هل يتغير وجه السودان بعد الانتخابات؟

توقفت السيارة التي كنت أركبها عند إحدى إشارات المرور في العاصمة السودانية الخرطوم، جاءت سيارة على يميننا من ماركة تويوتا لاند كروزر وفوجئت بأن نوافذها مفتوحة وأن بها أشخاصا مسلحين ينظرون تجاه السيارات التي عن يمين وشمال سيارتهم اعتقدت للوهلة الأولى أنها ربما تكون تابعة لأحد مسؤولي الأمم المتحدة الذين يزحمون شوارع الخرطوم بسياراتهم وكذلك مطار الخرطوم الذي لا يخلو عادة من طائرة أو طائرتين رابضتين من طائرات الأمم المتحدة أو ضيف رسمي من ضيوف السودان، لكن السيارة حينما تجاوزت سيارتنا ووقفت مثلنا في الإشارة الضوئية فوجئت بأن السيارة التي خلفها وهي من نفس ماركتها يجلس في كرسي المقدمة فيها إلى جوار السائق الرئيس السوداني عمر حسن البشير يرتدي الزي السوداني التقليدي، وحتى أتأكد مما رأيت سألت مرافقي … هل هو الرئيس البشير ؟ قال نعم: إنه هو، ربما يكون في طريقه لأداء واجب اجتماعي.
والذي لا يعرف الطبيعة الاجتماعية في السودان يفاجأ أحيانا بحجم وعدد ونوعية الواجبات الاجتماعية، فكثير من وقت السودانيين يذهب في أداء الواجبات الاجتماعية مثل مراسم العزاء في الأموات، والمشاركة في تقديم التهنئة في الأفراح، وحتى التهنئة في المواليد والذهاب للحج والعمرة وحتى السفر و القدوم وغيرها من المناسبات الاجتماعية المختلفة.
وأذكر أني حينما خرجت من مطار الخرطوم أثناء زيارتي الأخيرة لم أجد صديقي «المسلمي الكباشي» في انتظاري فقد أبلغني أن سيارته قد تعطلت وهو في طريقه للمطار وكان الفندق قد عرض عليّ إرسال سيارة فأبلغتهم أن هناك من ينتظرني ومن ثم تكاثر علي سائقو سيارات التاكسي حتى يقوم أحدهم بتوصيلي ولأنهم جميعا قد عرفوني فقد كنت صيدا ثمينا لمعظمهم لكني فوجئت بشاب سوداني يشق الجموع ويبعدهم ويرحب بي وقال لن تذهب إلا معي، فاعتذرت له بلباقة وأبلغته أني سأستقل «تاكسي» لكنه أصر وقال لي إن سيارته خالية والفندق قريب من بيته وأنه كان يتمنى أن يراني من قديم ومن ثم فإن قبلت صحبته في سيارته فسوف يكون ممتنا لي كثيرا.
قلت له هل جئت لتوصيل مسافر ؟ قال لا لقد جئت لاستقبال أحد جيراني لكني فوجئت بالكثيرين من الجيران خرجوا مثلي لاستقباله لذا فإنه يشرفني أن أقلك أنت.
هذه صورة وشكل من أشكال الواجبات الاجتماعية إذا جاء مسافر ربما خرج نصف جيرانه للمطار لاستقباله، وهذه الواجبات الاجتماعية يشارك فيها الجميع بدءا من الرئيس إلى عامة الناس.
غير أن البساطة والواجبات الاجتماعية التي يتحرك بها البشير بين الناس لا تعني تهاونا في السلطة أو إدارة الدولة فهذا أمر آخر، وربما الفترة القادمة تفرض على الرئيس البشير أن يتحرك أكثر بين الناس، فالانتخابات العامة التي ستجري في السودان في شهر إبريل القادم هي الأولى منذ انتخابات العام 1986 التي جاءت بحزب الأمة للسلطة حيث قاد الصادق المهدي السودان وسط تحالفات من أحزاب مختلفة حتى قام البشير بانقلابه عام 1989، من يومها لم تجر أية انتخابات عامة في السودان مما يعني أن هناك ثلاثة أجيال جديدة لم تشارك في أية عملية انتخابية.
وتكمن تعقيدات الانتخابات القادمة أنها سوف تكون شاملة لكل شيء: انتخابات رئاسية وانتخابات برلمانية، وانتخابات لاختيار الولاة ومجالس الولايات، مما يعني أن الناخب السوداني الذي لم يدخل أي مقر انتخابي منذ 25 عاما سوف يجد نفسه داخل غرفة الانتخابات يصوت أربع مرات في أربعة صناديق مختلفة وهذا أمر معقد دون شك في الدول المتقدمة التي تمارس العملية الانتخابية بشكل دائم فما بالنا ببلد مترامي الأطراف مثل السودان وشعب نسبة الأمية فيه عالية، كما أنها تأتي قبل أشهر معدودة من حق تقرير المصير للجنوب المقرر أن يتم في شهر يناير القادم 2011، حيث يتعامل كثير من السياسيين السودانيين وعلى رأسهم الصادق المهدي زعيم حزب الأمة ورئيس الوزراء الأسبق والمرشح للرئاسة في مواجهة الرئيس البشير على أنها أصبحت أمرا واقعا، فالحشد في الجنوب قائم على التصويت لصالح الانفصال مما يعني أن الخرائط التي نشرت قبل عدة عقود لسودان شمالي وآخر جنوبي ستصبح واقعا خلال أشهر مع كافة إشكالات التقسيم وتعقيداته، ومن ثم فكما قال لي الصادق المهدي يجب أن نرتب من الآن علاقات حسن الجوار مع الجار الجنوبي ونرتب لكثير من التعقيدات التي قد تنشأ مع الخيار الجنوبي حتى لا تنشب الحرب مرة أخرى.
من أهم التحديات التي تواجه الانتخابات القادمة القلاقل الموجودة في الجنوب ودارفور وشرق السودان كذلك، وهي عوامل سوف تؤدي إلى مشكلات لا نهاية لها، فمن أصعب الأمور إجراء انتخابات في أجواء حروب أو قلاقل أو اضطرابات.
كما أن مرشحي الرئاسة الذين بلغ عددهم 12 مرشحا في مواجهة الرئيس البشير سوف يواجهون تحديات كبيرة سواء في أن يجوبوا ذلك القطر المترامي الأطراف المليء بالمشكلات أو إقناع الناخب السوداني بأي منهم، ومن هذا الباب يرى بعض المراقبين أن الانتخابات القادمة لن تكون سوى تكريس للوضع الراهن في السودان وإضفاء للشرعية بعد خمسة وعشرين عاما على العسكر الذين سيطروا على السلطة عبر انقلاب عسكري.
وقد سألت الصادق المهدي بصراحة تامة حول الناخب السوداني الذي اختاره وحزبه عام 1986 والناخب السوداني الآن في العام 2010، فأقر أن كل شيء قد اختلف ومن ثم فإن خيارات الناس سوف تختلف أيضا ليس بالنسبة للصادق المهدي فحسب ولكن في ظل انتخابات حرة ونزيهة ـ وهذا ما تشكك فيه المعارضة ـ سوف تكون هناك إفرازات جديدة سوف تغير المشهد السياسي السوداني بشكل تام ورغم تدشين الحملة الانتخابية رسميا فإن هناك مخاوف لدى كثيرين من أن يتم إلغاء الانتخابات في أي لحظة لأسباب أمنية أو سياسية، لكن الجميع يترقب هذه الفرصة التي جاءت للسودانيين بعد 25 عاما من غيابها، وسوف يستدعي هذا من الرئيس البشير بل يضطره خلال الفترة القادمة للمشاركة في كثير من المناسبات الاجتماعية باعتباره مرشحا يريد أن يحظى بثقة الناخبين عبر صندوق الاقتراع هذه المرة، كما أنها ستكون فرصة لكثير من السودانيين لممارسة حق حرموا منه طيلة ربع قرن حرمهم منه نفس الرئيس الذي يريد أن يحظى بثقتهم.

الوطن القطرية

Total
0
Shares
السابق

بلير يتخذ من الكذب العمد منهجا

التالي

مصر ومعركة استرداد الحرية والكرامة

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

Total
0
Share