أوهام مؤتمر الخريف

تتبدي أوهام مؤتمر الخريف للسلام الذي دعا إليه الرئيس الأمريكي جورج بوش حتى قبل أن يحدد موعده أوجدول أعماله أو الدول المدعوة إليه ، وبغض النظر عن الأنتقادات التى وجهت للمؤتمر من المعارضين فهي أمر طبيعي إلا أن الغريب فى الأمر أن المهرولين إلي المؤتمر ينتقدونه حتى قبل أن يشدوا الرحال إليه مما يعني عدم قناعتهم به أو بنتائجه التى من المقرر ـ كما يشير كثير من المراقبين ـ أن تصب في النهاية لصالح إسرائيل ، فالتنازلات من قبل السلطة الفلسطينية بدأت قبل أن يحدد موعد المؤتمر من خلال التخلي يوما بعد يوم عن قضايا الحل النهائي وتحويل الهدف من المؤتمر إلي أن يكون مجرد نقطة بداية لاستئناف المفاوضات ومن ثم انتظار ما يمكن أن يمن به الأسرائيليون علي الفلسطينيين ربما ببعض الأجراءات وليس التنازلات ، فرئيس الوزراء الأسرائيلي أولمرت الذي يخضع لتحقيقات بالفساد ويعاني من مشكلات كبيرة أضعف من أن يقرر منح الفلسطينين أي شيء رغم العلاقة الخاصة التى تربطه برئيس السلطة محمود عباس والتى أشار إليها الصحفي الأسرائيلي بن كاسبيت المعلق السياسي لصحيفة معاريف الأسرائيلية فى 30 سبتمبر قائلا : ” إن هناك قصة حب حقيقية علي المستوي الشخصي بين أبومازن وأولمرت ، هناك غرام بين الأثنين ، وتدليل واحترام متبادل ، وإدراك للمصاعب الداخلية فى كل جانب باختصار هناك انسجام ممتاز ومحادثات طويلة فى عمق الليل ” ، لكن هذا الغرام ومحادثات عمق الليل لن تصب في النهاية ـ كما يري كثير من المراقبين ـ إلا في صالح إسرائيل ، ففي هذا اللقاء فاجأ أبومازن أولمرت بأول تنازل عن أكبر حق من حقوق الفلسطينيين وهو حق العودة قائلا : ” متي سمعتني أطالب بحق العودة لإسرائيل ، نحن نطالب بحق العودة لفلسطين ، وأين فلسطين ؟ هذا ما سنتفق عليه ” ، وقد أكد محمد بركة العضو فى الكنيست الإسرائيلي بعد لقاء ضم عباس مع أعضاء الكنيست العرب في 10 أكتوبر الجاري أن ” هناك صيغة معينة لحل قضية حق العودة ، وأشار إلي وجود انطباعات لديه بأن يتم الأتفاق علي عودة ة 120 ألفا إلي 200 ألف فلسطيني فقط لأراضي 48 كما كان مطروحا فى كامب ديفيد عام 2000 ، وليس أربعة ملايين ونصف المليون لاجيء ” وهو عدد الفلسطينيين الذين لهم حق العودة ، وقد توافق هذا ما نشرته صحيفة ” يديعوت أحرونوت ” الإسرائيلية في 8 أكتوبر الجاري من أن إسرائيل قد رصدت مبلغ مائة مليون دولار من أجل التسويق لخطة شطب إعاد ة اللاجئين ، هكذا بدأت مسيرة التنازلات قبل أن يحدد موعد المؤتمر فما بالنا بما هو قادم ، إن هم محمود عباس هدفه هو تحقيق أي شيء حتى لو مجرد الاجتماع مع الإسرائيليين معتقدا أن ذلك يقوي موقفه في مواجهة حركة حماس والمعارضين له ، في الوقت الذي يبدوا فيه كبير مفاوضيه وهو أحمد قريع متخبطا فى تصريحاته ، ففي الوقت الذي انتقد فيه قريع قريع فى تصريحات نشرتها صحيفة القدس العربي فى 8 أكتوبر الجاري المؤتمر والداعين إليه واتهم واشنطن بعدم الوضوح قائلا ” إن هناك بعض الوضوح غير التام حتى من قبل الداعين للمؤتمر واللجنة الرباعية فلم تتحدد بعد أجندة هذا المؤتمر ولم يتحدد بعد ما ستضمنه وثيقة الدعوة فالمفروض أن يقال أنت مدعو إلي مؤتمر لمناقشة أو لأقرار أو للموافقة أو لأبداء الرأي حول القضايا التالية ” في نفس الوقت أظهر وكأن كل شيء و اضح وفي انتظار التوقيع النهائي حيث قال ” إننا لن نبدأ المفاوضات مع الإسرائيليين من الصفر وأن صورة الحل باتت واضحة للطرفين والمطلوب وضع هذه الصورة فى اتفاق ” هكذا في تناقض تام وفي تصريحات متناقضة أظهر أبو العلاء أن حل القضية لم يعد يحتاج سوي جلسة شاي يتم وضع الصورة النهائية فى اتفاق ، في نفس الوقت الذي أظهر فيه أن الدعوة للمؤتمر ضبابية وأن الطرف الفلسطيني في انتظار ما سوف يقرر له وأنه ليس شريكا فى تحديد حتى جدول أعمال المؤتمر ، ومع بداية المفاوضات السرية بين الطرفين الأسرائيلي والفلسطيني في مكان مجهول خرج أبو العلاء فى 10 أكتوبر ليعلن أن توصل إلي ” حل سحري ” يقضي بتبادل نسب من أراضي الضفة مع الأسرائيليين لكني مع البحث والتحري عن الخبر وجدت أن هذا لم يكن حلا سحريا من أبو العلاء وإنما هي مقترح أعلنه قبل يومين أفيغدور ليبرمان رئيس حزب إسرائيل بيتنا الصهيوني المتطرف في 8 أكتوبر حيث قال إن حزبه يوافق علي مقايضة أراض وسكان مع السلطة بما في ذلك مقايضة مخيمات اللاجئين الموجودة فى منطقة نفوذ القدس بالكتل الاستيطانية في الضفة الغربية ، وفيما كان أبوالعلاء يردد نفس مقولة ليبرمان ويسوقها علي أنها مقترح فلسطيني كانت إسرائيل تعلن مصادرة ألف ومائة دونم من الأراضي الفلسطينية في أربع قري تحيط بالقدس كبادرة علي نواياها من وراء مؤتمر الخريف والمفاوضات السرية التى عادة ما ينتج عنها تسويق المقترحات الأسرائيلية وهذا ما أكد عليه الدكتور سلمان أبوستة السكرتير العام لمؤتمر حق العودة حيث أكد لي في حوار أجريته معه في 10 أكتوبر أنه أثبت بالوثائق أن كل ما يقوم رجال السلطة الفلسطينية بتسويقه من مشاريع هي في الأصل مشاريع إسرائيلية وساق عشرات الأمثلة علي ذلك ، إذن نحن أمام مسيرة جديدة من التنازلات ، يمكن أن تحسم فى ستة أشهر كما أعلن أبومازن ، لكن كثيرا من المسئولين العرب ممن عادة يركضون وراء الأحلام ومنهم عمرو موسي الأمين العام للجامعة العربية الذي تساءل في 10 أكتوبر عن جدوي المؤتمر وفعاليته بعد مصادرة إسرائيل للأراضي يؤكدون علي أن مؤتمر الخريف وما سوف يتمخض عنه لن يكون سوي دربا من الأوهام .

Total
0
Shares
السابق

تتويج مسيرة الفشل

التالي

الاهتمام الأمريكي بإفريقيا

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

Total
0
Share