التصويت ضد الحزب الحاكم في مصر

لم تكن نتيجة الجولة الأولي من الأنتخابات البرلمانية المصرية رغم كل ما شابها من انتقادات إلا دليلا علي أن انتخابات نزيهة فى مصر يمكن أن تحمل مفاجآت لا يتوقعها أحد ، فالأخوان المسلمون الذين كانوا يتوقعون فى تصريحات مسئوليهم الحصول على أربعين إلي ستين مقعدا فى كافة المراحل الأنتخابية حصلوا فى الجولة الأولي وحدها على 34 مقعدا أي ما يوازي 20% من عدد المقاعد التى جري الأقتراع عليها ، ومع تقدير المراقبين بأن الحزب الوطني الحاكم قد اختار فى الجولة الأولي المحافظات الثماني التى يحظي فيها بالشعبية الكبيرة ، والتى يحظي الأخوان والمعارضة فيها بشعبية أقل ، فإن النتائج جاءت مخيبة تماما لآمال الحزب الحاكم وتوقعات القائمين عليه ، فقد فشل مائة مرشح من بين مائة وأربعة وستين قدمهم الحزب الحاكم للناخبين مما يعني أن النسبة الحقيقية لنجاح الحزب الحاكم لم تتجاوز 39% ، لكن الحزب مارس لعبة الخداع السياسي التى مارسها فى الأنتخابات السابقة ، وهي ضم المستقلين الناجحين و الذي سبق وأن رفض ترشيحهم على قائمته فدخلوا مستقلين ونجحوا ، ثم الأعلان أنهم كانوا من مرشحي الحزب وهذا نوع من الخداع السياسي يمارسة الحزب الحاكم ليقفز من خلاله على الفشل الحقيقي الذي حققه فى الأنتخابات ، وبجردة سريعة حتى للنتائج العامة التى أعلنها الحزب بعد ضم المستقلين إليه ، نجد أن غالبية المصوتين لم يصوتوا للحزب الحاكم كحزب صاحب مشروع أو مباديء وأفكار وإنما صوتوا لأشخاص يقدمون لهم خدمات أو أموال أو غير ذلك من الوسائل التى من المنتظر أن ينظر القضاء فيها بعدما كان شراء الأصوات يتم بشكل علني ووصل فى بعض الدوائر إلي أكثر من مائة جنية ، وهذا مبلغ فى عرف البسطاء من المصريين يعتبر كبيرا وقد اتبع مشتروا لأصوات طرقا ووسائل جديدة للتأكد من تصويت الناخب لهم ، من أبرزها تصوير البطاقة بعد التصويت عليها بكاميرا الهاتف النقال التي يزوده بها أنصار المرشح والتأكد بعد خروجه من اللجنة أنه قد منح صوته بالفعل للمرشح ، وقد تعدت الأسعار فى تلك الدوائر حاجز المائتي جنيه ، وقد أبلغني أحد الأصدقاء من مقاولي البناء أنه فوجيء فى يوم الأنتخابات بأن معظم العمال الذين يعملون فى مشروعاته لم يباشروا العمل وتغيبوا ، وحينما سألهم فى اليوم التالي فوجيء أنهم جميعا ذهبوا للمشاركة فى العملية الأنتخابية ، وحينما قال لبعضهم هل المشاركة فى الأنتخابات أهم من أرزاقكم ؟ قالوا إنها أحد أسباب الرزق أيضا فقد حصل بعضنا على مائة جنيه في اليوم الواحد من جراء بيع أصواتهم لبعض المرشحين ، فيما حصل آخرون علي أكثر وان هذا المبلغ هو ضعف المبالغ التي يحصلون عليها فى أعمالهم ، وهذا يكشف أيضا بعدا اجتماعيا خطيرا كان بارزا فى عمليات التصويت حيث أن الوضع الأقتصادي المزري الذ ي يعشه كثير من البسطاء جعلهم ينظرون نظرة اقتصادية للمسألة ، ورغم أن بعض المرشحين أنفقوا الملايين إلا أنهم رسبوا ، وكان من الطرائف التى لاقيتها وأنا أتابع بشكل مفصل تقارير الصحف عن النتائج صباح الأربعاء 16 نوفمبر كانت صفحة الحوادث فى صحيفة ” المصري اليوم ” تنشر خبرا عن الحكم الصادر بحق أمين شباب الحزب الوطني فى منطقة طرة والحكم عليه بالسجن 28 عاما في عشر قضايا تتعلق بالنصب والسرقة ، ولعل نوعية مثل هذا المسئول داخل الحزب كانت من أبرز العوامل السلبية أيضا حيث تحدث الكثيرون عن تجار مخدرات ، وأسماء مشبوهة دخلت تحت قائمة مرشحي الحزب مما أساء إليه وصرف الناس عن التصويت لهم ، وكان من أبرز الطرائف أن أحد المرشحين في إحدي دوائر وسط القاهرة الذين رفض الحزب إعلانه مرشحا على قائمته حصل فى الجولة الأولي على أعلي الأصوات ضد مرشح الحزب الذي خسر ، فما كان من الحزب إلا أن سماه فى الأعادة كمرشح للحزب ، فما كان من الناخبين إلا أن تخلوا عنه وأعطوا المرشح الآخر المنافس له ، وهذا المؤشر كان دليلا علي أن التصويت كان ضد الحزب الوطني ، ولأن الأخوان كانوا الأكثر تنظيما وتأثيرا على الناس فقد منحهم الناخبون أصواتهم مما جعل الأخوان يحصدون فى الجولة الأولي مقاعد بحجم كل ما توقعوه فى الجولات جميعها ، وضعف ما كان لهم فى البرلمان السابق ، وإذا سارت كل من الجولة الثانية والثالثة على وتيرة الأولي رغم كل ما شابها من انتقادات فهذا يعني أن الأخوان قد يحصلوا على مائة مقعد فى مجلس الشعب ، وهذا أمر له دلالات وأبعاد سياسية تحتاج إلي قراءة عميقة ، لكن ما حدث فى النهاية كان مؤشرا خطيرا إلي أن الحزب الوطني الحاكم كان هو الخاسر الأكبر فى هذه الأنتخابات .

Total
0
Shares
السابق
عبد الله النفيسي

عبد الله النفيسي : تدويل القضايا العربية ومحاولات الهيمنة الأمريكية

التالي

تحديات انتصار حركة حماس

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

Total
0
Share