يحب الالتزام ويعشق الصدق في جميع جوانب حياته.
قال لي الدكتور ماهر: “رغم أنني الأكبر في العائلة، وهو الأصغر، إلا أنني كنت أرى فيه صفات كانت تبهرني، وتجعلني أشعر أنه سيكون له مستقبل مختلف.”
الأمر الرابع الذي لمسته في شخصيته القيادية هو المراجعات والبحث عن الصواب. القائد الحقيقي لا يكون جامدًا في أفكاره أو معتقداته أو سلوكه أو حتى في الطريقة التي يتعامل بها مع المواقف. وإذا نظرنا إلى سيرة أحمد الشرع منذ عام 2003 وحتى عام 2023، أي على مدى عشرين عامًا، سنلاحظ تطورًا واضحًا في تفكيره وسلوكه. من الملاحظ أن عمره الآن 42 عامًا، وهو ما يعني أنه في سن مبكرة نسبيًا، ولكنه استطاع أن يحقق الكثير في هذه الفترة.
الآن، إذا نظرت إلى هذه المسيرة خلال عشرين عامًا منذ أن بدأ مسيرته في عام 2003 وحتى الآن، ستجد أنك أمام شخص ديناميكي ومتغير. قد ينظر بعض الناس إلى هذه الشخصية على أنها شخصية متقلبة، لكنني من خلال دراستي لشخصيته لم أجدها شخصية متقلبة، وإنما شخصية براغماتية. سأوضح هذا الوصف لاحقًا لأقول لكم كيف كان ينظر إلى الأشياء. فهو شخص يتمتع بالمراجعة الدائمة لأفكاره، ولا يتورع أو يخشى أن يُقال له إنه غير أفكاره.
الناس تنظر بسطحية وتقارير إعلامية، حتى في مؤسسات عالمية كبيرة، تتحدث عن أن أحمد الشرع قد غيّر ملابسه. القصة ليست عنده قصة ملابس. البس ما شئت وكيفما شئت، ما لم تعتريك خصلتان: أن تكون ملابسك غير لائقة أو تخرج عن أصول الدين. فالملابس ليست من الأشياء التي يحددها نص ديني. إلبس ما شئت، فهو ينظر إلى الملابس بهذه النظرة. لكن الرجل من الناحية الفكرية هو رجل ديناميكي، قارئ عميق جدًا لا يقف عند الأشياء السطحية. وسأروي لكم الكثير من القصص في هذا الموضوع.
أيضًا، من الصفات الأساسية في القائد أن القائد لا يظلم الناس، وإذا وقع في الظلم عليه أن يفيق ويعيد المظالم. وهنا أتحدث عن تجربتي عندما ذهبت إلى حلب في المرة الأولى وفي المرة الثانية، وكان ذلك بعد تحرير حلب بحوالي أسبوع تقريبًا..
رد المظالم في إدلب
الصفة الخامسة التي وجدتها من صفات القيادة عند أحمد الشرع هي أنه عندما وقع في المظالم في إدلب، وخاصة تلك التي مست بعض الناس، لا سيما المسيحيين هناك، سعى لرد هذه المظالم. وفي زيارتي الثانية إلى حلب، التقيت مع المطران حنا جلوف، الذي كان النائب الرسولي لبابا الفاتيكان، وكان رئيس طائفة الكاثوليك اللاتين في جسر الشغور وتوابعها، وهي منطقة كانت تتبع ما يُسمى “جمهورية إدلب” أو “إدارة إدلب”. يقول أحمد الشرع إنه كان هناك العديد من المظالم التي وقعت، خاصة فيما يتعلق بالعهدة العمرية، التي لم يتم الالتزام بها في بعض الأحيان. ولكنه أضاف أن بعد فترة، جاء بعض الناس الذين استغلوا تحرير المنطقة واعتدوا على الآخرين.
فيقول المطران حنا جلوف: “لما ذهبت وشكوت المظالم التي تعرض لها المسيحيون عند أحمد الشرع بعد ذلك، جلس معي جلسة مطولة، وشكل لجنة خاصة. قال لي: اجمعوا كل المظالم التي تعرضتم لها أنتم المسيحيين”. ثم يضيف المطران حنا: “جلسنا مع اللجنة وقدمنا كل ما تم أخذه منا من أملاك أو ما تعرضنا له من اعتداءات وأضرار. وبعد الجلسة، وعدني أحمد الشرع قائلاً: خلال عام واحد سيتم رد جميع المظالم. وبعد أقل من عام، كان قد تم إنجاز أكثر من تسعين في المائة من رد المظالم، حتى بدأت الحرب.”
ويكمل المطران حنا جلوف قائلاً: “سأحدثكم مرة أخرى عن أحمد الشرع، خصوصًا عندما أتحدث عن فتح المدن، لأنه كان شاهدًا على كيف سقطت مدينة حلب، التي يسكنها ما يقرب من مليوني شخص، دون أن يدمر بيت واحد فيها تقريبًا. هذه الاستراتيجية التي اتبعها أحمد الشرع في حرب المدن كانت عجيبة جدًا، وتستحق أن تُسجل باسمه عسكريًا. سأروي لكم التفاصيل في الحلقة القادمة.”
الصفة السادسة من صفات القيادة التي وجدتها في أحمد الشرع هي قدرته الفائقة على امتصاص الصدمات والتعامل مع الأحداث الكبرى. قد تتعجبون أنه في شهر فبراير الماضي، بدأت مظاهرات في إدلب ضد أحمد الشرع، سُميت بـ”الحراك”. هذه المظاهرات كانت تهتف ضده، وتتهمه بالديكتاتورية، وتطالب بسقوطه. ورغم أن المظاهرات كانت ضد نظامه، إلا أنه لم يقمعها، بل حاول أن يتعامل معها ويستفيد منها.
الصفة السابعة لأحمد الشرع هي أنه اعتمد سياسة “الباب المفتوح”. لو لاحظتم، في دمشق، ذهب إلى المساجد والأسواق وجلس مع الناس، سمح لهم بالتحدث إليه، وحتى من كان لديه مظلمة قدمها له. في إدلب، كان قد أنشأ “ديوان المظالم”، حيث يمكن لأي شخص أن يرفع شكواه. كان يتواصل مباشرة مع الناس ويسعى لمعالجة القضايا الحياتية التي تؤثر فيهم.
ما يجري في دمشق الآن ليس وليد فراغ، بل هو نتاج سنوات من التخطيط والتنفيذ. كل ما تشاهدونه من قرارات وأحداث أخبرني أحمد الشرع أنه كان يعد لها منذ عامين. كان يتحدث عن فتح دمشق منذ عامين، وكان لديه رؤية واضحة ومشروع متكامل. كانت استراتيجيته تتسم بالتحضير الدقيق والمرحلية، حيث كان يعرف جيدًا ماذا سيفعل في اليوم الأول وفي اليوم الثاني بعد دخول دمشق. كان يطبق استراتيجيته بشكل تدريجي، ويحرص على أن تكون كل خطوة مدروسة.
أما فيما يتعلق بمظاهرات إدلب التي اندلعت في فبراير ضد أحمد الشرع، فقد كانت الفترة دقيقة وحساسة جدًا. كانت المظاهرات تهاجمه وتطالب بإسقاطه، وكان يربط بينها وبين أسماء مثل محمد الجولاني أو أبو محمد الجولاني في ذلك الوقت. رغم الضغوط الهائلة، لم يلجأ أحمد الشرع إلى قمع المتظاهرين أو اتخاذ إجراءات قاسية ضدهم. بل بالعكس، حاول أن يمتص الصدمة ويعالج الأمور بشكل استراتيجي. كان يعرف أن مثل هذه المظاهرات قد تؤثر سلبًا على استقرار الوضع في إدلب، خاصة وأن المنطقة كانت تُعد نقطة انطلاق أساسية لمعارك تحرير سوريا.
ومن اللافت أنه، بدلاً من التصعيد، عمل على تهدئة الموقف. استمر الوضع من فبراير حتى يوليو تقريبًا، حيث كانت المظاهرات شبه مستمرة ضد حكمه. هذه الفترة كانت مليئة بالتحديات، وقد تعرض أحمد الشرع للكثير من المؤامرات والدسائس. ومع ذلك، وبحسب شهادات السياسيين الذين كانوا يعملون معه، تعامل مع تلك الظروف بحكمة، وأخذ منها دروسًا ثمينة.
عندما نتحدث عن قصة إدلب، سأروي لكم كيف استفاد أحمد الشرع من تلك المظاهرات وحوّلها إلى فرصة لإجراء إصلاحات داخلية كبيرة. استطاع أن يمتص غضب الناس ويعالج الوضع بطرق استراتيجية. كان يعلم أن هذه التظاهرات ليست مجرد صراع سياسي عابر، بل هي جزء من تحدي أكبر يتطلب قياديًا حكيمًا يستطيع أن يحوّل الأزمات إلى فرص.
دماثة الخلق والوفاء كانت من الصفات التي لفتت انتباهي في أحمد الشرع. اتفقت أو اختلفت معه، لا يمكن إلا أن تلاحظ التزامه بقيمه والحرص على الوفاء للناس. وهذه كانت من أولى الصفات التي لمستها فيه عندما أجريت حواري الأول معه في عام 2015. غالبًا ما أجري الحوارات مع الرؤساء، الوزراء، والمسؤولين، ثم أقول لهم “سلام عليكم” وأمشي، منشغلًا ببرامجي اليومية، لا أنظر وراءي. لكن أحمد الشرع كان يختلف، ففي ذروة انشغالاته، كان يرسل لي رسائل، وكان أديبًا في الكتابة. ثقافته موسوعية، وكان يحرص على التواصل مع من حوله، وهو ما سأحذثكم عنه لاحقاً…
لا أقبل هدايا من أحد لأني أعتبر في هذه المهنة أن من يمد يده فيها لا يستطيع أن يمد لسانه. لا يستطيع أن يسأل ما يريد. تصبح أسيرا للنعمة التي أعطيت لك. وبالتالي لا أقبل هدايا من أحد إلا الأشياء الرمزية إن وجدت. فوجدت أحمد الشرعي طوى هذه الكوفية التي كان يرتديها وقال لي أرجو أن تقبل هذه هدية مني.
هدية أحمد الشرع لأحمد منصور
فوجئت أكثر من مرة بأنه يرسل لي. لم ينسى أنني ذهبت إليه وأجريت معه حوارًا في وقت كان يتهم فيه بالإرهاب، رغم الظروف الصعبة التي كان يمر بها. وحتى عندما أبلغته إدارة الجزيرة عن رغبتي في إجراء اتصال معه وترتيب حوار، رحب بي بشكل غير متوقع وأعطاني أولوية، وهو أمر يعكس وفاءه واهتمامه.
حتى عندما التقيت معه في اللقاء المطول، كان يظهر لي أنه يقدّر هذه العلاقة وهذا الوفاء. هو شخص معطاء. هناك شيء قد لا يتذكره هو، لكنني أتذكره جيدًا. حينما أجريت معه حوارًا في عام 2015، كان يرتدي الكوفية السوداء، وكان يخبئ وجهه. حاولت إقناعه بالكشف عن وجهه، وقضيت معه وقتًا طويلاً في محاولة لإقناعه، لكنه في البداية كان مترددًا.
وفي اليوم التالي، عندما جئنا لتسجيل الحوار، قال لي: “في هذه المرة سأظهر بهذه الطريقة.” لقد احترمت قراره، واعتقدت أن ذلك كان جزءًا من احترامه لخصوصيته. والحوار انتشر بشكل واسع في جميع وكالات الأنباء، وكان من أبرز الحوارات التي تداولها الناس بشكل كبير.
بعد انتهاء الحوار، فوجئت به وهو يطوي الكوفية. في البداية، اعتقدت أنه يطويها لنفسه، ولكنني تعلمت منه أن الوفاء في العلاقات، سواء كانت مع الزعماء أو مع المسؤولين أو مع أي شخص آخر، يبقى قيمة أساسية.
لا أقبل هدايا من أحد لأني أعتبر في هذه المهنة أن من يمد يده فيها لا يستطيع أن يمد لسانه. لا يستطيع أن يسأل ما يريد. تصبح أسيرا للنعمة التي أعطيت لك. وبالتالي لا أقبل هدايا من أحد إلا الأشياء الرمزية أن وجدت. فوجدت أحمد الشرعي طوى هذه الكوفية التي كان يرتديها وقال لي أرجو أن تقبل هذه هدية مني. الإنسان المعطاء هو الذي يعطيك مما يأكل أو مما يلبس، من أشيائه مما يعتبره ملكية خاصة له. الشعور أنا. أنا ذهلت من تصرفه ولم أملك إلا أن أخذ الكوفية وهي مطوية من يومها بين الملابس التي أحتفظ فيها. التي أحتفظ بها. للمعارك التي غطيتها. سواء في أفغانستان. في الفلوجة، في البوسنة والهرسك. أحتفظ بملابسي التي وضعت هذه فيها. هذا السلوك منه أثر في نفسيا. هي ليس لها قيمة مادية. يعني هي يعني هو أنيق في ملبسه وفي شكله. وكان من الأشياء التي حاولت أن حاولت حينما أجريت الحوار الأول معه أن أضغط عليه فيها، قلت له يعني أنت إنسان حباك الله سبحانه وتعالى بوسامة؟ طبعا وزنه كان أكثر من الذي ظهر فيه الأن. الأن أصبح نحيفا.
البراغماتية العالية
كان حينما التقيته قبل تسع سنوات ونصف، في عام 2015، كان عمره آنذاك 32 سنة، وكان طموحه في ذلك الوقت أن يفتح دمشق وأن يحرر سوريا. كان وزنه أكبر قليلاً مما هو عليه الآن، كان يعاني من زيادة في الوزن. فكنتُ أحاول إقناعه، قلت له: “أنت إنسان منحك الله سبحانه وتعالى الوسامة والوجاهة، وظهورك أمام الناس ومعرفة الناس بشخصيتك سيساعدك كثيرًا كقائد وزعيم تسعى لتحقيق تحرير سوريا وتحقيق مشروعك الذي تفكر فيه”.
ضغطت عليه كثيرًا في هذا الموضوع، وكان قد بدأ يلين قليلاً. قال لي: “غدًا سنقرر وقت التسجيل”. لكن في النهاية، ربما تشاور مع من حوله، وقرر أن يبقى على حاله، محافظًا على صورته كما هي.
الصفة التاسعة من الصفات الأساسية لديه هي البراغماتية العالية.، ينظر الكثيرون إلى البراغماتية على أنها الانتهازية، لكن هناك فرقًا كبيرًا بينهما. الانتهازية شيء، والبراغماتية شيء آخر. البراغماتية تعني أن الزعيم السياسي يجب أن يكون قادرًا على التكيف مع الظروف المحيطة به، وأن يتخذ قراراته بناءً على المصلحة والواقع المحيط. هي ديناميكية التفكير، وقدرة على التموضع والتقييم المستمر للوضع الراهن.
وكان أحمد دائمًا يُقيّم الأوضاع ويعيد التفكير في استراتيجياته بناءً على الظروف المتغيرة. كانت سوريا في ذلك الوقت في حالة من التغير المستمر، وكان بحاجة إلى هذا النوع من التفكير البراغماتي للتعامل مع كل التطورات.
كانت روسيا عدوا له حتى يوم الثامن من ديسمبر 2024، حينما حُررت سوريا الأسد، روسيا تواصلت معه وقالت نحن نريد أن نبقى ونريد أن نقيم علاقة، أن نبقي هنا أي يتعامل مع روسيا ليس كعدو لأنها كانت عدوا وهزمها كانت عدوا وهزمها. حتى إيران حينما أخرجت وأبدت استعدادها إلى أن تقيم علاقات قال نحن لا نعادي الشعب الإيراني، والقصة انتهت وسوف يقيم علاقات مع الجميع. حتى في خطابه في العام 2015 ربما كان معاديا للأمريكان، لكن بعد ذلك أقام علاقات جيدة مع الأمريكان لأنه لا يستطيع أن يعادي الدنيا كلها، فكان يتكيف دائما مع الواقع الذي يحيط به، وسوف ستشاهدون هذا الأمر. أحمد الشرع يجيد التكيف. التكيف مع الأوضاع الجديدة والتعامل معها بشكل دائم، حيث أنه يسعى إلى المصلحة ويسعى إلى أن يحققها من خلال ذلك، ويسخر الظروف المحيطة به والعلاقات من أجل تحقيق الأهداف التي يسعى لها. هذه الصفات البراغماتية التي تتعامل مع الواقع وتكيفه وجدتها موجودة فيه وأنتم تلمسونها كل يوم ستجدون من تصريحاته، من أدائه، من سلوكه، ما يؤكد على هذا الشيء الذي استطعت أن أستخلصه من نقاشاتي ومن حواراتي معه. .
نظر إلي أحمد الشرع وقال يا أحمد أنت تقرأ التاريخ مثلي. هل هناك حدث عظيم وقع في التاريخ وكان معقولا، و جرى بشكل عقلاني. كل أحداث التاريخ الكبرى والتغيرات الهائلة جرت بطريقة غير عقلانية
لقاء أحمد منصور مع الشرع في دمشق
النقطة العاشرة القدرة على التأثير في الآخرين وجمع الناس، هو رجل صاحب حجة وقوة إقناع عالية، ثقافته متميزة ومتنوعة. قرأ كثيرًا في الجانبين الأساسيين اللذين يتميز بهما: الجانب التاريخي والشرعي. ربما كانت قراءته العميقة للتاريخ، لا سيما تاريخ الشام والأحداث التاريخية الكبرى، هي التي جعلته مؤهلًا للتعامل مع الواقع الحالي، وفهمه بطريقة تمكنه من استشراف المستقبل وتغيير الواقع لصالح الناس.
دائمًا ما يحدثني عن التاريخ، ورؤيته له متميزة للغاية. سأعطيكم مثالاً على ذلك ربما أعود إليه لاحقًا بالتفصيل حينما أتحدث عن المعارك.
قلت له: “إن ما قمت به في 11 يومًا يثير الكثير من علامات الاستفهام. الناس مذهولة، وليس الناس فقط. قلت له: أنا كل يوم أقرأ تقريبًا تراجم لما ينشر في الصحافة العالمية والغربية، التي تتجاوز أحيانًا 100 أو 150 صفحة مما يجمعه الزملاء، بدءًا من بداية الحرب. أتعجب عندما يقول الأمريكيون إنهم فوجئوا بما حدث خلال الـ11 يومًا. ويبدو أن ذلك صحيح، حتى الروس فوجئوا، الكل كان مفاجأً، حتى الإسرائيليون. في 11 يومًا تحققت أمور غير متوقعة”.
الناس تطرح علامات استفهام وتقول: “هل هناك تعاون إسرائيلي معه؟ أمريكي معه؟ تركي معه؟”. سأروي لكم هذا بالتفصيل عندما أتحدث عن المعركة..
ولكنه نظر إلي وقال: “يا أحمد، أنت تقرأ التاريخ مثلي. هل هناك حدث عظيم وقع في التاريخ وكان معقولًا؟ هل جرت الأحداث الكبرى بشكل عقلاني؟ كل التغيرات الهائلة في التاريخ جرت بطريقة غير عقلانية، بطريقة لا تتطابق مع ما يمكن أن يقبله العقل. هل كان العقل يقبل أن هذه القوات الصغيرة، المطاردة في شمال سوريا، تكتسح كل سوريا وتسيطر عليها في 11 يومًا، ثم ينهار النظام أمامها كما تسقط أوراق الشجر الذابلة يومًا بعد يوم؟
كل يوم كنت أرسل لك وأقول: ‘سأقابلك غدًا’. ولكن كانت تسقط مدينة. كنت أقول لك: ‘سأقابلك غدًا في حماة أو في حمص’. كل يوم كانت تسقط مدينة. وفي النهاية قلت لك: ‘سألتقي معك في دمشق’. والتقينا في دمشق”.
ثم أضاف: “لقد وعدتني أن نلتقي في دمشق منذ عام 2015، ولم أكن أصدق ذلك. وأنت تهديني الشال الذي ترتديه وتقول: ‘سأحضره معي عندما آتي إليك في دمشق’. ولكن عندما ذهبت إلى دمشق كنت مسافرًا خارج الدوحة، والأحداث قد جرت وأنا هناك. سافرت من المكان الذي كنت فيه إلى سوريا، ولم أحمل معي هذا الشال الذي أهداني إياه. ربما أحمله لك في زيارتي القادمة إن شاء الله”.
ثم قال: “عندما تودعني، تقول لي: ‘لقاؤنا القادم سيكون في دمشق'”.
كان حلمًا قبل تسع سنوات ونصف.لم أصدق هذا. لم أتوقعه، ولم أكن أعتقد أن هذا الشخص، الذي كان مطاردًا في الجبال ويعيش في كهف، يمكن أن يدخل إلى دمشق، التي كان الروس قد دخلوا إليها في ذلك الوقت وأنقذوا النظام. كانت القوات الإيرانية، بما في ذلك الحرس الثوري، موجودة، بالإضافة إلى حزب الله والميليشيات الشيعية التي جلبت من مختلف أنحاء العالم. النظام نفسه، بجيوشه الكبيرة، كان موجودًا أيضًا. فكيف يمكنك أن تزيل هؤلاء جميعًا وتدخل إلى دمشق؟
لكنه كان يتكلم بثقة ويقين عجيبين، فقلت في نفسي: ربما يصدق أحمد الشرع. وأنا من يومها عرفت اسمه، أحمد الشرع، لأنه هو من حدثني عن حياته، عن والده، وعن أسرته. ولكن يشهد الله، لم أبح بذلك لأحد على الإطلاق.
القدرة على جمع الناس والتأثير فيهم كانت عالية جدًا، وأكبر دليل على ذلك هو أنه كان الوحيد الذي استطاع أن يوحد الفصائل السورية. فهذه الفصائل ظلت متناحرة من أول يوم إلى آخر يوم، إلى أن تمكن هو من جمعها وتوحيدها بالطريقة التي كانت. وحينما أصبحوا يدًا واحدة، اعتمدوا على الله جميعًا ولم يتفرقوا. كان هذا من الأسباب التي هيأت لهم النصر.
أحمد الشرع يركز دائمًا على النوعية، وليس على الكمية.
كل الأشخاص الذين عرفتهم حوله متميزين جدا في ثقافتهم، في معارفهم، في شخصيتهم، في أسلوبهم القيادي، يعرفون أدوارهم، والرسالة التي يقومون من أجلها يحدثون الناس حديثا واحدا ولغة واحدة لا تجد هناك تخبط. قابلت أناس ممن يعملون معه في إدلب. في حمص. قابلتهم في أماكن مختلفة. قابلت هؤلاء الناس كأني أسمع شخصا كل الدنيا تتكلم عنده لغة واحدة. لأنه قضى فترة طويلة جدا في عملية الإعداد للناس وتوحيد الهدف وقدرة القائد على أن يفعل هذا. قادة قلة في التاريخ الذين يستطيعون أن يجمعوا الناس. إذا رجعتم إلى صلاح الدين الأيوبي. وأنا هنا لا أقارن حتى لا يقول لي أحد أنت تقارن أحمد الشرعي بصلاح الدين الأيوبي، ولكن حينما تنظر في القيادة وصفات القيادة يجب أن تنظر إلى القادة الذين حققوا الأشياء. لم يستطع صلاح الدين الأيوبي أن يقوم بتحرير القدس إلا بعد أن جمع كل ما كان، كانت شراذم الأمة في ذلك الوقت دخل في حروب مع كثيرين استمرت فترة طويلة حتى استطاع أن يوحدهم وأن لا يكون ظهره عاريا، لم يكن الشرع يستطيع أن يخوض هذه المعركة وخلفه فصيل واحد على خلاف معه كان يطعنه من الظهر فاستطاع أن يجمع الناس وأن يوحدهم.
سألته، قلت له: “أنت تقول إنك تريد للسوريين المهجرين أن يعودوا. كيف ستستوعب عشرة ملايين إنسان؟”
أجابني: “يا أحمد، هذه ثروة للشعب. لدينا عشرة ملايين سوريين منتجين، هذه ثروة سنعيد بها بناء سوريا ونستعيد بها تميز بلادنا. العديد من هؤلاء المهجرين قد تعلموا في أوروبا، وكثير منهم أصبحوا متميزين في مجالات مثل الطب والهندسة. هؤلاء سيعودون ليعمروا بلادهم. إذاً، لدينا شعب مؤهل”.
تذكرت حديث المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل حينما استوعبت أكثر من 800 ألف سوري وقالت: “لقد جئت لكم بأناس منتجين”.
أحمد الشرع كان يرى أن هذه كانت ثروة يمكن أن تنهض بالبلد، وقد تكون هي الأساس لإعادة البناء. ولذلك، من أهم التصريحات التي أطلقها هو أن أولوية إعادة ترميم البيوت كان من أولوياته حتى يتمكن الناس من العودة إليها.
حينما ذهبت إلى قلب حمص شعرت بأسى شديد في قلب المدينة، حول مسجد خالد بن الوليد رضي الله عنه، لا توجد عمارة واحدة سليمة. لا يوجد بيت أو شقة يمكن لأهلها أن يعودوا إليها ويعيشوا فيها. لقد دمر النظام كل شيء. القرى التي مررت بها من إدلب إلى الشام، معظمها مدمرة. لم يقتصر الأمر على تدمير القرى فقط، بل تم سرقة كل شيء: الشبابيك، الأبواب، وأسياخ الحديد الموجودة في الأسقف، لم يتركوا شيئًا.
كانوا عصابة من المجرمين واللصوص، لم يكونوا حكامًا على الإطلاق.من يعرف كيف يستثمر في القائد المحنك يعرف أيضًا كيف يستثمر في من حوله، في الشعب، وفي الناس، وكيف يبنيهم. أحمد الشرع يتميز بالدقة. ففي جلسات النقاش الطويلة معه، كان يتمتع بدقة شديدة ووضوح في كل ما يتحدث عنه، وكان لديه تركيز عالٍ.
كما يتميز بالتخطيط الواقعي. على عكس بعض القادة الذين يحلمون بأشياء هلامية وغير قابلة للتحقق، كان الشرع دائمًا يتحدث عن رؤية واقعية، حتى وإن كانت كبيرة مثل “تحرير سوريا”. لكنه كان يراها رؤية قابلة للتحقيق إذا توفرت لها الأسباب والتوقيت المناسب.
وهنا أود أن أذكر لكم جملة فريدة اختصر لي فيها معنى الحرب، سألته: “ما مفهوم الحرب عندك؟” فأجاب بكلمتين فقط. كان أحمد الشرع، يا جماعة، يتميز في نقاشاتي معه بقدرة على التعبير عن أفكاره بطريقة بليغة. لا أعرف كيف يناقش، لكنها كانت جزءًا من شخصيته وثقافته. كان ينحت عبارات جميلة جدًا، وأقتطف منها بعض الجمل التي دونتها في مفكراتي. على فكرة، كنت شغوفًا بتدوين كل شيء حتى لا أنسى، خصوصًا في جلسة الاثنين الماضي. بل كان التواصل البصري بيني وبينه ممتدًا في بعض الأحيان، فأخجل، ثم أعود للنظر إليه وأكتب.
بهذه الطريقة أكتب وأنا لا أنظر. كنت في بعض الأحيان لا أستطيع أن أقرأ ما كتبته، لكن على الأقل بدأت أكتب بالرموز، بطريقة رمزية أستطيع أن أفهمها لاحقًا، حتى لا أفقد التواصل البصري مع أحمد الشرع وهو يتحدث. لأنني أعتبر أن التواصل البصري مع من يتحدث إليّ هو من أهم الأمور التي ينبغي أن أحرص عليها في الحوارات، سواء كانت حوارًا تلفزيونيًا أو في مجلس عام. فالتواصل البصري هو أساس العلاقة في الكلام. وعندما تَشيح ببصرك عن أحد ولا تنظر إليه، كأنما تُنتقص من الكلام الذي يقوله.
كنت قد جلست لمدة ثلاث ساعات وأنا بين التواصل البصري والتدوين، وكانت تجربة فريدة. دائمًا أحرص على التدوين وأيضًا على التواصل البصري. لكن المعلومات الغزيرة التي كانت تفيض عليَّ في الحديث في جلسة الإثنين الماضي كانت أكثر من طاقتي على تدوين كل شيء والحفاظ على التواصل البصري في الوقت نفسه. ولكن في النهاية، حينما رجعت إليها، وجدت أنني قد ملأت مفكرة كاملة بمعلومات سأوافيكم بالكثير منها.
أنا أستخلص المعلومات، وليس كل ما قاله لي سأبوح به إليكم. سأبوح فقط بالأشياء العامة، أما الأمور الأخرى، فقد اتفقت معه أن يُبوح بها في الحوار الذي سيكون معه إن شاء الله، وسيكشف من خلالها الكثير من الأشياء التي ربما لا يعرفها الناس عنه، ولا عن أفكاره، ولا عن التحولات التي مر بها في حياته. كما سيكشف أيضًا عن تفاصيل هذه المعركة المذهلة التي ستقف أمامها الأكاديميات العسكرية في العالم لتدرس ما حدث فيها.
كيف تم فتح هذه المدن الكبرى دون أن يتم تدميرها، ودون أن تُنهب أو تُسلب كما يحدث في معظم الحروب؟ بعض الأشياء البسيطة التي حدثت في دمشق وتوجه المؤسسات العامة كانت بسبب تأخر دخول القوات التابعة له إلى دمشق، ولكن تم ضبط الأمن في النهاية.
كل مدينة تم ضبط الأمن فيها خلال يومين أو ثلاثة. سنتناول هذا الموضوع بالتفصيل لاحقًا. من أهم الصفات التي تميز أحمد الشرع، كما قلت لكم، هي التخطيط الدقيق والتنفيذ الممتاز. الخطط التي وضعها والتي حدثني عنها، وكيفية تنفيذها، يمكنني اختصارها في هاتين الصفتين المهمتين في القيادة: التخطيط الواقعي، وليس الأحلام أو الأوهام، والتنفيذ الدقيق للغاية للخطط.
الخطط التي رتبها أو التي وضعها كانت تضمن نجاح التنفيذ فيها. فهو لا يضع خطة من المستحيل تنفيذها، أو تكلفتها عالية جدًا أو الخسائر فيها فادحة. ورغم سقوط العديد من الشهداء خلال المعركة، إلا أنه حينما تنظرون إلى أن سوريا كلها تحررت بهذا العدد القليل من الشهداء في المعركة، فإن ذلك يعد إنجازًا مهمًا.
طبعًا، سوريا ضحت منذ عام 2011 بتضحيات كبيرة، والشعب السوري قدم الكثير، ولكن التحرير تحقق بهذه المعركة بفضل التخطيط الواقعي والتنفيذ الدقيق، مع المرونة في تغيير الخطط عند الضرورة.
أخبرني أحمد الشرع في إحدى جلساتنا عن التحديات التي واجهها في المعركة، وقال لي: “كشفت خطة المعركة قبل شهر ونصف من تنفيذها، وكنت في حيرة كبيرة، كان عليّ أن أغير كل شيء حتى أتمكن من تنفيذ المعركة في الوقت الذي حددته”. هذه المرونة في التعامل مع الأحداث وتغيير الخطط كانت جزءًا أساسيًا من نجاحه.
أما بالنسبة لتدريب قواته، فقد لم يكن تدريبًا تقليديًا. كان يُرسل المجموعات للتدريب على يد القوات الروسية أو قوات النظام، ليأخذوا منهم الدروس كنوع من التدريب، ولكن أحمد كان يطبق هذا التدريب عمليًا على قواته. وكان دائمًا يؤكد لهم: “لا تطلقوا طلقة رصاص في الهواء، يجب أن يكون كل شيء موجهًا لأهداف محددة”.
لقد سجلت 7 حلقات سيبدأ بثها على الجزيرة 360 عن شخصية يحيى السنوار. يحيى السنوار. شخصية قيادية فريدة دخل التاريخ ب7 أكتوبر ودخل التاريخ بطريقة استشهاده التي روجها عنه الإسرائيليون.
مقارنة بين الشرع ويحيى السنوار
فهذه من صفات القائد الرئيسية وهي من الصفة ال 11 التي استخلصتها كما قلت لكم من معرفتي بشخصيته. إدارة الوقت. إدارة الوقت. من الصفات الرهيبة في. أحمد الشرع. قضية الوقت عنده قضية جوهرية، وهنا لأني سجلت 7 حلقات سيبدأ بثها على الجزيرة 360 عن شخصية يحيى السنوار. يحيى السنوار. شخصية قيادية فريدة دخل التاريخ ب7 أكتوبر 2023 ودخل التاريخ بطريقة استشهاده التي روجها عنه الإسرائيليون. أصبح يحيى السنوار شخصية تاريخية. عندما جئت أجمع ما بين ما درسته عن يحيى السنوار وعن أحمد الشرع مع الخلافات الكبيرة مع كل شيء. اختلاف الزمان والمكان والعمر والخبرة وكل الأشياء المختلفة بين الرجلين. لكني وجدت أنهما يتفقان قياديا كصفات قيادية في قضية إدارة الوقت. سأقول لكم شيئا. ستشاهدون تفاصيل في الروايات. لكن سأقول لكم شيئا عن شخصية يحيى السنوار. أدلى به أحد الشهود الذين تحدثوا معه والذين سجلت شهاداتهم وهو الدكتور باسم نعيم. يقول في مكتب يحيى السنوار كان يوجد ساعتان، الساعة الأولى عليها التوقيت العادي، توقيت اليوم.
أما الساعة الثانية، فكانت لأربع سنوات من إدارة يحيى السنوار في غزة. كانت ساعة تنازلية، تُعدّ الأيام والسنوات بشكل مستمر. كل يوم يُخصم منه جزء، وكأنها تقول له: “لقد مضت أربع سنوات، وهذه الأيام تُحتسب كأيام ناقصة”. كان الوقت يُعدّ بالدقائق والساعات. مثلًا، يقول يحيى السنوار: “لديك نصف ساعة، إذا لم تعرض قضيتك وتنهي أعمالك في 21 دقيقة، فإن وقتك قد انتهى”.
كان يحرص على التوقيت الدقيق. إذا تأخرت عن تقديم ما لديك في الوقت المحدد، فقد أُغلق الموضوع. أربع دقائق كانت كافية، ويقول لك: “اعرض ما عندك في هذه المدة المحددة”. هذه الصفة من الدقة في إدارة الوقت كانت سمة رئيسية في أحمد الشرع أيضًا، كما أخبرني من عملوا معه. كان يتابع كل الملفات والمهام بدقة متناهية، ويُعير اهتمامًا بالغًا للوقت.
القائد أو الزعيم الذي يدير لا يضيع الوقت، لأن الوقت بالنسبة له هو حياة الناس ومصالحهم. الوقت هو المسؤولية التي يحملها، وهي الأمانة التي عليه الوفاء بها تجاه الناس. لذلك، لم يكن يهدر وقته في التفاهات أو اللعب، كما قال أخوه في وصفه.
د. ماهر الشرع يقول: “أحمد كان بعيدًا عن اللهو واللعب مثل باقي الأطفال في طفولته،” وهناك بعض الأشياء التي سُربت عنه، لكنني سأتركه هو ليكشف كل التفاصيل في الحوار الذي أجريه معه قريبًا إن شاء الله.
إدارة الوقت كانت من أبرز سماته. كان أحمد يتميز بقدرته كقائد على فهم أهمية الوقت. فقد استطاع في أربع سنوات فقط أن يبني دولة في إدلب، تحتوي على كل المؤسسات الأساسية. كان هناك جميع الوزارات، وجميع مصالح الناس. تم إصدار رخص المساكن، الولادات، وكان هناك جامعة في إدلب أيضًا.
أنا شخصيًا، عندما ذهبت إلى إدلب مرتين لأعيش التجربة من داخلها وأنقلها لكم كما رأيتها، كانت مدينة لا تقتصر على التقدم المؤسساتي، بل شملت أيضًا جوانب حياتية مهمة. كانت هناك جامعة، تحتوي على جميع الكليات، حتى أنهم كانوا يرغبون في أن آخذ جولة في كلية الإعلام. لكنني أخبرتهم: “لا وقت عندي لأذهب وأزور كلية الإعلام، فهناك أولويات أخرى”.
على الرغم من هذه الإنجازات الكبيرة، كان هناك أيضًا اهتمام بالجانب الثقافي. في إدلب، كان هناك متحف، والذي كان يشرف عليه جزء من وزارة الخارجية أو اللجنة السياسية، حيث كان المتحف جزءًا من منظومة الثقافة العامة.
أيضًا، عندما زرت متحف حلب، وجدت شخصًا مسؤولًا عن المتاحف كافة، وليس عن متحف حلب فقط. وقد قام هذا المسؤول بتقديم جولة شاملة في المتحف لي، حيث كان يُظهر كيف تم الاهتمام بالتراث والثقافة في الوقت نفسه الذي كان يتم فيه بناء الدولة.
من صفات إدارة الوقت عنده أنه كان يدرك قيمة الوقت بشكل كبير، كما ذكرت لكم سابقًا. هو استطاع تأسيس جمهورية إدلب في أربع سنوات فقط. دعوني أسميها “جمهورية إدلب” أو “دويلة إدلب”، أو كما يسمونها إدارة إدلب بشكل رسمي. كان يعي تمامًا كيف يؤسس هذا الكيان في ظل الظروف الصعبة التي كان يمر بها، وكيف يضع خططًا استراتيجية للنجاح والنصر.
قال لي: “يا أحمد، كانت الخطة إلى دمشق، لكنني لم أبح لأحد ممن حولي أن هدفي هو دمشق إلا قليل جدًا من المقربين لي. كانت الخطة محاطة بالسرية، مثلما حدث مع يحيى السنوار، حيث لم يكن يعرف التفاصيل الكاملة عن الخطة سوى القليل من المقربين.”
التخطيط كان سر نجاحه، فهو كان يهيئ الجميع دون أن يُفصح لهم عن كل التفاصيل. كل الناس كانوا يتدربون، يمارسون التدريبات، لكنهم لم يعرفوا الأبعاد الدقيقة للخطة. وهذا هو الأسلوب الأمثل للقائد الذي يعرف كيف يدير الوقت، ويحدد ساعة الصفر، وينفذ الخطة بشكل دقيق جدًا. وكان أحمد يهيئ جنوده للمشاركة في المعركة بشكل يجعلهم مستعدين للقيام بما يُطلب منهم لتحقيق النصر.
خطة تحرير دمشق كانت واضحة جدًا، وقال لي: “نحن رفعنا شعارًا معينًا، وسوف أشرح لكم تفاصيل المعارك لاحقًا، لأنني زرت أماكن المعارك وفهمتها عن كثب.” الخطة كانت تعتمد بشكل رئيسي على حماية المدنيين في المدن التي ستتم مهاجمتها، حيث كان يُولي أهمية كبرى أن لا يُصيب المدنيين أي ضرر. كان هناك أيضًا تضليل إستراتيجي تم تطبيقه على مستوى المعركة، سواء في العنوان أو في استراتيجيات الهجوم.
العنوان كان “ردع العدوان” أو “صد العدوان”، لأنه كانت قوات النظام والقوات الروسية تعتدي بشكل دائم على الناس في إدلب. لذلك، وضعوا لافتة كتب عليها “صد العدوان”، وليس “فتح حلب” أو “فتح حمص” أو “فتح حماة” أو “فتح دمشق وتحرير سوريا كلها”. لم تكن هذه العناوين هي التي تم اختيارها كعنوان للمعركة، بل كان الهدف هو التضليل الاستراتيجي. سأحدثكم عن هذا الموضوع بالتفصيل في وقت لاحق.
الصفة الثالثة عشر التي رصدتها من خلال نقاشاتي معه هي الرؤية الاستراتيجية. القائد الناجح لا بد أن يتمتع برؤية استراتيجية واضحة. القائد لا يمشي على عماه، ولا يتحرك بعشوائية. بل يخطط، يدقق، ويصنع خططًا محكمة. وعندما كان في عام 2015 يقول لي: “أنا أخطط لمعركة دمشق. أنا أخطط لتحرير سوريا”، كنت أعتبر هذه الأمور أمنيات بعيدة المنال، أمنيات في ذلك الوقت. لكن بعد أن درست مسيرته من عام 2015 حتى التقيت به في 2024، وبعد أن جلست معه لساعات ثلاث في يوم الاثنين الماضي في مقر رئاسة الوزراء في دمشق، أدركت أن الخطة بدأت من ذلك الوقت المبكر. كان الرجل يضع خططًا منذ ذلك الحين، وإن كانت الخطة التنفيذية قد بدأت بالفعل قبل عامين من عملية التحرير. سأحدثكم عنها في وقت لاحق، ولكن منذ عامين، وفي كل حواراته وكلامه، كان يتحدث عن معركة دمشق كأمر حتمي.
يحيى السنوار قبل عامين من “طوفان الأقصى” كان يتحدث عن “الطوفان” دون أن يسميه بالاسم. بل قال في إحدى تصريحاته: “سنقوم بعمل طوفان”، ولم يذكر طوفان الأقصى بشكل صريح. عندما عدت ودرست شخصية يحيى السنوار وتصريحاته منذ بداية عام 2010، حتى وهو في السجن، اكتشفت العديد من الأمور المهمة التي تُظهر مدى تخطيطه الاستراتيجي بعيد المدى. بالإضافة إلى ذلك، هناك شهود كثر يمكنهم إلقاء الضوء على شخصيته، خاصة اثنان قضيا معه في السجن. أحدهما أمضى معه فترة طويلة تقارب 18 عامًا، والآخر قضى معه عشر سنوات، بالإضافة إلى الدكتور باسم نعيم الذي كان من آخر من رأى يحيى السنوار قبل مغادرته غزة، وذلك قبل أيام قليلة من معركة “طوفان الأقصى”. بالطبع، لم يكن يعلم عن المعركة شيئًا حينها، لكنه سيروي العديد من التفاصيل القيمة عن السنوار.
من المهم أن نتعرف على شخصيات القادة، فإن الشخص الذي يصنع التغيير الحقيقي في التاريخ لا بد أن يكون صاحب رؤية استراتيجية واضحة وقوية. أحمد الشرع، على سبيل المثال، دخل التاريخ سواء شاء من شاء أو أبى من أبى. أحمد الشرع هو القائد الذي حرر سوريا من النظام البعثي الطائفي، ومن الهيمنة الإيرانية. اليوم، هو في قلب المفاوضات مع الروس لتحديد دورهم في سوريا، وهو الوحيد الذي استطاع توحيد مختلف الفصائل السورية تحت راية واحدة. لا شك في أن العالم كله، من الروس إلى الأمريكيين والأتراك، سيتفاوض معه في المستقبل. هو من وحد هذه الفصائل، وجمعهم على مشروع واحد.
هو الذي قال: “الآن سيتم حل هذه الفصائل وسيتم تأسيس جيش محترف.” هذا التصريح يؤكد ما قام به في إدلب. كان لديه كلية حربية في إدلب، لكن نظرته للتعليم كانت مختلفة تمامًا عن الآخرين. يقول: “الكلية الحربية لا تحتاج إلى أربع سنوات حتى تقضي فيها، بل يمكن للمرء أن يقضي فيها ستة أشهر فقط من التدريب العميق، ثم يتمكن من تخرج ضابط يعرف القوانين.” بعد ذلك، كان يختار من هؤلاء الضباط المتميزين لضمهم إلى القوات الخاصة، وكان لديه أيضًا وحدة خاصة جدًا تُسمى العصائب الحمراء. سأروي لكم المزيد عن هذا الأمر في وقت لاحق.
الصفة الرابعة عشرة من صفات القيادة التي يتمتع بها أحمد الشرع، والتي استخلصتها من حواراتي ونقاشاتي معه، ومن قراءاتي وسماعي لمن يعملون معه، هي التركيز. كان يركز بشكل كبير على الموضوع الواحد. إذا كان يتحدث عن معركة حلب، كان يركز فيها كل جهده. وإذا كان يتحدث عن معركة دمشق، كان يكرس كامل اهتمامه لها. كان أيضًا يركز في عملية بناء الدولة و الإصلاح، بالإضافة إلى اهتمامه الدقيق باستخلاص الأشخاص الأساسيين الذين يعملون معه.
حينما كان يتحدث معي، سواء في عام 2015 أو في 9 ديسمبر 2024 في دمشق، كان يتحدث بتركيز شديد جدًا في الموضوع الذي يخوض فيه، رغم أنه كان مرهقًا للغاية في تلك اللحظة. هذا التركيز كان من العوامل التي ساعدته في تحقيق النجاح في العديد من المعارك والإنجازات التي قام بها.
قلت له: “شكلك ما نمت منذ 12 يومًا.” قال لي: “ما نمت.” أخوه قال لي: “لا ينام، ونطلب منه أن ينام، لكنه لا يستطيع.” كان واضحًا عليه الإرهاق الشديد، لكن مع ذلك كان يتكلم بتركيز شديد، وكأنه قد شبع من النوم. كل كلمة كان يقولها كانت دقيقة جدًا، وكنت أدوّن كل شيء بعناية. كان يتحدث بعمق، بعبارات واضحة تمامًا، لا لبس فيها. كان يتحدث عن الأمور المستقبلية بتفاؤل، وكأنها ستحدث غدًا.
عندما تحدث عن حلمه في بناء سوريا، كان يروي لي كيف سيستوعب الناس العائدين. قال: “إذا كانت الدول التي لجأ إليها السوريون قد استوعبتهم، رغم أن السوريين شعب منتج، فإن سوريا ستكون قادرة على استيعابهم أيضًا.” أضاف: “السوري لا يمد يده للآخرين، بل هو منتج، مبدع، وشغال، إنسان معطاء.”
لقد غيّر السوريون حياة الناس في الدول التي لجؤوا إليها، سواء في الدول العربية أو الغربية. حتى أن المستشار الألماني تحدث مؤخرًا عن هذا الموضوع وقال: “لو رجع السوريون إلى بلادهم، قد يحدث انهيار في بعض القطاعات الكبرى في ألمانيا.” يا جماعة، هناك 6000 طبيب سوري لا يزالون يحملون الجواز السوري، وقد حصلوا على معادلة شهاداتهم في ألمانيا، وأصبحوا جزءًا من الكادر الطبي. هناك أيضًا حوالي 20 ألف سوري في القطاع الطبي في ألمانيا، سواء كانوا أطباء أو ممرضين أو صيادلة.
لو انسحب هؤلاء من الدول التي لجؤوا إليها، وهم يشكلون نسبة لا تقل عن 6% حسب بعض التقارير، وبعض التقارير الأخرى تشير إلى نسبة أكبر من ذلك، فلو عادوا إلى بلادهم، ستكون هذه عودة لمصلحة البلاد، لأن الوطن عزيز على الإنسان. فالوطن يبقى في قلب كل إنسان، وهذه حقيقة لا يمكن إنكارها.
لقد تم تهجير السوريين قسرًا منذ الستينيات، مع بداية سيطرة البعثيين على السلطة، ومن ثم جاء حافظ الأسد في عام 1971 ليبدأ حكمًا طائفيًا قمعيًا، انتهى إلى تهجير كثير من السوريين بشكل ممنهج. وبعد أحداث حماة في فبراير 1982، ازداد التهجير القسري بشكل أكبر. لكن السوريين الذين هُجّروا أبدعوا في البلدان التي انتقلوا إليها، وخصوصًا في مجالات الطب، حيث أصبح العديد منهم أطباء مميزين، من بروفيسورات في تخصصاتهم المختلفة. كما برعوا في التجارة والصناعة، فالشام وخاصة أهل حلب معروفون بتجارتهم وصناعاتهم. حلب، على سبيل المثال، كانت تضم حوالي 4000 مصنع قبل الحرب، وهو رقم هائل. إذا أخذنا متوسط عدد العاملين في كل مصنع، بغض النظر عن الحجم، لوجدنا أن عدد العاملين في هذه المصانع قد يتراوح بين 50 إلى 100 شخص في كل مصنع، أي ما يعادل حوالي مليون ونصف إلى مليوني شخص يعملون في هذا القطاع فقط.
لا ننسى أن العديد من السوريين نقلوا معهم أفكارهم، كما نقلوا مصانعهم إلى الدول التي لجأوا إليها، وأصبحوا يشتهرون بمنتجاتهم هناك. الحلويات السورية، مثل الكنافة والقطايف، أصبحت مشهورة في كل مكان. الأكل السوري، مثل الشاورما، أصبح منتشرا في العديد من البلدان. لكن الأهم من ذلك هو ما جلبه السوريون من مهن ووظائف متميزة في المجالات المختلفة.
على سبيل المثال، في ألمانيا وحدها، هناك 6000 سوري يحملون الجواز السوري، بينما العديد منهم قد حصل على الجنسية الألمانية ونجحوا في الانخراط في الكادر الطبي وغيره من القطاعات. وفقًا لتقرير قرأته صباح اليوم، هناك أكثر من 20,000 سوري في القطاع الطبي وحده. هذا يشير إلى قدرة السوريين على الاندماج والمساهمة بشكل فعال في الدول المضيفة.
من الصفات البارزة التي تميز أحمد الشرع كقائد هو قدرته على تصفير المشاكل. ففي منطقة إدلب وما حولها كانت هناك مشاكل بين الفصائل المتناحرة طوال الوقت، فضلاً عن الأخطاء التي وقعت في فترات سابقة. ولكن عندما جاء أحمد الشرع ليجمع هذه الفصائل ويوحدها، كان لا بد من تصفير المشاكل، سواء كانت تتعلق بالعائلات التي فقدت أقاربها أو بالفصائل التي كانت تتنازع فيما بينها. كان يحرص على الجلوس مع الناس، والاعتذار لهم إذا لزم الأمر، ويواسيهم ويحاول معالجة أي خلافات قد تنشأ بينه وبين أي طرف، كان هدفه الرئيسي هو ضمان الوحدة والاستعداد للمعركة الكبرى. لأنه إذا أردت الانتصار في معركة كبرى، يجب أن تكون قد طهرت نفسك من جميع المشاكل والصراعات الصغيرة. كما فعل صلاح الدين عندما قرر أن يخوض معركة تحرير القدس، لكنه رفض الانخراط فيها قبل أن يطهر علاقاته مع الأمراء المحليين الذين كانوا مخلصين للصليبيين في ذلك الوقت. كان يحرص على إزالة أي عراقيل تمنع الجبهة من التوحد والانتصار…
تصفير المشكلات
رد المظالم ومواساة من وقع عليه ظلم: من الصفات المهمة التي يجب أن يتحلى بها القائد هي القدرة على الرد على مظالم الناس ومواساة من تعرضوا للظلم، حتى يمكنه تصفير المشاكل. ولكن يجب أن نفهم أن هذا لا يعني أن أحمد الشرع كان الحاكم العادل الخالي من الأخطاء. فهو مثل أي قائد، كان لديه مشاكل وتحديات كثيرة، كما كانت هناك اتهامات وجهت إليه. وعندما أتناول الحديث عن صفاته القيادية، لا يعني ذلك أنني أبرئه من كل شيء. فهو سيقوم بنفسه بالدفاع عن مواقفه، وسيتحدث عن الاتهامات التي وُجهت إليه. أنا شخصيًا أفتح معه كل الملفات وأناقش معه كل القضايا بدون حرج أو تحفّظ.
فهم هموم الناس: من الصفات الأساسية التي يجب أن يتمتع بها القائد المتميز هو القدرة على فهم مشاكل وهموم شعبه. القائد لا يمكن أن يكون معزولًا عن الناس، بل يجب أن يكون قريبًا منهم، يسمعهم ويتفاعل معهم. أحمد الشرع كان دائمًا قريبًا من الناس، يتبنى سياسة الباب المفتوح، حيث كان يجلس مع المواطنين ويتحدث معهم مباشرةً عن مشاكلهم ويسعى لحلها. هذه العلاقة الوثيقة مع الشعب كانت من أبرز سماته كقائد.
سياسة الباب المفتوح: أحمد الشرع كان يحرص على الاستماع إلى الناس، ولذلك كان يتبع سياسة ديوان المظالم. كان يتابع القضايا من خلال حوار مباشر مع المواطنين، ويستمع إلى شكاويهم ويعمل على إيجاد حلول لها. فكل من يتعامل معه يلاحظ مدى قربه من الناس وحجم الاهتمام الذي يخص به قضاياهم.. المقابلة الشخصية: أذكر عندما ذهبت إلى هناك، شعرت لأول مرة بأنني لم أكن في المكان ذاته. كنت أتوقع أن يُرافقني عدد أكبر من الحراس، لكنني فوجئت بأنني لم ألتقِ بأي حراسة مشددة سوى عدد قليل من الحراس البسطاء. هذا الشعور هو ما دفعني للتساؤل عما إذا كانت هذه سياسة متعمدة، أو أن أحمد الشرع كان يفضل أن يكون بين الناس بشكل طبيعي، دون حواجز أو إجراءات مشددة. كان هذا جزءًا من أسلوبه في القيادة، التي تميزت بالانفتاح والاقتراب من الناس.
قال لي أحمد: “يا أحمد، الحراسة القوية هي التي لا تُرى.” وأضاف: “كما أن الله هو من يحمينا، نحن الآن قد أسقطنا النظام وحققنا هدفنا الأول، وبقي الهدف الثاني وهو بناء سوريا إن شاء الله.” وهذه كانت رؤيته التي كان يؤكد عليها بشكل مستمر.
فهم أولويات الناس: من الأشياء الأساسية التي عمل عليها أحمد الشرع هو فهم أولويات الناس ومشاكلهم. كان يعي تمامًا أن تحقيق الاستقرار في سوريا يتطلب تلبية احتياجات الناس. ومن بين أولوياته كان الأمن، الذي يعتبره عنصرًا أساسيًا لا غنى عنه في أي خطة للمستقبل. تحدث كثيرًا عن أهمية تأسيس جيش قوي، ليس فقط جيشًا عسكريًا، بل أيضًا جيشًا يحمل قيمًا من الانضباط والاحترافية.
قصة وفاء: أتذكر جيدًا يوم 9 من شهر ديسمبر عندما دخلت دمشق بعد تحريرها. لكن هناك شيئًا غريبًا حدث، وهو الوفاء الذي أظهره أحمد الشرع. في عام 2015، وعدني بلقاءه في دمشق، وعندما سنحت الفرصة، قررت أن أكون هناك. طلبت منه أن أدخل دمشق برفقته، فترتيب أحمد كان واضحًا. وكان معي مرافق من طرفه، لكن للأسف الشديد، بسبب ظروف الاتصالات السيئة في ذلك الوقت، تأخرت قليلاً في الوصول. وانتظرنا في مكانٍ محدد لمدة نصف ساعة، ولكن بسبب تلك الصعوبات في الاتصال، لم أتمكن من الوصول في الوقت المحدد. ومع ذلك، لم يكن لديه خيار سوى أن يتحرك ويدخل دمشق. ما يلفت النظر هنا هو مدى الوفاء في تصرفه. رغم تأخري، كان قد انتظرني نصف ساعة، مع العلم أنه كان يعلم حجم المخاطر التي قد تواجهه. هذه اللحظة تبرز لنا مدى الإصرار والوفاء الذي كان يتحلى به.
الوفاء بالوعد: أنظروا إلى الوفاء بالوعد، رغم أن هذا كان لحظة نصر عظيمة جدًا، لحظة تاريخية سيدخل فيها أحمد منصور أو أي شخص آخر من الخارج. ولكن لأن الرجل وعدني أن أكون معه في دخوله إلى دمشق، فقد التزم بوعده. تذكر الوعد الذي قطعه لي في عام 2015 بأننا سنتقابل في دمشق، وقلت له: “طالما أنني هنا وأنت ستدخل إلى دمشق، سأدخل معك.” وبالفعل كان الأمر كذلك. ولكن، قدر الله وما شاء فعل، لم نتمكن من الالتقاء في اللحظة المحددة.
ومع ذلك، أريد أن أركز على نقطة مهمة وهي أنه ظل ثابتًا على وعده. فقد انتظرني نصف ساعة في الطريق رغم المخاطر التي كانت تكتنفه في تلك اللحظة، لأن المدن كانت قد تم تحريرها في نفس اليوم. ومع ذلك، بقي متفانيًا في الوفاء بوعده. هذا الشخص الذي يمتلك مثل هذه الأخلاق، ويظل ملتزمًا بوعده رغم الظروف، لا تجد إلا في قائد عظيم يتمتع بصفات القيادة الحقيقية والأخلاق السامية.
فهم احتياجات الناس: القائد الفعّال هو الذي يفهم احتياجات شعبه. أحمد الشرع كان على دراية تامة بأن الشعب السوري لا يريد الحرب، بل هو شعب تعب من الصراع المستمر. قال لي: “السوريون لا يريدون الحرب.” ومع ذلك، هو يعرف تمامًا أن الناس في سوريا يريدون الأمن، يريدون الحرية، يريدون إعادة بناء بيوتهم التي دُمّرت، ويريدون العودة إلى ديارهم بعد سنوات من اللجوء والمخيمات. لذا كان واضحًا أن المهمة الأساسية هي تهيئة الظروف لهذه العودة، وهذا ما بدأ في تطبيقه يومًا بعد يوم.
الاستماع لمشاكل الناس وتطبيق الحلول: هذا القائد لم يكن بعيدًا عن شعبه، بل كان دائمًا قريبًا من الناس، يستمع لمشاكلهم، ويسعى لتلبية احتياجاتهم. كان يُدرك أن الشعب لا يطلب فقط تحرير الأرض، بل يطلب استقرارًا دائمًا، وأمنًا حقيقيًا، وعملًا جادًا من أجل إعادة بناء الوطن. وبدأ بالفعل بتطبيق هذه الرؤية من خلال خطة محكمة تعتمد على أولويات الشعب، والتي بدأت بالتركيز على إعادة تأهيل المناطق المحررة، وبناء المؤسسات الأساسية من أجل إعادة الحياة إليها.
ما يميز القائد: القائد، يا جماعة، نوعان. هناك القائد المدير، الذي يدير سير الأمور. قد يكون زعيمًا، رئيسًا، أو مسؤولًا، مثل رئيس دولة أو رئيس حكومة، يقوم بتنظيم العمل ويدير المهام. ولكن هناك نوع آخر من القادة، وهو القائد المبتكر. هذا القائد لا يقتصر دوره على الإدارة فقط، بل هو الذي يبتكر الأفكار، ويسعى لإيجاد حلول جديدة، ويجيد اختيار الأشخاص الذين يساعدونه في تنفيذ هذه الأفكار وتحقيقها.
عند النظر في سيرة أحمد الشرع وطموحه وخططه، نجد أنه ينتمي إلى النوع الثاني: القائد المبتكر. كان دائمًا يبتكر أفكارًا جديدة، ويمتلك القدرة على اختيار الشخصيات والنوعية المناسبة من حوله. هؤلاء الأشخاص يعملون معًا على تنفيذ هذه الأفكار بالتشاور المستمر مع أحمد الشرع، الذي يتابع كل خطوة ويشرف على سير الأمور بشكل دقيق. القائد المبتكر لا يترك الناس يعملون بمفردهم، بل يراجع كل شيء ويتابع التنفيذ.
أحمد الشرع كقائد مبتكر: في الفترة التي تلت تحرير سوريا، وخاصة في عام ونصف من التحضير لمعركة تحرير دمشق، يمكن ملاحظة أن أحمد الشرع لم يكن مجرد قائد يدير الأمور، بل كان مبتكرًا. استطاع تحويل أفكاره إلى واقع حقيقي من خلال فريق عمل متكامل. هذا الفريق كان يضطلع بدور كبير في تنفيذ المشاريع والخطط التي وضعها. فمثلاً، الحكومة التي تولت الأمور في إدلب كانت مثالًا حيًا على عملية مبتكرة لإدارة المرحلة. استلام حكومة إدلب من الحكومة السابقة في نظام الأسد كان عملية مدروسة بعناية، حيث حرص أحمد الشرع على أن يتم هذا الاستلام بشكل يضمن عدم الاعتراف الدولي بالحكومة السابقة، مما مكنهم من استلام السلطة بكفاءة وأمان.
الاستشراف من خلال دراسة التاريخ: أحد الصفات البارزة التي لاحظتها في شخصية أحمد الشرع هي قدرته على استشراف الحاضر والمستقبل من خلال دراسة التاريخ. أحمد الشرع ليس فقط قائدًا يبتكر، بل هو قارئ جيد للتاريخ، لديه شغف به. هذا الشغف بالتاريخ ينعكس في طريقة تفكيره وفي قراراته.
في نقاشاتي معه، كنت ألاحظ كيف كان يربط الأحداث التاريخية بما يحدث في الواقع اليوم. كان دائمًا يردد أن “لا حدث عظيم في التاريخ يمكن قياسه بمعايير العقل فقط.” مثال على ذلك، عندما تحدث عن حدث 7 أكتوبر 2023، أو “طوفان الأقصى”، قال لي: “هذا الحدث لا يمكن قياسه بمقاييس عقلية تقليدية. لقد واجهت حماس إسرائيل، وهي قوة عظمى في المنطقة، مدعومة من أمريكا، ورغم ذلك لا تزال تقاوم وتنجح في استهداف أهدافها حتى اليوم.”
القدرة على قراءة الأحداث الجارية: حركة حماس في غزة، رغم كل الهجمات والتدمير الإسرائيلي، ظلت تقاوم وتصمد، مما جعل العديد من المحللين العسكريين في العالم يعترفون بعجزهم أمام هذه المقاومة. تصريح لوزير إسرائيلي سابق، جاء فيه: “إذا قضينا عشرين عامًا نحارب حماس، لن نتمكن من القضاء عليها أو الوصول إلى آخر صاروخ بحوزتها.” هذه كلمات تُظهر مدى تأثير وأهمية المقاومة التي تقودها حماس، وكيف أن الأحداث الجارية، مثل معركة “طوفان الأقصى”، قد خرجت عن نطاق المعقول، كما قال أحمد الشرع.
القدرة على فهم مثل هذه الأحداث، وقراءتها في سياق تاريخي ومعرفي أوسع، هو ما يجعل أحمد الشرع قائدًا متميزًا. فالرجل الذي يدرس التاريخ ويقرأه بعمق، يمكنه أن يرى الحاضر من خلاله ويستشرف المستقبل..
قال من يقرأ التاريخ يجد أن هذه المنطقة بلاد الشام انهارت على أرضها، أو هزمت معظم الإمبراطوريات العظيمة، هزم الروم في بلاد الشام، هزم الفرس في بلاد الشام، هزمت الإمبراطورية المغولية في بلاد الشام، هزم البريطانيون في سبع حملات صليبية
دراسة التاريخ
القدرة على الاستشراف والتخطيط عبر دراسة التاريخ: أحمد الشرع كان دائمًا يدرس التاريخ بعناية فائقة، وكان ينظر إلى المستقبل من خلال تحليله للمعارك التاريخية الكبرى التي جرت في بلاد الشام. كان يربط بين الماضي والحاضر والمستقبل، ويستفيد من الدروس المستفادة من كل مرحلة تاريخية. وقد أضاء لي في إحدى جلساتنا شيئًا مهمًا جدًا، ربما لم أكن أدركه بهذا الشكل رغم قراءاتي المتعددة. قال لي:
“يا أحمد، إذا قرأت تاريخ بلاد الشام، ستجد أن هذه المنطقة كانت دائمًا محل انهيار أو هزيمة لأعظم الإمبراطوريات عبر التاريخ. هُزِم الروم في هذه الأرض، وهُزِم الفرس في بلاد الشام، وكذلك المغول. تعرضت هذه الأرض لموجات متتالية من الحروب والغزوات، ولكن في كل مرة كانت تُهزم القوى العظمى التي حاولت السيطرة عليها. حتى في الحروب الصليبية، تعرضت الجيوش الأوروبية لهزائم كبيرة هنا في بلاد الشام. وهناك أيضًا الإمبراطورية الفرنسية التي هُزِمت هنا، وكذلك الإمبراطورية البريطانية التي فشلت في فرض هيمنتها في المنطقة.”
دروس تاريخية مهمة: ويضيف أحمد الشرع: “من يقرأ تاريخ هذه الأرض سيدرك أن بلاد الشام كانت وما زالت تمثل نقطة القوة والمقاومة أمام الطغاة. حتى البريطانيون، في عام 1955، لم ينجحوا في فرض سيطرتهم، بل كانت ثورة عز الدين القسام ضدهم بمثابة انتصار رمزي ضد الاستعمار البريطاني الذي كان قد سلم فلسطين لليهود.”
رؤية استراتيجية عبر التاريخ: هذه الكلمات كانت بمثابة رؤية استراتيجية للأحداث الجارية في المنطقة. أحمد الشرع لم يكن فقط ينظر إلى الواقع، بل كان يستند إلى تاريخ طويل من النضال والمقاومة ضد القوى الاستعمارية والإمبراطوريات العظمى التي حاولت السيطرة على بلاد الشام. وكان يعتقد أن هذه المنطقة، التي عرفت الهزائم الكبرى للقوى الاستعمارية، ستحقق مرة أخرى نصرًا، ولن يسمح بتكرار نفس السيناريوهات القديمة التي أدت إلى هزائم هذه القوى.
في هذه اللحظة، أدركت أن أحمد الشرع كان يفكر في المستقبل استنادًا إلى تاريخ طويل من الصمود. وعندما يتحدث عن معركة التحرير، كان يشير إلى هذه الروح التاريخية، مستفيدًا من التجارب التي مر بها أجدادنا في مقاومة الاحتلالات التي مرت على المنطقة.
حتى الإمبراطورية الفارسية التي هُزمت قبل ذلك في الشام، هُزمت مرة أخرى في بلاد الشام. قال: “هذه بلاد مباركة وأهلها كذلك”. وأضاف: “لو نظرت إلى تاريخ بلاد الشام، لوجدت أن هذا التاريخ لم يتوقف، فالمطامع لم تتوقف، والحروب لم تتوقف. لكن الأعداء دائمًا ما يُهزمون في بلاد الشام. نحن على ثقة من ذلك. لا يمكن لأي أحد أن يبقى هنا في بلاد الشام، فالكل سيُهزم. كل إمبراطورية مهما بلغت قوتها، ستُهزم في بلاد الشام”.
بهذه الثقة كان يتحدث معي أحمد الشرع، وجعلني أتأمل بعض الأشياء التي كنت أعرفها، لكن لم أجمعها كما جمعها هو برؤيته الثاقبة حول الإمبراطوريات العظمى التي تساقطت أو هُزمت في بلاد الشام منذ انهزام الروم والفرس. قال الله تعالى: “غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ” (الروم: 2-3). والقرآن عندما تحدث عن هذا، كان يعني معاني كل يوم، حيث أن الذي يجيد قراءة القرآن، ويجيد قراءة التاريخ، ويفهم الواقع، يستطيع أن يستشرف أشياء لا يراها الآخرون. فهو يجمع بين ذاكرة الماضي وفهم الحاضر واستشراف المستقبل.
كما قلت لكم، وأكرر، يرى أن الأحداث الكبرى لا تحدث صدفة، بل هي جزء من خطة كبرى تظل تتكرر عبر الزمان والمكان.
وأن التغيرات الهائلة في بلاد الشام تكمن في أن هذه البلاد مباركة. وأن أهلها إذا ناموا، يستيقظون ليواصلوا جهادهم، وإذا خلدوا إلى النوم، يقومون بتحريرها مجددًا. حجم التفاؤل في هذا عجيب جدًا، وعندما تضع هذه الرؤية أمامك وتحاول فهمها، تجد أن قائدًا خطط لمعركة كبيرة مثل معركة تحرير سوريا، يؤمن بهذا بشكل يقيني، ويعتبره أمرًا مسلمًا به، ويخطط ليكون هو الشخص الذي سيحقق هذا الهدف.
أما عن آخر صفة، فيمكننا القول – وأنا هنا لا أزكي على الله أحدًا، ولا أمدح أحمد الشرع ولا أذمه – ولكنني أقول لكم، شئتم أم أبيتم، هذا الرجل هو الذي حرر سوريا. وبالتالي، ما هي صفات هذا الرجل الذي حرر سوريا؟
نحن بحاجة إلى التعمق في هذه الأمور وعدم التوقف عند السطحيات التي يتحدث عنها الكثير من الإعلاميين. مثل: هذا الشخص تغيرت ملابسه، وهذا حلق لحيته، وذاك ترك شعره ينمو، أو خلع شيئًا. هذه أمور تافهة لا يجب أن ينشغل بها الناس عندما يقيمون القادة الذين يحققون إنجازات عظيمة في حياتهم. حينما تنظر إلى شخصيات مثل السنوار، أو أحمد الشرع، أو الأشخاص الذين قاموا بأحداث غير معقولة في التاريخ والتي لا يمكن قياسها بعقلية تقليدية، يجب أن تركز على الصفات الأساسية والعميقة التي يمتلكها هؤلاء الأشخاص.
من أهم الأشياء التي تكلم عنها باستفاضة أنه وفقه الله كما قال لكسر المشروع الإيراني في المنطقة. وقال الأن انتهى المشروع الإيراني وكسر..إيران اشتغلت على هذا المشروع أربعين عاما. وسقط هذا المشروع في أحد عشر يوما.
آخر صفة سأتحدث عنها هي التواضع والتسامح، وفي نفس الوقت الشدة والحزم. أحمد الشرع شخص هادئ جدًا، وعندما تجلس معه، قد تتساءل: هل هذا الشخص الهادئ هو نفسه الشخص الحازم الذي يندفع في المعارك؟ هل هذا الشخص الذي يتمتع بكل هذا الهدوء والسكينة في كلامه، وفي تصرفاته، هو ذاته الذي يتخذ القرارات الصعبة والحاسمة ليحقق ما استطاع أن يحققه؟
هو بالفعل يجمع بين الهدوء والشدة، ويعرف متى يستخدم كل منهما في الوقت المناسب. حينما قال: “هذا نصر لا انتقام فيه”، كانت هذه العبارة جميلة جدًا، وتحمل معنى عميقًا. أحمد الشرع شخص مثقف بشكل موسوعي، سواء على المستوى المعرفي أو اللغوي. على فكرة، هو كان يدرس الإعلام ولم يكمل دراسته، ثم غادر إلى العراق. لكن، بفضل كثرة قراءاته ودراساته، أصبح قادرًا على بناء أفكار عميقة وصياغتها بأسلوب فريد.
هذا الأمر يأسرني في الأشخاص الذين أجلس معهم، فبجانب ثقافته، يستطيع أحمد الشرع أن ينسج جملًا لغوية عميقة ومؤثرة. بعض الجمل التي قالها لي، والتي كتبتها، أعتبرها منحوتات لغوية. وهو في كتاباته، وفي حديثه، “ينحت” العبارات كما ينحت الفنان الصخور ليصنع تماثيل جميلة.
أقول لكم هذا لأنني أود أن أكمل الحديث حول بعض الأشياء التي تحدثت معه فيها، لكن دعوني أشارككم هذه الأبعاد التي تجعل شخصية أحمد الشرع فريدة بكل معنى الكلمة.
قال لي: “الحرب استعداد وفرصة.” اختصر كل شيء في الحروب بهذا المعنى. أعد نفسك إعدادًا جيدًا، وعندما تجد الفرصة مهيأة، لا تخشَ المعركة في أي وقت. الفرصة تأتي عندما تكون الظروف مهيأة تمامًا. الناس يقولون: لماذا 27 نوفمبر؟ لماذا هذه الفرصة؟ لأن 27 نوفمبر كانت هي اللحظة التي توافرت فيها كل الظروف، الإيرانيون وحزب الله والروس وأوكرانيا والدنيا كلها كانت أمامه مهيأة ليدخل المعركة. هو كان قد أعد لهذه المعركة لمدة عام ونصف أو عامين، وعندما جاءت الفرصة، اقتنصها بكل شجاعة. ولذلك، اختصر لي معنى الحرب في كلمتين: “استعداد وفرصة”.
حينما حدثني عن بعض الأمور، قال لي: “إن أقسى عقوبة يمكن أن يتعرض لها الإنسان هي عقوبة التهجير من بلده. أن تُهجر، أن يُؤخذ منك بيتك وأرضك ومالك، وأن تُجبر على العيش لاجئًا في بلد آخر، هذه عقوبة قاسية جدًا.” وأضاف: “هذه واحدة من أقسى العقوبات التي عانى منها الشعب السوري طوال السنوات الماضية.”
وتابع قائلاً: “عليّ أن أجبر نفوس الناس، وأن أُعيدهم من هذا التهجير الصعب.” من الجمل التي قالها لي والتي كتبتها وراءه: “المهاجرون السوريون كنز. ينبغي أن تغتني سوريا وتبنى بعودتهم.”
اللاجئون السوريون، المهاجرون السوريون، لأنهم هُجِّروا. والمهاجرون هنا هو تعبير قرآني. يا جماعة، عندما تعودون لتفهموا معنى “المهاجرون والأنصار”، ستجدون هذا المعنى بوضوح في القرآن الكريم، خاصة في سور مثل “المائدة” و”التوبة”. في هذه السور، تجدون معاني عميقة وجميلة عن هذا الموضوع. لذلك، هو يحب أن يستخدم تعبير “المهاجرون” أو “المهاجرين” لأنه يحمل معاني قوية.
عندما جاء ليصف المعركة، وصفها لي بكلمات محددة، قال: “معركتنا كانت مزيجًا من العمل الأمني والعسكري.” وأكمل: “كانت معركتنا مزيجًا من العمل الأمني والعمل القيادي. القائد الذي يعرف كيف ينحت، هذا شخص موهوب.” القيادة بالنسبة له هي موهبة وممارسة في آن واحد.
حينما سألته عن أسباب فشل الإسلاميين في ثورات الربيع العربي، قال لي: “الإسلاميون يجيدون ممارسة المعارضة، لكنهم لا يتقنون فن الحكم.” أرى أن هذا الوصف هو التفسير الدقيق والمختصر للمشاكل التي يواجهها الإسلاميون في إدارة الأمور.
أنا بعد بعض الأسئلة التي سوف أجيب عليها، سأرحب بأسئلتكم أيضًا. لكن في نفس الموضوع الذي أتحدث فيه، أريد أن أشارككم ما ذكرته في السابق حول أحمد الشرع. فقد استخلصت من خلال نقاشاتي المطولة معه، ومن خلال قراءاتي عنه، ومن خلال الجلسات مع كثير من الأشخاص الذين يعملون معه، حوالي 20 صفة قيادية تتصف بها شخصيته. هذه الصفات هي جزء من صفات القادة العالميين.
عندما تنظرون إلى أحمد الشرع وقراراته، وكيف يدير الأمور، يمكنكم تطبيق هذه الصفات التي ذكرتها لكم على ما يقوم به.
الآن سأدخل في جانب مهم جدًا، وهو أنني سأبوح لكم ببعض النقاشات التي دارت بيني وبين أحمد الشرع في الجلسة الأخيرة، بعد تحرير كامل سوريا وبعد دخول دمشق. دمشق قد تحررت في 8 ديسمبر، وأنا جلست معه في 9 ديسمبر ليلاً لمدة ثلاث ساعات. سأبوح لكم ببعض ما يمكنني البوح به، ولكن ليس بكل شيء، لأنني سأترك له هو أن يبوح بالكثير في الحوار الذي سيجريه معه إن شاء الله.
من أهم الأشياء التي تحدث عنها باستفاضة هي أنه، وفقًا لما قاله، توفق بفضل الله في كسر المشروع الإيراني في المنطقة. وقال: “الآن انتهى المشروع الإيراني، لقد كُسر.” وأضاف أن إيران التي عملت على هذا المشروع لمدة أربعين عامًا، سقط هذا المشروع في 11 يومًا فقط. كان يتحدث بفخر واعتزاز عن نجاحه في هذا الأمر.
أود أن أنقل لكم ما قاله حرفيًا. كان يتكلم عن هذا الموضوع بالأرقام والإحصاءات، فالقائد لا يتحدث في عموميات بل في معلومات دقيقة. كان يتكلم معي بإحصاءات وأرقام، وشرح لي إدراكه لخطط إسرائيل. وقال: “إسرائيل تريد أن تتعمق في المنطقة، وقد استغلت مظلومية 7 أكتوبر لتتمدد وتدخل إلى سوريا، وتحاول أن تجرنا إلى حرب نحن لسنا مستعدين لها.” الرجل كان لديه أولويات واضحة، ولم يكن يرغب في الدخول في حروب غير مستعد لها.
وأضاف أن إسرائيل الآن مهزومة أمام حماس عسكريًا، ليس لأن حماس تملك بوارج أو طائرات أو دبابات، بل لأن إسرائيل لا تستطيع تدمير الروح المقاومة في سوريا، والتي كانت قادرة على مقاومة الاحتلال وتحقيق انتصارات عسكرية رغم الفجوة في القدرات العسكرية. كان يتحدث بوعي كامل عن خطط إسرائيل، وكأن مراكز الدراسات في أمريكا وغيرها تقدم له دراسات متعمقة وهو يتحدث، فهو يتحدث برؤية واضحة وفهم عميق لما يدور حوله.
خريطة سوريا، كما أشار، هي خريطة معقدة من الناحية العرقية والدينية والمذهبية والجغرافية والتاريخية. أحمد الشرع بسط لي هذه الخريطة، وكان يتحدث عنها وكأنه يدرك كل سنتيمتر فيها، وكل شخص فيها، وكل انتماء ديني أو مذهبي. وقال لي: “سوريا يا جماعة مليئة بالملل والنحل، لا تتخيلون مدى التنوع فيها. العلويون مثلاً ليسوا فئة واحدة؛ هناك مرشدون وعلويون بآراء واهتمامات مختلفة. وكذلك المسيحيون، هناك سريان وغيرهم.” كان يشرح هذا التنوع الكبير بين الطوائف والمذاهب في سوريا.
وفي الوقت نفسه، كان يوضح لي أنه أصبح رئيسًا للجميع، وأنه لا بد أن يتعامل مع الجميع بإنصاف. لا يمكن أن يميز بين أحد. قلت له: “يا أبو محمد، رصدت لك عدة تصريحات كنت تقول فيها: ‘من حق السنة أن يكون لهم دولة في سوريا.'”
قلت له: “هل تريد أن تقيم دولة طائفية سنية بديلة للدولة الطائفية العلوية؟” فقال: “أعوذ بالله، ما عاذ الله، لا، لا، لا، ما قصدتُ هذا على الإطلاق.” وأضاف: “لكن هذا التصريح كان له سياق، كان سياقه أننا كأهل سنة كنا في مظلومية كبيرة. والبلد في الأصل سني وبلد شافعي، ولكن استولى عليها الإيرانيون وحاولوا تغيير المذهب بمساعدة العلويين الطائفيين النصيريين.”
ثم تابع قائلاً: “لذلك، عندما أطلقت هذا التصريح، كان في سياق الحديث عن هذه المظلمة. ولكن، الآن، لن يكون لسوري فضل على سوري، ولن أميز أحدًا عن الآخر. كل ما يجمعنا هو المواطنة. لأن الوضع قد تغير الآن بعد تحرير البلاد، ولم يعد أحد يستولي عليها.”
ثم عاد ليؤكد على فكرة قالها لي سابقًا: “الإسلاميون يعرفون كيف يعارضون، لكنهم لا يعرفون كيف يحكمون.” وكان قد جاء من تجربة حكم مباشرة، كما ذكرت لكم في حديثي عن إدلب، وسأروي هذه القصة في حلقة مستقلة لاحقًا.
سألته في تلك الجلسة: “يا أبو محمد، أنا أتعجب لسلوكك في اليوم الأول من دخولك. إذا وصفناك بالقائد الفاتح أو المنتصر، قمت بثلاثة أشياء أرجو أن تشرحها لي. أولًا، حينما دخلت، سجدت سجدة شكر لله سبحانه وتعالى على توفيقه. وهذا مقبول، لأن القائد يجب أن يسجد لله شكرًا على النصر. ولكن الشيء الثاني الذي فعلته كان أن ذهبت إلى المسجد الأموي، وهو مسجد عام، وجلست في وسط الناس، وصليت معهم، ثم ألقيت خطبة في المصلين. هذا تصرف يحمل رمزية كبيرة يا جماعة. سأتركه هو يروي لكم تفاصيله في وقت لاحق، لأن له تفسيرًا عميقًا.
لكنني سأشرح لكم الشيء الثالث الذي قام به. تعرفون…”
كيف استرد الشرع بيته من مغتصبيه
ثالث شيء قام به أحمد الشرع بعد صلاته في المسجد الأموي قال لي أحمد الشرع: “بعد أن صليت العصر في المسجد الأموي، توجهت مباشرة إلى بيت أمي وأبي. توجهت إلى بيتي حتى أرسل رسالة لكل سوري في الخارج، أن بيته الذي صادره النظام يجب أن يستعيده. هذا حق كل مواطن.”
كان لديه فلسفة عميقة حول التملك، ورؤية واضحة حول حق الفرد في ممتلكاته. كان يؤمن أن الحاكم ليس من حقه مصادرة ممتلكات المواطنين، بل يجب أن يعاقبوا على الأفعال التي ارتكبوها دون المساس بممتلكاتهم.
في سوريا، كان النظام يصادر أملاك وبيوت كل من يعارضه. في العام 2012، بعد أن أصبح أحمد الشرع بارزًا في المعارضة، صادر النظام بيته، كما صودر بيت العديد من السوريين. استولى النظام على بيته ومنحه لشخص تابع له. فذهب أحمد الشرع مع بعض الحراس إلى المكان، وصعد إلى الطابق العاشر.
روى لي أحمد الشرع قائلاً: “طرقت باب الشخص الذي استولى على بيتي، فوجئ حين رآني. قلت له بأدب شديد: هذا بيت أمي وأبي، لهم فيه ذكريات، وأنا لن أطردك منه الآن، ولكن عليك أن تجد لك مكانًا آخر في الأيام المقبلة.”
على الرغم من أنه كان بإمكانه أن يطرد هذا الشخص بالقوة، إلا أن أحمد الشرع تعامل مع الموقف بحكمة وأخلاق إسلامية. وقال: “أنا لن أطردك الآن، لكن هذا البيت هو ملك لي ولأهلي.”
هذا التصرف يعكس تعاليمه التي كان يوجهها لكل من حوله: “نصرٌ لا انتقام فيه.” كان دائمًا يوجه جنوده والمجاهدين بعد تحرير المدن أن يتركوا العدو، وأن يعلنوا لهم: “اذهبوا فأنتم الطلقاء، حول العفو العام والعدالة في موضوع العفو، سألته: “أنت أصدرت عفوًا عامًا، هل ستعفو عن الجميع؟” فقال لي: “لا، كل من ولغ في دماء هذا الشعب وأذى هذا الشعب لا بد أن يحاسب. لكن العفو العام هو لعموم الناس، أن يعودوا إلى وظائفهم، لأن البعض قد أجبروا على القتال أو كانوا مغررًا بهم.”.”
ثم سألته: “هل تعني بذلك أنكم لن تعفوا عن بعض الأشخاص حتى لو تعلقوا بأستار الكعبة؟” فضحك وقال: “حتى لو تعلقوا بأستار الكعبة، لن نعفو عنهم.”
هذه المقولة تظهر توازنًا بين الرحمة والشدة، بين العفو عن الأبرياء والحزم مع الذين ارتكبوا جرائم بحق الشعب السوري.
حدثني أحمد الشرع عن دمشق في عام 2015، وقال: “دمشق لها مكانة كبيرة عندي. كانت ولا تزال في قلبي. لا يمكنني أن أنسى أنني نشأت فيها، وترعرعت في شوارعها. لكن عندما تتهجر من وطنك، تشعر بمرارة شديدة. تلك المدينة التي تعتبرها جزءًا من روحك تصبح بعيدة عنك.”
أحمد كان ينسج كلامًا عميقًا جدًا عن دمشق. وقال لي: “كل سوري لا يستطيع أن ينكر أنه عندما يرحل عن دمشق، يشعر بفقدان عميق، ليس مجرد مكان، بل ذكريات وأشخاص وأيامًا كانت جزءًا من حياته.”
وبالرغم من مرارة التهجير التي عاشها، أصر على أن يكون هو السبب في عودة هؤلاء المهجرين إلى وطنهم.
فلسفة عن التهجير في حديثه عن التهجير، قال أحمد الشرع: “التهجير هو أقسى عقوبة يمكن أن تطبق على الإنسان. أن تُجبر على مغادرة بيتك وبلدك، هذا أكبر ظلم يمكن أن يتعرض له الشخص. وأنا، شخصيًا، عشت معاناة التهجير وأعرف ما يعني أن تُجبر على ترك وطنك.”
كان متأثرًا جدًا بمعاناة اللاجئين والمهاجرين، وحرص على أن يعيدهم إلى ديارهم ويعوضهم عن ما فقدوه.
عن حكومة بشار الأسد، عندما سألته عن لقاءه مع رئيس حكومة بشار الأسد، قال لي: “جلست معه ساعة ونصف، وكان حديثًا مؤثرًا. أخبرني أن بشار الأسد لم يجلس مع أي شخص بهذه الطريقة طوال فترة حكمه. النظام كان عبارة عن عصابة من اللصوص، وكان يتعامل مع هموم الناس بشكل شكلي، لكنه كان يسرق البلد ومواردها.”
وأضاف: “سوريا دولة غنية، ولكن كانت تُنهب مواردها. الكهرباء كانت تأتي ساعتين فقط في اليوم، والباقي من اليوم كانت الشوارع مظلمة. هذا كان جزءًا من سياسة إذلال الشعب السوري.”
ثم تحدث عن الفساد الكبير الذي كان يعصف بالحكومة السورية، وقال لي: “رئيس البنك المركزي السوري راتبه لا يتجاوز 350 دولارًا، بينما في نفس الوقت كان الوزراء ورئيس الوزراء يتقاضون رواتب منخفضة جدًا، في حين كان الفساد يعم البلد بشكل غير مسبوق.”
كانت هذه الظروف هي التي جعلت الفجوة بين الشعب والنظام تتسع بشكل كبير.
أما عن المعركة من أجل تحرير سوريا، قال لي: “المعركة لم تكن معركة ردع لعدوان خارجي، بل كانت معركة تحرير. تحرير سوريا من النظام ومن الطائفية التي زرعها.”
وأشار إلى أنه سيروي لي عن معركة تحرير سوريا في حلقة خاصة، حيث ستُعرض تفاصيل ما جرى وكيف تمت تلك العمليات بالتعاون مع حلفاء مختلفين..
حول الجيش السوري: “الجيش لم يختفِ، بل كان هناك تفكيك وتغيير في أسلوب القتال.”
حول إعادة إعمار سوريا: “سنبحث في مسألة تقديم مساعدات للسوريين في الخارج، لكن هذه ستعتمد على أولويات الحكومة في المرحلة المقبلة.”
حول وجود القوات الروسية في سوريا: “سوريا طلبت بقاء القوات الروسية، ولكن المستقبل سيحدد شروط بقائهم
الأبراج الهائلة التي يملكها الأسد في روسيا والفخامة والأشياء الفخمة باسمه. يوجد في في دول أوروبية كثيرة من الدول التي تحفظت على الأموال. أموال كثيرة.
قال أحمد الشرع في ختام حديثه: “سوريا بلد غني، ولكنها كانت تُسرق. أملنا أن تعود هذه البلد إلى ما كانت عليه وأن يحصل الناس على ما يستحقونه من حقوق.”
الرد على تساؤولات المشاهدين
سأبدأ بالإجابة على بعض الأسئلة التي كانت قد وصلتني من المتابعين، مثل:
حسن جواد الخفاجي من العراق يقول الجولاني دمر الكثير من العوائل العراقية بقتل الكثير منهم أثناء دخول داعش الإرهابي إلى أراضيها. يعني شوف كل هذه الأشياء أنا سأتناقش معه في تفاصيل كثيرة إن شاء الله من هذه الأشياء، ولكن أنت من حقك ومن حق كل إنسان التواصل الاجتماعي مفتوح والناس تقول أشياء لا نهاية لها، حتى هم يتهموه الأن أنه يعذب الناس في إدلب ولديه سجون في إدلب، وسألت أنا بعض من يعملون معه في هذا الأمر، فقال أنه أخرج معظم المساجين الذي في إدلب إلا من عليه دم أو عليه جريمة، هذا من الصعب أن يقرأوه لأنه هناك محاكم شرعية في إدلب تحكم بالمذهب الشافعي هي التي كانت.
وحينما نتحدث عن جمهورية إدلب سأروي لكم بعض التفاصيل في هذا الأمر.
سعيد السملالي من المغرب يقول ألا ترى أن السيد الشرع يتبنى الفكر الإخواني الذي انتقده منذ سنوات، وأنه راجع أفكاره التي أدلى بها؟ كما قلت لك كما قلت لكم يا جماعة هذا رجل يعني يجيد قراءة الفقه، الفقهاء الفقهاء كانوا يغيرون في أحكام الفقه بناء على الظروف وعلى الواقع وعلى الأشياء. الذي يجيد قراءة المسيرة السياسية والسير الذاتية للسياسيين حينما تقرأ فيها لا تجد السياسي جامدا. الذي يكون جامدا في موقف يغيره فيما بعد. والسياسة ليست من أصول الدين لمن يريد أن يفهم. السياسة ليست من أصول الدين الدين شيء، وممارسة السياسة شيء. ولهذا الرسول صلى الله عليه وسلم لم يفرض على المسلمين من من يحكمهم من بعده؟ لم يفرض عليهم أبو بكر الصديق رضي الله عنه، وإنما هم الذين اختاروا أبو بكر الصديق وبايعوه في السقيفة، وأبو بكر الصديق لم يفرض على المسلمين عمر بن الخطاب. يعني كل هذه الأشياء مهم أن ندرك أن السياسة ليست من أصول الدين، ..لا يوجد في السياسة أحكم الناس ب ولكن بالقواعد طبعا القواعد الشرعية عشان الناس ما تفهم كلامي بشكل خاطئ. أذكر حينما حدثني عن دمشق وأسال مدامعي تذكرت قول الرسول صلى الله عليه وسلم حينما أخرج من مكة، لم أتكلم معه وقتها لأني كنت أتركه يسترسل في الكلام والله يا مكة إنك لأحب البلاد إلي، ولولا أن أهلك أخرجوني منك ما خرجت. دائما يعني مراتع الصبا والطفولة والنشأة تظل.
يظل الإنسان به حنين شديد إليها ورغبة في أن يعود إليها.
ليلى من السويد تقول. نحن السوريون المهجرون منذ سنين. ماذا بإمكاننا فعله؟ هل هناك أشياء تطوعية يمكننا الإنضمام إليها؟ أعتقد أن الحكومة السورية الأن التي تدير المرحلة هذه يمكن أن تتابعي المطالب معها وتعرفي ماذا يريدون.
عبد الجليل الأمين كيف سيكون رد الجيش السوري على ألة البطش الإسرائيلية؟ الجيش السوري، لا يوجد بيعيدوا تشكيل الجيش مرة أخرى بيعيدوا تشكيل كل شيء. الجيش السوري هزم وشتت وأحمد الشرع قال لن أكرر خطأ الأمريكان بحل الجيش العراقي وإنما سأبقي كل مؤسسات الدولة ودعا الناس للرجوع، وأذكر أنه في بعض المدن الناس رجعت ثاني يوم وثالث يوم، يعني في دمشق الناس رجعت تاني يوم للشغل ربما أول يوم 8 الناس ما راحوا. لكن الناس بدأت تعود لأعمالها من اليوم التالي مباشرة.
خالد العتيبي من الكويت. ما مصير المقاتلين الأجانب السعوديين الجزائريين المتواجدين في سوريا؟ لا أعرف.
أحمد عبد الفتاح من مصر. موقف الشرع من الاحتلال الصهيوني؟ قلت لكم يا جماعة الراجل تكلم عن إسرائيل ومطامعها معي بشكل مستفيض، وحينما نحاوره إن شاء الله ويطلع الحوار إلى الناس سيكون موضوع إسرائيل رئيسي وجوهري في النقاش معه وتسمع منه أرائه في هذا الموضوع.
سيف من ليبيا. هل سيكون هناك قنوات تواصل بين الحكومة الانتقالية والدول التي سببت أزمة في سوريا خصوصا الأردن والعراق والإمارات؟ أنا التقيت مع وزير الخارجية الجديد في الحكومة الجديدة، وقال التقيت يبالسفراء، وكان بينهم سفير العراق قال أنا السفير العراقي في سوريا. سلم علي السفراء كلهم كانوا موجودين. سفير الإمارات كان يجلس. سفير مصر كان جالس. السفراء كلهم كانوا يجلسون. حينما التقيت معه قال كان لقائي بالسفراء كان ممتاز ومتميز. وكلهم أبدوا استعداد سفير السعودية أو سفير الإمارات السفراء كلهم. وطبعا قطر طبعا من الدول التي كانت تقطع العلاقات. وقطر هي الدولة العربية الوحيدة التي لم ترحب بنظام الأسد وأغلقت السفارة السورية وهي الوحيدة التي كان هناك سفارة للحكومة المؤقتة موجودة فيها.
عبد الغني يعقوب من سوريا ما شاء الله كويس أن الناس تشوفنا من سوريا. هل القوى المسلحة في سوريا متوقعة؟ سيناريو يشبه سيناريو مصر بعد وصول الإخوان للسلطة؟ لا، الوضع مختلف، الوضع مختلف لأن الوضع في مصر هو أن الجيش هو الذي استولى على السلطة. النظام لم يسقط، الذي حدث في سوريا غير الذي حدث في مصر وأماكن أخرى، الذي حدث في سوريا هو أن النظام سقط وليس رأس النظام.
ما حدث في مصر أن رأس النظام هو الذي سقط. الثورات تزيل الأنظمة والحركات أو التحركات تزيل رأس النظام. تبقى لها مطالب محدودة وتزيل رأس النظام. ما حصل في مصر غير اللي حصل في سوريا. سوريا الأن في يد الثوار. ليست في يد جيش النظام أو في أي حد من النظام. وهي التي ستحدد من الذي سيعود من النظام السابق ليصبح جزءا من المنظومة الجديدة.
أنس من المغرب تجاوزه للمواقف المعادية لبعض الدول الكبرى من باب قوة أو من باب اضطرار ؟؟ ما وقع عليه من باب السياسة يا أخي. وبعدين أنت الأن حينما تكون في المعارضة أنا قلت لكم هو يقول لي المعارضة غير الحكم حينما تكون في السلطة تقديراتك لكل شيء تنقلب 180 درجة حينما تكون في. المعارضة. الكلام. تستطيع أن تقول ما تريد فيه.
عبد الله من وجدة المغربية. ما طموحات أحمد الشرعي ؟ كان طموحه حينما لقيته في العام 2015 أن يحرر سوريا، أما طموحه حينما لقيته في 8 ديسمبر 2024 هو أن يعيد بناء سوريا. هذا طموحه.
خميس ناجي من سويسرا. ما شكل الدولة التي يراها في سوريا المستقبلية؟ هو قال سيترك هذا للشعب أن يحدده.
محمد من تشاد يقول كيف سيكون مستقبل سوريا بوجود القواعد الأجنبية؟ وما نوع الحكم فيها؟ أعتقد أن كل شيء سيدرس وكل شيء سيتم تناوله في الفترة القادمة.
أطلت عليكم. يبدو أننا تجاوزنا الوقت بقليل.
أشكركم. شكرا جزيلا وألقاكم بعد يومين إن شاء الله في حلقة جديدة نتحدث فيها عن أسرار معركة التحرير في سوريا، وهذا أحمد منصور يحييكم، وأشكركم على البقاء معنا، والسلام عليكم.
محاور الحلقة
00:00 المقدمة.
3:04 إدارة إدلب.
7:01 صفات القيادة لدى أحمد الشرع..
15:29 سعيه لرد المظالم في إدلب.
22:36 هدية أحمد الشرع لأحمد منصور.
26:25 البراغماتية العالية.
31:59 لقاء أحمد منصور مع الشرع يتجدد في دمشق.
40:44 التخطيط والتنفيذ الدقيق.
43:05 مقارنة بين الشرع ويحيى السنوار.
48:39 الرؤية الإستراتيجية وخطة الفتح.
50:33 يحيى السنوار وطوفان الأقصى.
54:18 حلم بناء سوريا.
57:07 تصفير المشكلات.
1:00:11 فهم حاجات الناس.
1:06:15 دراسة التاريخ.
1:11:55 نصر لا انتقام فيه.
1:22:11 كيف استرد الشرع بيته من مغتصبيه.
1:25:13 عفو مشروط .
1:26:58 قيمة الوطن عند المهجرين.
1:30:12 لقائه مع رئيس الحكومة في نظام بشار الأسد.
1:34:09 الرد على تساؤولات المشاهدين.