نذر حرب اقتصادية بين أميركا والصين

واكب قيام السلطات الأميركية باغلاق ثلاثة بنوك جديدة في الولايات المتحدة ليصل عدد البنوك التي اغلقت هناك منذ اندلاع الازمة المالية العالمية في شهر نوفمبر من العام 2008 أكثر من 280 بنكا مع توقعات للخبراء بأن ينخفض عدد البنوك الاميركية خلال العقد القادم من 7932 بنكا الى خمسة آلاف فقط.
واكب ذلك تصاعد المعركة الاقتصادية التي تخوضها الولايات المتحدة ضد الصين حيث اجبرت الصين على القيام خلال عام برفع قيمة عملتها اليوان بنسبة 20% على اعتبار ان الولايات المتحدة هي أكبر المستوردين من الصين.
ولم يقف الامر عند هذا الحد بل قامت باجراءات عديدة كان من آخرها فرض رسوم باهظة على الواردات الاميركية من انابيب الصلب الصينية.وقد نقلت صحيفة «نيويورك تايمز» الاميركية في عددها الصادر يوم السبت 16 اكتوبر عن مسؤولين أميركيين اتهامهم للصين باغراق الاسواق الاميركية بالسلع الرخيصة والابقاء على العملة الصينية اليوان منخفضة كثيرا ودعم الشركات الصينية المصدرة مما يمنع – حسب مزاعم الأميركيين – تعافي الاقتصاد الاميركي من آثار الازمة المالية والتسبب في مزيد من الركود ويؤدي الى عجز الصادرات الاميركية عن المنافسة.
ولم يقف الامر عند حد الخبراء والمراقبين وانما تعداه الى وزير الخزانة الاميركي تيموثي غيثنر الذي اتهم الصين بأنها تتسبب للولايات المتحدة بمجموعة من الاضرار بسبب السياسات التجارية التي تنتهجها الصين وعلى رأسها سعر صرف اليوان حيث دأب الاميركيون على اتهام الصين بأنها تتلاعب في سعر صرف اليوان وقد اجلت وزارة الخزانة الاميركية تقريرا يتهم الصين صراحة بالتلاعب في سعر صرف اليوان كان من المقرر ان يصدر في ابريل الماضي، ومن المنتظر ان يتم الاعلان عنه بعد قمة العشرين التي ستعقد في كوريا الجنوبية في 11 نوفمبر القادم، مما يعني تصعيدا في حدة المواجهة بين البلدين.وكانت الصين قد أغضبت الولايات المتحدة أيضاً حينما اعلنت قبل ايام عن استثمارات جديدة في مجالات الطاقة المتجددة اي طاقة الشمس والرياح تصل الى300 مليار دولار حيث رجح المجلس العالمي لطاقة الرياح، وفي يوليو الماضي اعلن رئيس قسم التخطيط والتطوير بادارة الطاقة الصينية ان بلاده ستستثمر خمسة تريليونات يوان (738 مليار دولار) في تطوير الطاقات المتجددة بين عامي 2011 و 2020، وهذا يعني أن الصين سوف تصبح في نهاية هذا العام اكبر سوق لهذا النوع من الطاقة اي الدخول في منافسة كبيرة مع الشركات الاميركية التي كان لها السبق والريادة في وقت اعلنت فيه وكالة الطاقة الدولية في 12 اكتوبر الماضي ان الصين تجاوزت الولايات المتحدة وأصبحت اكبر مستهلك للطاقة في العالم، وكانت الولايات المتحدة قد تربعت على عرش المستهلك الأول للطاقة طوال العقود الماضية، وقيام الصين بانتزاع هذه المكانة منها يعني ان الاقتصاد الصيني الذي يشهد انتعاشا قدره الخبراء ومن بينهم رئيس وكالة الطاقة الدولية نوبو تاناكا بـ 10% سنويا في الوقت الذي لم يستطع فيه الاقتصاد الاميركي حتى الآن التعافي من ازمته.
ان من يراقب هذه الحرب الاقتصادية بين الصين والولايات المتحدة يجد انها تتصاعد ساعة بعد ساعة وليس يوما بعد يوم، ففي كل يوم تقريبا هناك تصريحات وتصريحات مضادة واتهامات ودفوع وخطوة تحققها الصين مقابل تراجع اميركي، حيث لم تجد الولايات المتحدة من تصدر له ازمتها او تتهمه بالتسبب في استمرارها سوى الصين، التي تسعى جاهدة لدحض الاتهامات الاميركية والسعي لتفنيدها، لكن ارتفاع وتيرة الاتهامات وتصاعدها من قبل الولايات المتحدة يعكس حجم الازمة التي تعيشها.
وكنت قد سعيت في شهر مارس من العام الماضي 2009 الى فهم بعض جوانب هذه الحرب مع الخبير الاقتصادي الصيني سونغ هونبجبينغ صاحب كتاب «حرب العملات» الذي حقق اعلى المبيعات في العالم حيث يقوم محور كتابه على الحرب الاقتصادية القائمة بين الولايات المتحدة والصين وحرب العملة تحديدا اليوان والدولار من خلال دراسته وعمله في الولايات المتحدة لدى اكبر الشركات المالية لاكثر من خمسة عشر عاما، فأعاد جانبا من الازمة والحرب بين البلدين الى قيام الولايات المتحدة بطباعة كميات هائلة من عملتها الدولار وبثها في الاسواق دون اي غطاء اقتصادي وان هذا الامر صنع فقاعة اقتصادية حيث تهيمن الولايات المتحدة على اسواق العالم بعملتها دون ان يكون هناك علاقة بين القيم الصحيحة لهذه العملة والاصول التي تقيم بها.
لهذا تمارس الولايات المتحدة ضغوطا على الصين حتى ترفع قيمة عملتها وهذا سيكون له آثار وخيمة على الاقتصاد الصيني.
وقد وجدت على الجانب الآخر رأيا متطابقا مع ما ذكره هونجبينغ اعلنه خبير الاقتصاد الاميركي الحائز جائزة نوبل في الاقتصاد جوزيف ستيغليتز وذلك في مؤتمر صحفي عقده في جامعة كولومبيا في الولايات المتحدة في 5 أكتوبر الماضي قال فيه: «ثمة الكثير من عدم الاستقرار والذي يعزى جزئيا إلى طوفان السيولة التي يطرحها مجلس الاحتياطي الفيدرالي والبنك المركزي الأوروبي. لكن المفارقة تتمثل في أن مجلس الاحتياطي الفيدرالي يوفر كل هذه السيولة على أمل أنه سيكون بمقدوره إنعاش الاقتصاد الأميركي. بيد أن ذلك لا يفيد الاقتصاد الأميركي بأي شيء ويخلق الفوضى في بقية أرجاء العالم».
الفوضى التي حذر منها ستيغليتز هي نفسها التي حذر منها هونجبينغ في ظل أن الصين تملك أكبر احتياطي من العملة الأميركية الدولار يصل الى تريليونين من الدولارات وهذا أمر له مخاطره على الصين أيضا. فرفع قيمة اليوان مقابل الدولار كما تطالب الولايات المتحدة يعني مزيدا من الخسائر للصين. لكن المخاوف هنا هي أن تتحول الضغوط الأميركية الى حرب أولها العقوبات الأميركية ثم السعي لإشراك العالم معها في هذه العقوبات ثم تغطيتها بغطاء أممي تماما، كما حدث مع كوريا الشمالية والعراق وإيران الآن، وهذا يعني أننا أمام مواجهة مفتوحة بين البلدين سوف تشهد كل يوم فصولا جديدة. فما الذي سوف يحمله الفصل القادم في تلك الحرب بين الصين والولايات المتحدة؟

الوطن القطرية

Total
0
Shares
السابق

هل تندفع أميركا على طريق الاضمحلال؟

التالي
وليد حاج

وليد حاج ج1: رسالة المرأة الشيشانية ورحلته إلى أفغانستان وانضمامه لطالبان

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

Total
0
Share