المرفوضون علي معبر رفح (2 -2)

معبر رفح

غير أن قصة وفد التحالف الدولي لملاحقة مجرمي الحرب الأسرائيليين والذي تكون في أوروبا بعد قيام إسرائيل بشن حربها علي غزة و الذي يضم أكثر من 800 منظمة قانونية وإنسانية كانت من أغرب القصص ، فبعد توقيع السلطة الفلسطينية قبل أيام علي اتفاقية روما الخاصة بالمحكمة أصبح من حقها المطالبة بملاحقة مجرمي الحرب الأسرائيليين ، وبالفعل تحرك هؤلاء المحامون الغربيون برئاسة البروفيسور جيل دوفير أستاذ القانون الدولي فى جامعة ليون في فرنسا  وأشهر المحامين الدوليين فى أوروبا ، وقد أعلن لويس أوكامبو المدعي العام فى المحكمة الجنائية الدولية فى بداية فبراير من العام 2009 عن استعداده لقبول الدعوي ضد مجرمي الحرب الأسرائيليين وهذا يعتبر انقلابا فى القانون الدولي حيث سيصبح مجرمي الحرب الأسرائيليين من السياسيين والعسكريين مطاردين فى دول العالم مثل غيرهم إن نجح هذا الأمر وتم تشكيل أربع لجان من المحامين لجمع الأدلة من أجل تقديمها للمحكمة وبالفعل وصل الوفد الأول المكون من محاميين نرويجيين وفرنسيين أحدهما نجل دوفير إلي القاهرة مع ترتيبات عليا حيث جاءا إلي معبر رفح فى اليوم الثاني لوجودي  وتعرفت عليهما كما كنت أتعرف علي كل الوفود وأخبراني بطبيعة مهمتهم التى تعتبر خطيرة وحساسة ، فمهمة اللجنة الأولي التى تتكون منهم الأربعة هي توصيف أركان الجريمة وفق القانون الدولي وجمع الأدلة وقائمة الشهود ، ومن المقرر ألا تزيد مهمتهم عن عشرة أيام ، أما اللجنة الثانية فهي تتكون من أطباء شرعيين مهمتهم هي تشريح الجثث للقتلي الذين قضوا أثناء الحرب للتعرف علي أسباب الوفاة جراء الأسلحة المحرمة التى استخدمت ، واللجنة الثالثة لجنة عسكرية من معاهد عسكرية أوروبية عديدة  مهمتهما تحديد نوعية الأسلحة التى استخدمت والأصابات التى نتجت عنها  وتأثيرها المدمر علي عموم السكان ، أما اللجنة الرابعة فهي من علماء النفس والباحثين الأجتماعيين التى  سترفع تقريرا عن الأضرار النفسية والأجتماعية التى لحقت بسكان غزة جراء الحرب الأسرائيلية ، وقد تم تشكيل اللجان الأربع غير أن اللجنة الأولي منعتها السلطات المصرية من الدخول لقطاع غزة للقيام بمهمتها ، وبقي أعضاء اللجنة الأربعة علي المعبر حتى أعلن عن إغلاقه بشكل نهائي حيث أن الأتصالات بينهم وبين سفاراتهم وحكومات بلادهم ومقر لجنتهم في باريس لم ينقطع ولديهم موافقات موقعة ومختومة من جهات كثيرة لكنها لا قيمة لها أمام الكلمة التى يعلنها ضابط المعبر ” مرفوض ” وبعد مرور ستة أ يام علي وجودهم علي المعبر حيث أكتب هذا الموضوع لازالوا عالقين وهم علي اتصال دائم معي حيث أن المهلة التى حددتها المحكمة الجنائية الدولية لهم لجمع الأدلة يمكن أن ننقضي ويفلت مجرمو الحرب الأسرائيليين من العقاب وقد سألني الدكتور لؤي ديب المتحدث الرسمي باسم الوفد وهو نرويجي الجنيسة قائلا : لمصلحة من عرقلة مهمتنا التى لو تمت لأصبح الأسرائيليون ملاحقين بشكل رسمي فى معظم دول أوروبا ؟ ” ” ما هي مصلحة الحكومة المصرية فى منع دخولنا لجمع أدلة جرائم حرب تدين الأسرائيليين ؟  ” .

الحالات الإنسانية

أما الحالات الإنسانية المؤلمة  التى علي المعبر فهي  أكبر من أن توصف غير أن أكثرها  إيلاما لي كانت فى الخامس من فبراير وهو اليوم الذي أعلنت فيه السلطات أن المعبر سيغلق ولن يكون مفتوحا إلا أمام الحالات الأنسانية ، في هذا اليوم جاءت كثير من سيارات الأسعاف تحمل جرحي عائدين وكان هناك أيضا جثتين لفلسطينيين من أهل غزة غير أن المعبر ظل مغلقا حتى قاربت الشمس علي المغيب حتي أن بعض الناس فى المعبر أخذوا يتناقلون أن رائحة الجثث بدأت تفوح بعدما تركت أكثر من يوم كامل دون ثلاجات مع طريق طويل وقال لي أحدهم إن إحدي الجثث جاءت من دبي والأخري لفلسطيني استشهد فى أحد مستشفيات القاهرة متأثرا بجراحه وقد تأكدت من ذلك حينما سأل أحد الفلسطينيين العالقين مسئول البوابة متي سندخل واليوم أوشك علي الأنتهاء قال له : حينما يدخل الأموات أولا ندخل الأحياء ،  كما روي لي بعض المسعفين قصصا مؤلمة مما تقوم به سلطات المعبر جعلتني أطلب منهم أن يتوقفوا عن الأستمرار فى الحديث  لشعوري بألم لا يحتمل أهذا يحدث في بلادي ؟ ومن من من المصريين أهل المروءة والشهامة والرجولة والشرف وضد من ضد أهل غزة الذين هم امتداد لأهل مصر وعمقها الأستراتيجي ؟ .

قلت لها : لماذا ردوك ؟ قالت أنا مصرية وزوجي فلسطيني هل تتخيل قالوا لي يمكن أن يعود أولادك إلي غزة بينما تبقين أنت هنا في مصر

رأيت امرأة معها خمسة  أطفال بينهم رضيع  ردت من علي باب المعبر أكثر من مرة فى الوقت الذي كانت تسمح فيه السلطات للفلسطينيين العالقين بالعبور عائدين لغزة ، قلت لها : لماذا ردوك ؟ قالت أنا مصرية وزوجي فلسطيني هل تتخيل قالوا لي يمكن أن يعود أولادك إلي غزة بينما تبقين أنت هنا في مصر ؟ كيف يعقل هذا ؟ وهذا الرضيع من الذي يرعي شأنه ؟ هل أعاقب أني مصرية تزوجت بفلسطيني علما بأني أحمل الهوية الفلسطينية لكني فضلت أن يبقي جواز سفري مصريا كما هو ؟ وبعد نهار كامل قضته السيدة مفترشة أرض المعبر عادت إلي القاهرة مرة أخربأولادها ؟ أم مصرية أخري جاءتني تقول لي : لقد رفضت طيلة خمسة وعشرين عاما من زواجي من فلسطيني أن أبدل جواز سفري المصري بآخر فلسطيني معتبرة أن جواز سفري المصري هو شيء أعتز به الآن أنا نادمة فمنذ خمسة أ شهر لم أر زوجي وأولادي فهم داخل غزة لا يستطيعون الخروج وأنا هنا فى مصر جئت لزيارة أهلي فلم أستطع العودة إليهم يقولون لي : جواز سفرك مصري غير مسموح لك بالعودة لغزة ؟

قصص مؤلمة

 هناك عشرات القصص المؤلمة مثل هذه غير أن أكثر ما كان يؤلمني هو الأطفال الصغار ؟ الرضع والأكبر منهم بقليل نحن الكبار كنا نعاني فكيف بهؤلاء وبعد رحلة طويلة ربما من بلاد بعيدة كما شاهدت من جاء من استراليا ومن جنوب إفريقيا وحتى من أمريكا الجنوبية وأوروبا من فلسطينيين مجنسين بجنسية هذه الدول ويريدون بعد الحرب زيارة أهليهم لكن كثيرين منهم كانوا من المرفوضين علي المعبر ومن ثم فأنا أنادي الأعلاميين باعتماد مصطلح جديد يضاف إلي مصطلح العالقين وهو مصطلح ” المرفوضين ”  .

أما وفد حماس الذي كان فى مباحثات رسمية مع كبار المسئولين المصريين والذي عاد إلي غزة فى الخامس من فبراير فقد عايشت ما حدث لهم داخل المعبر وروي لي بعض العابرين والعاملين فى المعبر كيف عوملوا كما قالت حماس فى بيان لها بـ ” إهانة ” رغم أنهم ضيوف مصر ،  وبينما غادر الوفد المعبر سيرا علي الأقدام لمسافة حتى بلوغ السيارات بقي أيمن طه عضو الوفد مع مبلغ تسعة ملايين دولار ومليوني يورو حيث جاءت سيارتين للأمن حملتاه مع المبلغ حتى يودعها فى بنك فى مدينة العريش بعدما رفضت السلطات المصرية دخول المبلغ معهم .

السلطات لم تكن تسمح علي الأطلاق بدخول المواد الغذائية التى أرسل معظمها الشعب المصري لاسيما البسطاء من الناس

معبر رفح

السلطات لم تكن تسمح علي الأطلاق بدخول المواد الغذائية التى أرسل معظمها الشعب المصري لاسيما البسطاء من الناس الذين اقتسموا قوت يومهم مع إخوانهم فى غزة قابلت كثيرا من البسطاء الذين جاؤوا من كل محافظات مصر وبقوا علي المعبر مع شاحناتهم أياما طويلة حيث ملأت أرض الأستاد الرياضي فى العريش ومعظم المخازن فى العريش والشيخ زويد بالمعونات بينما رأيت عشرات الشاحنات تقف محملة فى الشوارع المحيطة باستاد العريش بينما أبلغني بعض السكان أن بعضها تعرض للسرقة ويباع بثمن بخس فى الأسواق ، وقد أعلنت السلطات أن هذه المعونات التى فسد بعضها من تركه فى العراء سوف تذهب عبر المعابر التى يسيطر عليها الأسرائيليون ولأن هوجة الأعلام حول المعبر قد انتهت منذ مدة طويلة ولا توجد أية تغطية لمثل هذه الأمور فإن السلطات المصرية تراهن دائما علي أن الناس تمل وتنسي وهي فى النهاية سوف تفرض ما تريد علي الجميع.

ما يحدث علي المعبر هو تاريخ يسجل الآن وليس مجرد أحداث عابرة والثمن الذي يدفعه الفلسطينيون باهظ لكن الثمن الذي تدفعه مصر من سمعتها وتاريخها أيضا لن يكون بسيطا

لكن الأمر الذي يطرح علامات استفهام كبيرة هو أن السلطات المصرية لا تسمح علي الأطلاق بمرور أية أجهزة طبية للأشعة أو التخدير وهي الأكثر احتياجا لمستشفيات غزة ، وقد أبلغني الذين جاؤوا بهذه الأجهزة أنهم لا يفهمون مبرر السلطات فى منع مرور هذه الأجهزة تحديدا وهي الأكثر أهمية فى العمليات الجراحية ، وقد أبلغني استشاري تخدير بريطاني كان عائدا من غزة مع ستة آخرين أن أجهزة التخدير فى مستشفيات غزة معظمها مهترئة حتى أن أطباء التخدير يخشون أثناء إجراء العملية من توقفها ومن ثم وفاة المصابين أثناء العمليات ؟ رغم ألمي الشديد لمنع السلطات المصرية لي ولزميلي غسان بن جدو من الدخول إلي قطاع غزة عبر رفح طوال ما يقرب من أسبوع قضيناه علي معبر رفح  إلا أن هذه الأيام كشفت لي كثيرا من الحقائق وأكدت كثيرا من الظنون وطرحت كثيرا من الأسئلة التى بحاجة إلي إجابات ، لاسيما هذه السياسات التى تمارس علي المعبر ، فما يحدث علي المعبر هو تاريخ يسجل الآن وليس مجرد أحداث عابرة والثمن الذي يدفعه الفلسطينيون باهظ لكن الثمن الذي تدفعه مصر من سمعتها وتاريخها أيضا لن يكون بسيطا فمصر الكبيرة يجب أن تبقي كبيرة فى كل شيء لا أن يقزمها صناع القرار بهذه الطريقة  فتنفلت الأمور من بين أيديهم لأن التاريخ لن يرحم أحدا من هؤلاء   و سنن الكون غلابة لكنهم لا يسمعون .

للمزيد

Total
0
Shares
السابق
معبر رفح

المرفوضون علي معبر رفح (1 -2)

التالي
جمال حماد

جمال حماد فى بلا حدود : يرد على تساؤلات المشاهدين و أسباب انتقاده جمال عبد الناصر

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

Total
0
Share