الاهتمام الأمريكي بإفريقيا

” لقد آن الأوان لكي يضع الأمريكيون إفريقيا الجديدة على قائمة خريطتهم ” هذه الصيحة الـتى أطلقها الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون بعد زيارته التاريخية التى قام بها لعدة دول إفريقية خلال شهري مارس وإبريل من العام 1998 واستمرت اثني عشر يوما ،كشفت عن المخطط الأستراتيجي الجديد للولايات المتحدة تجاه إفريقيا و كان لها ما بعدها ، فقد قامت وزيرة الخارجية السابقة مادلين أولبرايت فى أعقابها بزيارة لعدد من ا لدول الإفريقية فى شهر أكتوبر من العام 99 ، ثم قام الرئيس الأمريكي الحالي جورج بوش الأبن بزيارة أخري لعدة دول إفريقية فى شهر يوليو من العام 2003 ليتابع ما كان قد قام به كلينتون ، وقد انعكس الأهتمام الأمريكي بإفريقيا خلال تلك الفترة على سياستها تجاه القارة بشكل عام وتجاه دول القرن الأفريقي والساحل بشكل خاص وطرح تساؤلات عديدة حول سر ذلك الأهتمام ؟ فالولايات المتحدة التى لم تتحرك مطلقا من أجل القضايا الأنسانية تتحرك الآن بقوة وتحشد العالم من أجل مشكلة دارفور ، بعدما تحركت لسنوات طويلة من أجل مشكلة جنوب السودان ومنحت الجنوبيين بمشاركة دولية حق تقرير المصير ، واتضح أن سر ذلك التحرك هو أن معظم احتياطات النفط في السودان تقع فى مناطق الجنوب ومن ثم فإن عزل جنوب السودان عن شماله سوف يسهل لها الحصول علي النفط دون الدخول في مشكلات مع السودان التى لا تحتفظ بعلاقات ودية مع الولايات المتحدة ، لاسيما وأن 65% من نفط السودان تحصل عليه الصين الآن التى تعتبر المناويء الرئيسي للولايات المتحدة ، كما أن الشركات الصينية هي التى تلعب الدور الرئيسي فى استخراج نفط السودان ، ولم تدخل الصين على السودان فقط وإنما اكتشفت الصين أن قارة إفريقيا لازالت هي المعين الذي لاينضب لخيرات الدنيا من النفط والغاز والمعادن النفيسة بكل أنواعها وعلي رأسها الماس ، فوجهت كما ضخما من استثماراتها إلي هناك ولعل هذا ما دفع الولايات المتحدة أن ترمي بثقلها فى المنطقة وأن تحول ـ كما يقول سياسيوها ـ دون أن تقع إفريقيا تحت أيدي الأنظمة الأرهابية ، ولعل هذا ما دفعها إلي أن تحرك إثيوبيا ضد نظام المحاكم الأسلامية الذي استطاع أن يبسط يده علي معظم أرجاء الصومال خلال فترة وجيزة ، ولأول مرة منذ تدخل الولايات المتحدة فى الصومال عام 1992 يشعر الصوماليون بالأمن ، والآن نجد الصومال علي شفا حرب جديدة حيث تتهم المحاكم الأسلامية الولايات المتحدة بأنها هي التى تدفع إثيوبيا لحربها ، والصورة فى القرن الأفريقي لا تختلف كثيرا عن الصورة فى أماكن كثيرة من قلب القارة لاسيما دول ساحل الصحراء التى تمتد من السودان شرقا وحتى ساحل غينيا غرب القارة حيث يكمن أحد أكبر مخزونات النفط فى العالم ، فإفريقيا تنتج حاليا أربعة ملايين برميل من النفط يوميا وهو ما يوازي إنتاج إيران وفنزويلا والمكسيك مجتمعة ، كما أن خليج غينيا يحتوي علي احتياطي يبلغ مقداره 24 مليار برميل من النفط ؟ ، ولأن أمريكا تكون حيث يكون النفط وحيث تكون مصالح إسرائيل ، فقد وضعت عينها علي إفريقيا ووضعتها كما قال كلينتون علي خريطتها ، ومميزات نفط خليج غينيا أنه غير مكلف في نقله للولايات المتحدة التى تقع سواحلها علي الشاطيء الآخر للمحيط الأطلسي ، علي خلاف نفط بحر قزوين الذي لازالت الولايات المتحدة تحاول البحث عن طرق آمنة لنقله علاوة على التكاليف الباهظة لاستخراجه ، كما أن نفط الخليج والعراق تخوض الولايات المتحدة حروبا من أجل استمرار تأمين حصولها عليه وفي حالة صعوبة الحصول عليه تحت أي ظروف فإن نفط إفريقيا يكون هو البديل ، هذه المعطيات تفسر سر التواجد العسكري الأمريكي البارز فى القارة الأفريقية والذي بدأ فى احتلال الصومال عام 92 ثم هروبهم منه تحت المقاومة وانتقالهم إلي جيوبوتي حيث أقاموا قاعدة عسكرية هناك باتفاق مع الفرنسيين ،وفي نفس الوقت تتواجد سفنهم فى البحر الأحمر تفتش السفن الرائحة والغادية ، كما أنهم يسعون للتواجد فى قلب القارة من خلال اتفاقات مع دول عديد ة ، منها المغرب التي تشير تقارير عديدة إلي أنهم يسعون لأقامة واحدة من أكبر القواعد العسكرية الأمريكية علي أراضيها ، وستكون حماية إمدادات النفط للولايات المتحدة ومحاصرة المد الأسلامي من أولي مهامها ، هذا الأهتمام الأمريكي بإفريقيا يقابله للأسف الشديد نفوذ إسرائيل واسع وتراجع عربي كبير ، فإفريقيا هي العمق الأستراتيجي الطبيعي للعالم العربي ، وسيخسر العرب كثيرا إذا بقي الحال علي ماهو عليه .

Total
0
Shares
السابق

أوهام مؤتمر الخريف

التالي

المتساقطون من رجال بوش

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

Total
0
Share