أزمة السلطة والبؤس الشعبي في العالم العربي

تأخُر الرئيس المصري حسني مبارك عن إلقاء خطابه السنوي في ذكرى عيد العمال للمرة الأولى منذ توليه السلطة قبل 29 عاما كشف عن تأثير العملية الجراحية الأخيرة على صحة الرئيس الذي دخل عامه الثالث والثمانين ولم يعين نائبا له طيلة فترة حكمه وحتى الآن، وقد كشف هذا الأمر عن جانب من عمق أزمة القيادة والسلطة في العالم العربي لا سيما في الدول التي سطا فيها العسكر على السلطة عبر انقلابات عسكرية وأقاموا أنظمة ديكتاتورية همشت الشعوب ووضعت السلطة في أيدي حفنة قليلة فزاوجوا بين السلطة والثروة وأغلقوا دائرة الحكم على أنفسهم ومن يدور في فلكهم فخلقوا أزمات تعاني منها الشعوب وسوف تظل تعاني لسنوات طويلة.
حسني مبارك الذي يحكم مصر منذ 29 عاما هو ثالث أطول حاكم في تاريخ مصر القديم والحديث بعد رمسيس الثاني ومحمد علي، غير ان رمسيس الثاني ومحمد علي تركا تاريخا من الإنجازات ستظل البشرية تذكره حتى يرث الله الأرض ومن عليها، لكن العهد الحالي لم يترك للمصريين سوى تاريخ حافل بالتجاوزات على الوطن والمواطن ويكفي أن الأمر وصل الى ان يأكل المصريون لحم الحمير والكلاب وأن يصل عدد الاضرابات والتظاهرات والاحتجاجات خلال آخر عامين أكثر من ألفي اضطراب واحتجاج.
الأمر الأخطر أن النظام همش دور مصر أكبر الدول العربية والمفترض أكثرها تأثيرا ليس في القرار العربي وحده وإنما في القرار الدولي بحكم موقعها الاستراتيجي وتاريخها.
الأمر الأخطر هو تدمير النخبة السياسية المعارضة وكل الذين أبدوا معارضة أو ظهرت لهم شعبية أزاحهم النظام من طريقه وجعل السلطة في مصر مفرغة من كل عناصر المستقبل، وجاء بأراذل الناس فوضعهم في المناصب العليا وسلطهم على الشعب يذيقونه الهوان الذي لم يذقه حتى في عصور الاحتلال والاستعباد.
فراغ السلطة الذي يهدد مستقبل مصر له آثار وخيمة حال استمرار الوضع على ما هو عليه، ولعل ظهور الدكتور محمد البرادعي أربك حسابات النظام ومن حوله بشأن قضية التوريث وإن كان البرادعي في اعتقادي لن يفعل الكثير طالما أن الشعب المصري لا يعنيه أمر بلده.
المشهد في مصر يتشابه مع المشهد في كل ليبيا والجزائر واليمن والعراق وفلسطين، فكل هذه الدول بها مشاكل كبيرة تتعلق بالسلطة والقيادة، فالعقيد القذافي يحكم ليبيا بقبضة حديدية منذ 41 عاما والحديث يدور فيها عن سيناريو توريث مشابه لسيناريو التوريث القائم في مصر، كما أن حسبة بسيطة لدخل ليبيا من النفط طوال هذه الفترة وحالة أهلها الآن تدل على الطريقة التي تدير بها رموز السلطة في ليبيا البلاد، فلا أحد يعلم من الذي سيكون بعد القذافي. تماما مثل مصر التي يعيش الناس فيها على التخمينات والتوقعات والمعطيات التي لا يعلم أحد ما يمكن أن تسفر عنه.
المشهد في اليمن لا يقل سوءا عن المشهد في مصر وليبيا، فالرئيس علي عبدالله صالح يتولى السلطة من ثلاثين عاما، ورغم التفاف اليمنيين حوله في بداية حكمه إلا أنه يعاني منذ عقد كامل من ارتفاع وتيرة المعارضة واتهام نظامه بالفساد والمحسوبية وضبابية مستقبل الدولة من بعده، كما أن الحرب الطاحنة التي دخلها مع الحوثيين أجهدت جيشه وميزانية بلاده التي تعاني من أزمات اقتصادية لا حدود لها.
اما العراق فإن أزمة السلطة فيها يبدو أنها مرشحة لمزيد من التوتر والاضطراب، فالاصطفاف الطائفي الذي بدأ على أيدي الاحتلال الأميركي ولازالت أثاره تتصاعد يمكن أن يقود البلاد الى هوة سحيقة ربما تكون أعمق من تلك الهوة السحيقة التي تعيشها الآن ويعيشها العراقيون من احتلال اميركا للعراق في ابريل من عام 2003م.
أما الجزائر فالوضع لا يقل سوءا فيها عن الوضع في كل من مصر وليبيا واليمن والعراق، حيث يعاني الرئيس بوتفليقة من امراض عديدة بينما يمسك الجنرالات بيد من حديد على السلطة والثروة في البلاد، ورغم العوائد المالية الضخمة التي تصب في الخزينة الجزائرية جراء مبيعات النفط والغاز إلا أن الشعب الجزائري يعيش في ضنك وأزمات اقتصادية لا نهاية لها مع ضبابية في مستقبل البلاد والسلطة فيها.
الأمر في السودان ربما يكون الأسوأ لأن السودان بعد عدة أشهر سوف تصبح دولتين. ونجاح هذا السيناريو بعد عدة عقود من دعمه من قبل القوى الغربية هو تدمير لجزء هام ومكون أساسي من العالم العربي وتهديد لأمن مصر القومي وأمن العالم العربي كله، فالرئيس البشير الذي أمضى في السلطة ما يزيد على 20 عاما لم يغير كثيرا في واقع البلاد رغم عائدات النفط الضخمة التي بدأت تضخ في خزينة البلاد جراء تصاعد مبيعات النفط في البلاد.
أما فلسطين فقد انتهت شرعية الرئيس وشرعية السلطة التي يرى كثيرون انها لا شرعية لها من الأساس.
هذا المشهد الذي يكشف عن أزمة سلطة كبيرة تعيشها هذه الدول يكشف ان هذه الدول هي الأكبر من حيث عدد السكان، والأغنى بالحضارة والتاريخ والإنسان، ومن ثم فإن ما يحدث الآن ليس سوى حرب على تلك الشعوب يشارك فيها الذين يحكمون هذه البلاد وأنها سوف تقود في النهاية الى هذا الواقع المؤلم من الفساد المستشري وتدمير الانسان ووضع البلاد في مستقبل ضبابي غير واضح، ان تخلي الشعوب العربية عن أوطانها وانكفاء الناس على لقمة العيش المرة، جعل الأوطان تحت ايدي حفنة قليلة من رجال السلطة الذين راكموا الثروة وضنوا على الشعوب حتى بالفتات والله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.

الوطن القطرية

Total
0
Shares
السابق

متى تعود مصر إلى الديمقراطية الحقيقية ؟

التالي

صناعة رائجة اسمها الحرب على الإرهاب

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

Total
0
Share