صناعة رائجة اسمها الحرب على الإرهاب

كشف معرض ومعدات قوات العمليات الخاصة (سوفكس 2010) الذي افتتح في العاصمة الأردنية عمان في الأسبوع الماضي وسبقه مؤتمر أمني ضم العشرات من وزراء الدفاع ورؤساء الأركان وكبار ضباط العمليات الخاصة في كثير من دول العالم عن الحرب الحقيقية التي تخوضها معظم الدول العربية خلال هذه المرحلة، فمنذ عام 1973 وهي الحرب التي شاركت فيها جيوش عدة دول عربية بوحدات رمزية مع الجيش المصري خلال حرب اكتوبر لم تقم معظم الجيوش العربية أو كلها بحروب تقليدية ضد العدو الحقيقي للعرب وهو اسرائيل، وأشهر حربين لم تحقق فيهما اسرائيل أهدافها – ويرى كثيرون أنها هزمت معنويا واستراتيجيا فيهما – كانت حرب اسرائيل ضد حزب الله في لبنان عام 2006 وحرب إسرائيل ضد حركة حماس أو ضد قطاع غزة خلال شهري ديسمبر ويناير من عام 2008 و2009م.
ولهذا فقد كشف معرض سوفكس عن جانب هام من صناعة الحروب الجديدة في المنطقة، وفي أماكن كثيرة من دول العالم وهي الحروب التي تشنها الجيوش والقوات الخاصة ومكافحة الشغب والأمن ضد كل من تسول له نفس الاقتراب من الحكام أو الحكومات وتهديد أمنها حتى لو بالتظاهر أو الاحتجاجات الصامتة.
المعرض الذي يعتبر أكبر معرض متخصص في مجال العمليات الخاصة والأمن القومي على مستوى المنطقة والعالم والذي افتتحه يوم الثلاثاء الماضي 11 مايو ملك الأردن وبمشاركة الرئيس اليمني علي عبدالله صالح وعشرات من وزراء الدفاع ورؤساء أركان الجيوش والجنرالات المتخصصين في العمليات الخاصة كشف عن أن الحرب الحقيقية التي تخوضها الحكومات أصبحت ضد من يسمون بالإرهابيين وهؤلاء الإرهابيون ليسوا سوى بعض أبناء هذه الأوطان ممن عجزت الحكومات عن استيعابهم في منظومتها أو رفضت ذلك أو هي التي صنعتهم ثم قررت التخلص منهم بعدما خرجوا عن الإطار والدور الذي صنعوا من أجله فخرجوا عليها بشكل او بآخر وأصبحوا مع توسع مفهوم الإرهاب وضبابيته يطلق عليهم أنهم ارهابيون.
وإذا كانت بعض الحكومات تعتبر كل من حمل السلاح ضدها ارهابيا وهذا هو الشائع فإن حكومات أخرى تعتبر كل من يخالفها الرأي إرهابيا وكل من يطالب بحقه في الحياة الحرة الكريمة إرهابيا وكل من يطالب بالقضاء على الفساد وتحقيق العدل في المجتمع فهو إرهابي.
وقد أصبح الخيار السهل لدى معظم هذه الحكومات هو خيار الحرب ليس ضد إسرائيل العدو المتربص بالأمة ولكن ضد من يهدد الكراسي والحكام الذين يجلسون عليها دون أي لجوء للخيار الأسهل وهو خيار الحوار مع هؤلاء وتحقيق العدل والقضاء على المحسوبية والفساد والفقر وكل الأسباب التي تدفع هؤلاء للخروج على أنظمة الحكم والاندفاع نحو طريق خاطئ لتصحيح الأوضاع القائمة الخاطئة أيضا.
لذلك فقد فوجئت ببعض التقارير التي تتحدث عن أن ما يقرب من 60% من الأسلحة التي تستوردها معظم الدول العربية هي أسلحة لمكافحة ما يسمى بالإرهاب منها عربات مدرعة وأسلحة أوتوماتيكية متطورة وطائرات هليكوبتر وسيارات نقل جنود، وغيرها أي أنها في النهاية موجهة للداخل وليس الى الخارج، للشعوب وليس للأعداء.
ومن ثم كان الاهتمام بمعرض سوفكس من قبل الحكومات العربية اهتماما عالي المستوى، كذلك تفنن العارضون الذين شاركوا في المعرض والذين يزيدون على ثلاثمائة وخمسين شركة في عرض احدث ما لديهم من معدات وأجهزة لقمع كل من تسول له نفسه القيام بأي عمل يهدد أمن الحكومات والحكام.
وكان واضحا ان اهتمام الشركات المنتجة لهذه الأسلحة والمعدات لم يعد قاصرا على الدول الغربية المتقدمة وإنما قدمت العروض من 83 دولة مما يعني أنها امام تجارة رفيعة المستوى يجني القائمون من ورائها المليارات ليس فقط في اختراع الأسلحة والمعدات وإنما حتى في التدريب حيث عرضت كثير من الدول ومن بينها الأردن دورات تدريبية عالية الكفاءة لمكافحة الإرهاب وأعلنت الأردن أنها قامت بتدريب قوات عراقية وأفغانية وأنها على استعداد لتدريب قوات أخرى، وليس خفيا ان مجال التدريب على العمليات الخاصة يشكل دخلا ماليا هائلا لكثير من الدول التي تقوم على احترافه في ظل التهديد الأمني الداخلي الذي أصبح شائعا خلال السنوات الأخيرة.
لقد أصبحت ميزانيات كثير من الحكومات العربية فيما يتعلق بالأمن الداخلي للأنظمة تفوق كل التوقعات، وكثير منها ميزانيات سرية تقتطع من أرزاق الشعوب حتى تقمع بها الشعوب، وأصبحت الشعوب الغاضبة من سياسة ونهج كثير من الحكومات هي العدو الأساسي الذي يتعرض للقمع وأصبحت صناعة الحرب على الإرهاب صناعة رائجة تدر دخلا بعشرات المليارات على الذين يحترفونها سواء كانوا من صانعي الأسلحة والأدوات أو مروجيها أو المدربين عليها.
وفي النهاية فإن الشعوب تدفع كل شيء بدءا من السلاح الذي تقمع به وحتى راتب الجندي الذي يقمعها، ولو تم توجيه جزء يسير من هذه الأموال الى مجالات التنمية والقضاء على الأمية والفقر والجهل والظلم لهذه الشعوب فإن هذه الحكومات لن تكون بحاجة على الإطلاق على الحرب على ما يسمى بالإرهاب.

الوطن القطرية

Total
0
Shares
السابق

أزمة السلطة والبؤس الشعبي في العالم العربي

التالي

إسرائيل أضعف بكثير مما تصور به نفسها

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

Total
0
Share