الرئيس ماكرون ينعي أوروبا.. “ستموت بوحشية” ؟  

بخلاف القنبلة التي فجرها ماكرون قبل خمس سنوات، فقد فاجأ الجميع يوم الخميس الماضي 2 مايو 2024، حينما فجر قنبلة أكبر منها وعلى صفحات مجلة ” الإيكونوميست ” -أيضا- في حواره الذي أجراه معها، حيث قال ما خلاصته “إن الحضارة الغربية يمكن أن تموت، وأن نهايتها يمكن أن تكون وحشية، وأن هذا يمكن أن يحدث بسرعة أكبر مما يعتقد كثيرون “..
ماكرون

أحمد منصور

قبل خمس سنوات من الآن أدلى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بتصريحات خلال حوار أدلى به لمجلة “الإيكونوميست” البريطانية، أثارت زوابع كثيرة، حيث قال إن حلف الناتو -الذي تشكل في العام 1949، وتقوده الولايات المتحدة، ويعتبر أكبر حلف عسكري في العالم، إذ يضم بعضويته حاليا 32 دولة- يعاني من ” موت دماغي “. 

 حينها قامت الدنيا ولم تقعد، كيف لرئيس واحدة من أهم دول حلف الناتو أن يقول هذا الكلام، أو يعكس هذه الحقيقة، التي ربما تتحدث فيها الأوساط العسكرية والسياسية الأوروبية فيما بينها، ولكن لم يكن أحد قد صرح بها علانية. 

يعتقد كثير من الخبراء أن الولايات المتحدة تعمدت إغراق أوروبا في مستنقع حرب أوكرانيا حتى تستنزف ثرواتها وتصرفها عن إقامة وتأسيس أي جيش يجعلها مستقلة عن القرار والحماية الأمريكية

 فالحقيقة هي أن أوروبا لا تملك جيشا، وإنما تعتمد على حلف الناتو في حمايتها؛ لذلك تحتفظ الولايات المتحدة بقواعد عسكرية كبيرة في معظم دول أوروبا، وتساهم أوروبا بشكل كبير في تكاليف الحلف، وقد حاولت أوروبا بعد تأسيس الاتحاد الأوروبي تأسيس جيش أوروبي، لكنها لم تنجح في تحقيق ذلك حتى الآن. 

 وأذكر أني في العام ٢٠١٥ التقيت مع فولكر بيرتس الذي كان يرأس مركز الدراسات الاستراتيجية الألماني -الذي يعتبر العقل المفكر للحكومة الألمانية والمستشار الخاص للمستشارة أنجيلا ميركل آنذاك-  في مكتبه في العاصمة الألمانية برلين، وتحدثنا عن وضع أوروبا والصراعات في المنطقة فكان مما ذكره لي : “أن أوروبا منشغلة بتأسيس جيش وأن نقاشات كثيرة تدور بين الأوروبيين من أجل هذا، لكن لم يتم اتخاذ خطوات عملية، لأن كثيرا من الدول ترى أن تكاليف إنشاء جيش أوروبي باهظة للغاية وصعبة التطبيق، وأن دفع الأموال للولايات المتحدة والناتو أقل تكلفة من هذا”. 

 علاوة على ذلك، حينما علمت  الولايات المتحدة بالخطوة التي يمكن أن يُقدم عليها الأوروبيون أصابها القلق وفكرت في كيفية صرف أوروبا عنها؛ لأن ذلك باختصار معناه أن الأوروبيين يمكن أن يستقلوا عن الولايات المتحدة في قرارهم السياسي، فظهر الرئيس الأمريكي آنذاك دونالد ترامب ، وتحدث في خطابه الشهير الذي أغضب الأوروبيين، والذي طالبهم فيه بدفع ما عليهم من مستحقات بطريقة فج . 

 بعدها ورطت الولايات المتحدة  أوروبا في فخ حرب أوكرانيا التي تستنزفها بقوة منذ أكثر من عامين؛ ويعتقد كثير من الخبراء أن الولايات المتحدة تعمدت إغراق أوروبا في مستنقع هذه الحرب حتى تستنزف ثرواتها وتصرفها عن إقامة وتأسيس أي جيش يجعلها مستقلة عن القرار والحماية الأمريكية. 

 ولعلكم لاحظتم أن المستشار الألماني أولاف شولتز قد قرر في أعقاب الإعلان عن دخول ألمانيا إلى جوار أوكرانيا في الحرب ضد روسيا  -بضغوط أمريكية- اعتماد أكثر من أربعين مليار يورو من أجل تأسيس جيش ألماني؛ لكن الوضع الاقتصادي في ألمانيا -مثل بقية دول أوروبا- يتدهور بشكل كبير، ويستنزف قوة أوروبا الاقتصادية والعسكرية بشكل غير مسبوق، مع حرب أوكرانيا التي تحولت لحرب استنزاف طويلة -لقدرات أوروبا والولايات المتحدة وروسيا- ما يجعل من الصعب توفير مثل هذه الأموال أو تطبيق هذا القرار، الذي يعتبر صعبا لحد كبير. 

قد تحدث ماكرون لمجلة الإيكونوميست عن أن “موت أوروبا يمكن أن يكون أكثر وحشية مما نتصور” وأنها تعيش الآن خطرا وجوديا ثلاثيا، عسكريا أمنيا، واقتصاديا، وديمقراطيا.

أوروبا..ستموت بوحشية

بخلاف القنبلة التي فجرها ماكرون قبل خمس سنوات، فقد فاجأ الجميع يوم الخميس الماضي 2 مايو 2024، حينما فجر قنبلة أكبر منها وعلى صفحات مجلة ” الإيكونوميست ” -أيضا- في حواره الذي أجراه معها، حيث قال ما خلاصته “إن الحضارة الغربية يمكن أن تموت، وأن نهايتها يمكن أن تكون وحشية، وأن هذا يمكن أن يحدث بسرعة أكبر مما يعتقد كثيرون “. 

 تصريحات ماكرون كانت مفزعة، فسرعان ما تداولتها الصحافة الأوروبية والغربية؛ لأنها صادرة عن رئيس واحدة من أكبر وأهم دول أوروبا، كما أنها تعكس حقيقة يعيشها الأوروبيون ويشعرون بها، وكذلك خبراء السياسة والاستراتيجية. وقد جاءت هذه التصريحات في أعقاب ما أعلنه ماكرون في نهاية شهر فبراير الماضي؛ من أنه لا ينبغي استبعاد إرسال قوات غربية إلى الأراضي الأوكرانية، رغم أن الولايات المتحدة ومعظم دول أوروبا ترفض هذه الفكرة. وحذر أوروبا من أن عدم الاستجابة لرغبته تلك، قائلا ” إذا لم نرسل قوات لأوكرانيا فلن يكون لدينا أمن في أوروبا “وفي رد يعكس الخلاف الأوروبي، قال وزير الخارجية المجري “بيتر سبارتو” إن تصريحات ماكرون تهديدية وفي حال نشر قوات أوروبية في أوكرانيا سيتسع نطاق الحرب” . 

من يتأمل تصريحات ماكرون منذ خمس سنوات، يدرك أن فرنسا، بل وأوروبا، تعيش أزمة عميقة زادت تفاقما بعد حرب أوكرانيا. لقد تحدث ماكرون لمجلة الإيكونوميست عن أن “موت أوروبا يمكن أن يكون أكثر وحشية مما نتصور” وأنها تعيش الآن خطرا وجوديا ثلاثيا، عسكريا أمنيا، واقتصاديا، وديمقراطيا . 

تصريحات ماكرون سوف تنعكس على انتخابات البرلمان الأوروبي في شهر يونيو القادم -بعد شهر من الآن- وسط أزمات كبيرة؛ فيا ترى هل يمكن أن تغير الانتخابات خريطة البرلمان الأوروبي، وتكشف لنا عن تركيبة جديدة، وعن مستقبل أوروبا الذي يسوده القلق والترقب والخوف من ” الموت الوحشي ” الذي يخشاه ماكرون؟

Total
0
Shares
السابق
فلسطين

تفسير مختلف لما يجري في غزة!

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

Total
0
Share