الهزيمة المبكرة فى أفغانستان

حينما وقف الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش منتشيا قبل خمس سنوات ليعلن أن بلاده فى طريقها لأخراج الأفغان من ظلام طالبان إلي ديمقراطية وثقافة ونور الأمريكان ، إنما كان يعبر عن جهل مطبق بالجغرافيا والتاريخ وقواعد التحول الأجتماعي والثقافي والسياسي فى حياة الأمم والشعوب ، ولم يكلف نفسه أو أيا من إدارته قبل السقوط فى هذا المستنقع أن يفتح ملف الصراع الأمريكي السوفيتي إبان الحرب الخفية خلال الثمانينيات من القرن الماضي أي قبل أقل من عشرين عاما ليتعرف علي طبيعة الشعب الأفغاني وكيف لعب جهاده ضد السوفيت دورا ليس فى هزيمة السوفيت فى أفغانستان هزيمة منكرة فحسب ـ بغض النظر عما فعله الأفغان ببعضهم بعد ذلك ـ وإنما في تفكك الأتحاد السوفيتي وانهزامه ، لكن بوش أعد حلفا من جيوش دول الناتو الست والعشرين ، وجرهم معه إلي معركة خاسرة من بدايتها ، غير أن الجهل و الحماقة لم تكن لبوش وحده أ و لدول الناتو التى جرها إلي حتفها في جبال أفغانستان أوديتها الوعرة ورجالها الأشداء ، ولكن الجهل والحماقة كانت بشكل أكبر لحلفائه البريطانيين والذين سبق أن ذاقوا الهزيمة علي يد الأفغان قبل أقل من مائة عام ، ورغم أنهم كانوا يسيطرون على شبه القارة الهندية كلها إلا أنهم عجزوا عن إخضاع أفغانستان لسيطرتهم ، لكن ـ كلب بوش المدلل ـ كما يطلق عليه المعارضون لسياسته فى بريطانيا رفض الأستماع إلي تحذيرات العسكريين البريطانيين ورفض هو الآخر أن يتصفح صفحات التاريخ وقذف بجنوده فى حرب عبر عنها قائد القوات البريطانية فى إقليم هلمند جنوب أفغانستان الميجور جيمس لاودن فى رسالة نقلها عبر موقع محطة بي بي سي في 22 سبتمبر الماضي إلي قادته في بريطانيا اعترف فيها بفشل قواته وانهيار الروح المعنوية لدي جنوده ، أما القائد العام للقوات البريطانية فى أفغانستان الجنرال إد باتلر فقد قال في تصريحات نقلتها الوكالات فى 18 أكتوبر الماضي عبرت عن عمق المأزق الذي يعيشه البريطانيون وقوات الناتو فى أفغانستان قائلا إن جنوده فوجئوا بالشراسة التى أبداها مقا تلوا حركة طالبان ، وإن حملة تنظيف جيوب المتمردين فى أفغانستان سوف تستغرق سنوات طويلة ، ولعل هذا ما دفع الكابتن ليو دوتشيرتي أحد القادة البريطانيين فى أفغانستان أن يستقيل حسبما نشرت صحيفة ” صنداي تايمز ” البريطانية فى 10 سبتمبر الماضي احتجاجا علي استراتيجية بريطانيا المتخبطة فى أفغانستان ، وقد عبر الماريشال بيتر إينج القائد السابق للجيش البريطاني عن تلك الأستراتيجية فى تصريحات نشرتها صحيفة الأوبزرفر البريطانية فى 22 أكتوبر الماضي قائلا وبشكل مباشر ” إن بريطانيا سوف تتعرض للهزيمة فى أفغانستان بسبب عدم وجود استراتيجية واضحة للعمل هناك ” وهذا معناه أن الهزيمة لن تكون لبريطانيا وحدها وإنما لحلف الناتو بجميع قواته الموجودة هناك والتى تتشكل من 20 ألف جندي أمريكي ، و5400 جندي بريطاني ، و2500 جندي ألماني ومثلهم من الكنديين و2300 جندي هولندي ، وكتائب أقل حجما من باقي دول الحلف الست والعشرين ، هذا الوضع المذري لقوات الناتو جعلها كما تشير كثير من التقارير ترتكب جرائم حرب بحق المدنيين الأفغان كان أخرها يوم الخميس الماضي 26 أكتوبر حيث تقوم الطائرات بدك القري بدعوي وجود مقاتلي طالبان بها بينما تنقل الوكالات صور الضحايا من النساء والأطفال والعجائز ، وفي كل يوم تعلن دولة من دول الحلف أنها ستخفض قواتها أو تسحبها من هذا المستنقع بينما حكومة كارازاي كما قال رئيس الأستخبارات العسكرية الباكستانية الأسبق الجنرال أسد دوراني في حوار أجريته معه يوم الأربعاء الماضي 25 أكتوبر تعيش أسوأ أوضاعها ، وقد عبرت عن ذلك الكاتبة الأمريكية كارول كاربنتر فى تقرير نشرته من كابل فى بداية سبتمبر الماضي ونشر فى مصادر عديدة قالت فيه ” إن قرضاي حاكم فاشل لم يحقق أيا من وعوده للأفغان ، وأن حلفاء واشنطن فى أفغانستان هم من أفسد العناصر وأن الفساد الذي تمارسه حكومة قرضاي يجعلها على وشك الأنهيار ” وقد شاركها الكاتب الأمريكي هنري جراهام فى تقرير نشره من كابل فى نفس الوقت قال فيه ” إن الفوضي والفساد وتجارة المخدرات تتم تحت رعاية أمريكية فى أفغانستان ” ولعل تجارة المخدرات هي الطامة الكبري المتممة لديمقراطية وثقافة ونور الأمريكان التى وعد بها بوش بها الأفغان قبل خمس سنوات فالتقرير الأخير للأمم المتحدة لهذا العام 2006 عن تجارة المخدرات أشار إلي أن 28 ولاية من أصل 34 ولاية فى أفغانستان أصبحت تزرع الأفيون الذي كان قد قلصت زراعته فى عهد حكومة طالبان ، وأنه في ظل الأحتلال الأمريكي وحكومة كارازاي بلغ حجم إنتاج الأفيون لهذا العام 2006 حوالي 6100 طن وهو ما يزيد عن حاجة المستهلكين فى العالم بنسبة 30% وبهذا فإن أفغانستان توفر للمدمنين فى أنحاء العالم 92% من استهلاك الهروين ، ويلقي هذا الأمر بعلامات استفهام حول ما كانت تقوم به الأستخبارات المركزية الأمريكية من تمويل لزراعة الحشيش والأفيون فى أمريكا الجنوبية خلال العقود الماضية من أجل تمويل عملياتها القذرة وإمكانية أن تكون كما قال الكاتب الأمريكي هنري جراهام ترعي هذا الأنتاج الوفير الذي تقوم به أفغانستان .
إن خمس سنوات من الحرب على ما يسمي بالأرهاب والتى خصصت لها الولايات المتحدة وحدها حسب صحيفة الأنبدندنت البريطانية فى تقرير نشرته فى 19 سبتمبر الماضي 473 مليار دولار لم تؤد كما قال المعهد الملكي البريطاني للشئون الدولية في تقرير نشره فى 8 سبتمبر الماضي 2006 إلا إلي كسب تنظيم القاعدة لمعركة الدعائية ضد الغرب ، ولهذا فإن الغرب يجثوا علي ركبه الآن من خلال تقارير جنوده وقادته وصحفييه ومراكز دراساته ولم يبق لقادة حلف الناتو إلا أن يقروا بما أقر به القائد السابق للجيش البريطاني الجنرال بيتر إينج بأن بريطانيا فى طريقها للهزيمة ومن ثم فإن أمريكا و كل حلفائها سيلقون نفس مصيرها .

Total
0
Shares
السابق

المتساقطون من رجال بوش

التالي

الضربة القادمة لإيران

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

Total
0
Share