نهاية شاه إيران والدرس التاريخي

في مثل هذه الأيام قبل ثلاثين عاما وتحديدا في شهر يناير عام 1979 كان شاه إيران محمد رضا بهلوي يهيم على وجهه في أرجاء الدنيا يبحث عن بلد يستقبله بعدما خرج من إيران للمرة الأخيرة في 16 يناير عام 1979 مطرودا من شعبه، بعدما أذاق شعبه الهوان والاستبداد عشرات السنين.
وكان شاه إيران، الذي كان يلقب بشرطي أميركا وبريطانيا في المنطقة، يعتقد أن الذين باع ولاءه لهم طوال سنوات حكمه سوف يقفون إلى جواره في مثل هذه اللحظات لا أن يرسلوا الأساطيل والجيوش لتحمي عرشه المتساقط كما يفعلون مع حلفاء آخرين الآن، ولكن حتى ليجد مكانا يأوي إليه بعدما أصبح طريدا بعدما كان يلقب بملك الملوك.. ملك الملوك الذي أصبح طريدا هائما على وجهه لا يعرف أين يذهب وأين يقيم.
لكن الشاه – عميل أميركا وبريطانيا والشرطي الذي كان يخدم مصالحهم – فوجئ بأن البريطانيين الذين كان يعتقد أنهم سيهبون للترحيب به، يبلغونه بأنه شخص غيرمرغوب فيه، وقد كشفت الوثائق البريطانية التي أفرج عنها خلال الأيام الماضية أن شاه إيران تقدم بطلب إلى الحكومة البريطانية التي كان يرأسها جيمس كالاهان – في ذلك الوقت – يطلب فيه اللجوء بعائلته إلى بريطانيا عبر وساطة قام بها أحد الصحفيين البريطانيين.. لكن جيمس كالاهان رئيس الوزراء البريطاني كتب بخط يده على الطلب الذي تقدم به الشاه للحكومة البريطانية قائلا: «أكره لأسباب إنسانية أن أرد طلب الشاه، لكنه شخصية مثيرة جدا للجدل في إيران، وعلينا أن نفكر في مستقبل علاقتنا في هذا البلد وننتظر لنعرف كيف ستستقر الحكومة الجديدة في طهران ثم نتقدم منهم بطلب لنعرف رد فعلهم».. أما ديفيد أوين وزير الخارجية البريطاني فقد قال إنه لا يرى مبررا لتعريض حياة البريطانيين المقيمين في إيران للخطر ومن ثم علينا ألا نواصل تشجيع الشاه على المجيء للإقامة في بريطانيا.
هكذا باع البريطانيون عميلهم، باعوه بثمن بخس إلى عدوه اللدود آية الله الخميني حاكم إيران الجديد حيث سيعرضون مصير الشاه عليه ويأخذون موافقته، وهكذا وضعوا مصير الشاه بين يدي أعدى أعدائه.
عاد آية الله الخميني إلى طهران برعاية غربية حيث كان يقيم في باريس – في الأول من فبراير عام 1979، وانتهى مصير الشاه الذي أخذ يبحث عن مكان لا ليعيش فيه، فالحياة عنده كانت قد انتهت، ولكن ليموت فيه، وأخذ يدور من بلد إلى بلد حتى استقبله في النهاية الرئيس المصري أنور السادات في مصر حيث كان مصيره الأسود ينتظره ومات بعد فترة وجيزة ودفن في مصر غير مأسوف عليه، ليضرب مثلا سيظل قائما على مدار التاريخ لكافة الحكام الذين يبيعون أوطانهم وشعوبهم لأعدائهم كيف يكون مصيرهم في النهاية وكيف أن أعداءهم بعد سقوطهم يعتبرونهم كالورقة الجافة التي تسقط من الشجرة لا يعيرها أحد اهتماما، أما مكانتهم في التاريخ فلا تكون سوى مزبلته، لتبقى الأجيال تصب عليهم اللعنات إلى أن يرث الله الارض ومن عليها.
ومصير الشاه كان مصير كثير من العملاء الاميركيين والغربيين لاسيما الذين ظلوا يخدمون الغرب عقودا طويلة ثم تخلى عنهم الغرب في النهاية وتركهم يلقون مصيرهم دون ان يأسف عليهم احد حتى ان بعضهم يقضون باقي حياتهم في سجون الولايات المتحدة مثل ديكتاتور بنما نورييغا الذي كان عميلا رسميا لـ «سي اي ايه».
والعجيب ان سيناريو نهاية كثير من هؤلاء العملاء يتكرر امام الآخرين دون ان يتخذوا منه نموذجا يدفعهم للتفكير في تغيير الولاء من الولاء للأعداء الى الولاء للشعوب والاوطان لكن الله يعمي دائما ابصارهم ويطمس دائما على قلوبهم. فعلى سبيل المثال ما يحدث في دول عربية كثيرة هو نفس الذي واجهه شاه ايران في سنواته الاخيرة.. فقد ظلت المظاهرات والاضرابات تملآن ايران لعدة سنوات قبل أن يسقط الشاه، حتى أنها كانت تصل إلى أبواب قصر الحكم وكان الشاه ينظر إلى المتظاهرين على انهم مجموعة من الرعاع لا يملكون شيئا سوى التظاهر بينما كان جهاز مخابراته «السافاك» يعتقل ويقتل ويعذب كل من يعارض الشاه كما كان الشاه يملك جيشا قويا واجهزة امن باطشة.
كل هذا انهار في يوم وليلة ووجد شاه ايران نفسه بلا مأوى وبلا انصار وبلا جيش ولا أمن واخذ يوسط صحفيين ممن كانوا يلتقونه لاجراء الحوارات معه لدى الاميركيين ولدى البريطانيين حتى يرتبوا له مأوى لكنه في النهاية مات طريدا غريبا لأنه باع وطنه وشعبه فتخلى عنه الجميع.
هذا المصير ينتظر كل من ينهج نهج الشاه من الحكام حتى لو كان يملك جيشا قويا واجهزة امن باطشة، فالايام دول ومن يظلم الناس تدور عليه الدوائر ومن يبيع وطنه وشعبه بعرض من الدنيا تنقلب عليه الدنيا بكل مافيها ويموت ذليلا غريبا ولعلنا نرى تكرارا لهذا النموذج مع عملاء آخرين عما قريب.

الوطن القطرية

Total
0
Shares
السابق
أمين الجميل

أمين الجميل (15) : اغتيال رشيد كرامي..والخروج من الرئاسة إلى منفاه الاختياري فى فرنسا

التالي

صناعة التاريخ ونهاية العصر الذهبي لإسرائيل

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

Total
0
Share