أردوغان يملأ الفراغ

الزيارة التي قام بها رئيس الوزراء التركي رجب الطيب أردوغان إلى لبنان مؤخرا كسرت حالة الشلل الداخلي السياسي الذي تعيشه لبنان منذ فترة، فلم يفعل أردوغان كما يفعل المسؤولون الدوليون حينما يزورن لبنان حيث تجرى اللقاءات داخل الغرف المغلقة وتنتهي بمؤتمر صحفي أو تسريبات، لكن أردوغان شارك مع رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري في لقاء جماهيري حاشد في عكار رفع خلاله اللبنانيون صور أردوغان الزعيم التركي الذي ملأ الفراغ الذي تركته معظم الزعامات العربية لأهم القضايا العربية وعلى رأسها قضية فلسطين، حيث وجه أردوغان عدة رسائل قوية وهامة إلى إسرائيل من على حدودها الشمالية كان من أهمها تحذير إسرائيل من خوض أي مغامرة عسكرية ضد لبنان التي تعهد بأن تركيا لن تقف عاجزة أمام أي حرب تقوم بها إسرائيل ضدها أو ضد غزة، كما أنه اعتبر أن «الخاسر في حال نشوب الحرب لن يكون أهل المنطقة بل مواطني إسرائيل أيضا» ودعا أرودغان حكومة إسرائيل أن «تتراجع عن أخطائها وتعتذر لأبناء المنطقة وتعمل من أجل السلام»، وهذا يعني أن إسرائيل التي تنتشر تقارير بأنها تعد لحرب إما ضد لبنان أو غزة سوف تعيد النظر في حساباتها لأن تركيا التي كانت من أهم داعمي إسرائيل وسياستها في المنطقة تحولت ليس إلى التخلي عن دعم إسرائيل وإنما إلى تهديدها وهذا ما لم تقم به أية دولة عربية من أكثر من ثلاثة عقود.
كما دعا أردوغان اللبنانيين إلى أن يبقوا موحدين أقوياء، ورغم أن أردوغان حرص على ألا يحمل مشروعات سياسية محددة بخصوص الوضع الداخلي في لبنان حرصا على العلاقات القوية التي تربط لبنان بصانعي القرار الرئيسي في لبنان السعودية وسوريا إلا أن تلك العلاقات القوية يمكن أن تساعد أردوغان على حلحلة الوضع الداخلي المتأزم في لبنان بعدما أصبحت كثير من القرارات والمبادرات العربية ترتبط إلى حد كبير بمزاجية الزعماء العرب وصحتهم وليس بخطط استراتيجية تقوم على أبعاد قومية وسياسية، وأصبحت الشعوب تترقب النشرات الطبية والحالة المزاجية لهذا الزعيم أو ذاك في الوقت الذي تخطو فيه دولة مثل تركيا خطوات واثقة تجاه مصالحها ومصالح جيرانها تقوم على صناعة محور في المنطقة يقف في وجه التهديدات التي تتعرض لها بعيدا عن الضغوط التي تمارس من الشرق والغرب.
فوزير الخارجية التركي أحمد داوود أوغلو الذي توجه إلى الولايات المتحدة يوم السبت الماضي للقاء عدد من المسؤولين الأميركيين ثم يكرم كواحد من أهم مائة مفكر في العالم، والذي يعتبر المخطط الرئيسي لسياسة تركيا الخارجية، وضع عدة خطط نجحت تركيا خلال سنوات معدودة من تنفيذ كثير منها لاسيما ما يتعلق بعلاقتها مع جيرانها حيث تخطى الأمر حل المشكلات بين كل من تركيا وسوريا على سبيل المثال الى عقد عشرات الاتفاقيات الاقتصادية والسياسية وغيرها من بينها فتح الحدود بين تركيا وتلك البلاد وقد انضمت لبنان ودول اخرى لتلك الاتفاقية.
ان عبقرية اردوغان وسياسته في ملء الفراغ ليست في قدراته وحده وانما ايضا في اختياره لمن حوله من الرجال الذين يرتقون بالوضع الداخلي والصورة الخارجية لتركيا في خطوات واثقة ورؤى واضحة تجلب الاحترام العربي والدولي وتصنع هيبة ومكانة للامة التي يقودها فيما يتوارى الآخرون ويتخذون النقد والتخويف سياسة ليداروا بها على عجزهم وضعفهم، وانهم لم يصلوا الى السلطة بخيار الشعب كما وصل اردوغان وانما اغتصبوها او زوروا نتائجها وهذا يجعلهم يحيطون انفسهم بالمزورين امثالهم.
إن الامم تنهض بقادتها وزعمائها الذين يبثون العزة والكرامة في نفوس الشعوب ويرتقون بأممهم في كافة المجالات ويملأون الفراغ الذي يتركه المتهافتون على صناعة الامجاد الشخصية ونهب خيرات الشعوب، وهذا هو الفارق بين من يصنعون التاريخ ومن يصنعون الأوهام، ومن يملأون الفراغ ومن يكون وجودهم فراغا في فراغ .

الوطن القطرية

Total
0
Shares
السابق
وليد حاج

وليد حاج أحد معتقلي جوانتنامو (7) : نقل الناجين من جانغي إلى سجن قندهار..ووسائل تعذيبهم

التالي
وليد حاج

وليد حاج ج8 : الرحلة إلى جوانتنامو..وسائل التعذيب والتحقيق واستخدام السحر

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

Total
0
Share