ما السر وراء سرعة القبض على مبارك ورجاله ؟

تتكشف كل يوم تفاصيل مثيرة عن المؤامرة التي قام بها بقايا نظام مبارك الفاسد للوقيعة بين الجيش والشعب من خلال أحداث ووقائع جمعة «المحاكمة والتطهير» التي احتشد فيها ما يقرب من مليونين من المصريين في ميدان التحرير وسط القاهرة في الثامن من إبريل للتأكيد على مطالب الثورة وأهمها محاكمة الرئيس المخلوع وعائلته ورجال نظامه الفاسد، وقد أشرت في المقال السابق إلى بعض تفاصيل ما وقع يوم الجمعة وليلة السبت غير أن الأيام التالية كشفت المزيد من التفاصيل التي اكتملت من خلالها عناصر المؤامرة، فقد نشرت صحيفة «الشروق» في عددها الصادر في 11 إبريل تفاصيل مثيرة عن خطة «الثورة المضادة» التي اكتملت عناصرها في هذا اليوم ومن أهمها أن قيادات وعناصر من الحزب الوطني ـ الذي صدر حكم قضائي غير قابل للنقض بحله من محكمة القضاء الإداري في 16 إبريل ـ اجتمعوا عصر الخميس 7 إبريل في مركز إعداد القادة بالزمالك واتفقوا على إفساد مليونية الجمعة لمواجهة دعوات محاكمة الرئيس المخلوع حسني مبارك وإفساد العلاقة بين الشعب والجيش وانتهى الاجتماع بحسب مصادر ـ الشروق ـ إلى الاتفاق على حشد عدد كبير من أعضاء الحزب الوطني وبلطجية الانتخابات في ميدان التحرير بغرض احتلاله ثم الاعتصام فيه إلى يوم 25 إبريل، وأشارت الشروق إلى أن الاجتماع الذي عقد في مركز إعداد القادة في الزمالك تم بقيادة إبراهيم كامل رجل الأعمال المنتمي للحزب الوطني والمتهم في موقعة الجمل التي وقعت يوم 2 و3 فبراير الماضي وأدت إلى مقتل وإصابة العشرات من المعتصمين في ميدان التحرير آنذاك، وأن إبراهيم كامل مع رجال أعمال آخرين تابعين للحزب قاموا بتمويل شراء الخيام ووجبات الطعام للبلطجية الذين قاموا باحتلال الميدان.
الشروق ذكرت تفاصيل كثيرة عن الخطة الذي أثبت الواقع وتتابع الأحداث وجودها بعدما نفذ جزء كبير منها حتى عصر الثلاثاء 12 إبريل حيث تم تحرير ميدان التحرير من البلطجية التابعين لفلول الحزب الوطني، لكني أريد قبل الوصول إلى ما حدث عصر الثلاثاء أن أشير إلى بعض تفاصيل ما حدث ليلة وفجر السبت 9 إبريل من شهود عيان التقيت بهم أو كنت على اتصال معهم خلال الأحداث، فقد توافد على ميدان التحرير بعد الإعلان في الساعة الخامسة عن انتهاء فعاليات جمعة «المحاكمة والتطهير» المزيد من الضباط الذين كانوا يرتدون الزي العسكري حتى وصل عددهم إلى ما يقرب من عشرين ضابطا أعلاهم برتبة نقيب حسبما روى لي الدكتور صفوت حجازي الذي سعى للتفاوض بين قيادة الجيش الموجودة في الميدان والضباط المعتصمين بين المدنيين في خيمة وضعت وسط الميدان لتحاشي المواجهة التي وقعت فجر ذلك اليوم، لكن قبل ذلك وفي الساعة التاسعة ليلا حاول اللواء حمدي بدين قائد الشرطة العسكرية المصرية الدخول للميدان مع بعض ضباطه من أجل القبض على الضباط المعتصمين وسط المتظاهرين المدنيين لأنهم خالفوا القانون العسكري لكن بعض المتعاطفين والمتواطئين مع الضباط المعتصمين منعوا اللواء بدين من القيام بمهمته، بل إن بعضهم كما روى لي شهود عيان حاولوا الاعتداء عليه، إلا أن شباب الثورة الذين يعرفون اللواء بدين ومنهم أحمد عبد الجواد من ائتلاف شباب الثورة الذي روى لي الواقعة قاموا بحمايته من هؤلاء حتى أمنوا خروجه من الميدان، واعتبر هذا اعتداء على القوات المسلحة أو على رمز من رموزها وكان ينذر ـ دون شك ـ بعواقب وخيمة، بعد ذلك بدأ الدكتور صفوت حجازي بوساطته قرب منتصف الليل، وقد سعى لاقناع الضباط بالخروج من الميدان لأن وجودهم به سوف يؤذي الثورة السلمية ومطالبها وسوف يؤذي المدنيين الذين يقومون بها وأنهم لو قاموا بارتداء الزي المدني والخروج من الميدان لن يتعرف عليهم أحد وبذلك يجنبوا الثورة والمدنيين خطورة المواجهة مع القوات المسلحة، لكن الدكتور حجازي أكد لي أن بعض المدنيين من المتواطئين وربما الذين ساهموا في ترتيب المشهد من البداية كانوا يحرضون الضباط على البقاء وأنهم سوف يقومون بحمايتهم بأرواحهم، واتهموا الدكتور حجازي بالعمل لصالح الجيش، لكن الدكتور حجازي ـ كما أبلغني وكما أعرفه ـ كان يعمل من أجل مصر وأن يجنب الشعب أي مواجهة مع الجيش وأن يفوت على الذين سعوا للوقيعة بين الشعب والجيش أي فرصة لتحقيق أهدافهم.
طالت المفاوضات والجولات المكوكية وأصر الضباط على البقاء، وقبل أن يقوم الجيش بتفريق المعتصمين في الميدان حتى يقبض على ضباطه الفارين كان الذين وعدوهم بفدائهم بأرواحهم قد تبخروا واختفوا كما ذكر لي الدكتور حجازي، استمرت محاولة فض المعتصمين في الميدان من الساعة الثالثة و النصف تقريبا وحتى السادسة والنصف، حيث غادر الجيش الميدان وأسفر هذا عن مقتل شخص وإصابة آخرين وأكد الجيش أنه لم يستخدم الرصاص الحي على الاطلاق وأن الشخص الذي قتل قتل نتيجة رصاصة أطلقت من أعلى وأن التحقيقات جارية، وقد قبض على أكثر من أربعين اتضح أن معظمهم من المتعاطفين وأفرج عنهم بعد ذلك، أعتقد أن الحادث كشف للمجلس الأعلى للقوات المسلحة أنه أصبح هو المستهدف، وأن استدراج هؤلاء الضباط إلى ميدان التحرير وصعودهم المنصة الرئيسية ثم اعتصامهم لم يكن بعيدا عن الرئيس المخلوع ورجاله الذين يقودون الثورة المضادة وأن هدفه الأساسي هو إحراج المجلس الأعلى للقوات المسلحة وتشويه صورته لذلك أصدر المجلس الأعلى قرارا صباح السبت بالقبض على رجل الأعمال إبراهيم كامل وأتباعه وحبسهم خمسة عشر يوما، لكن البلطجية والمتعاطفين عادوا لميدان التحرير مرة أخرى وقاموا بإغلاقه ومنع السيارات من دخوله، وكانت هذه نتيجة مسيئة للثورة وللشعب والجيش وهدفا من أهداف المخطط الذي وضعه بقايا النظام الفاسد والرئيس المخلوع.
كانت هذه المعطيات علاوة على جمعة المحاكمة والتطهير والخطاب الذي أذاعه مبارك على قناة العربية سببا رئيسيا ـ كما أعتقد ـ في سرعة القبض على الرئيس المخلوع وعائلته وكبار رجاله الفاسدين في الأسبوع الماضي وبدء التحقيقات معهم لمحاكمتهم وكانت ردا مباشرا من المجلس الأعلى للقوات المسلحة على محاولة هؤلاء اختراق الجيش وتشويه صورته عبر مجموعة الضباط التي ذهبت إلى ميدان التحرير.
وختاما للمشهد أقول لقد ذهبت إلى ميدان التحرير مساء الاثنين 11 إبريل مع عدد من الأصدقاء وشباب الثورة في محاولة لاقناع الذين يغلقون الميدان بضرورة فتحه لأن ما يحدث تهريج وإفساد للثورة وأهدافها، وجزء من الثورة المضادة، كان عدد المتعاطفين والمخدوعين في الميدان محدودا، بينما كان البلطجية والباعة الجائلين وعائلاتهم هم الأغلبية وبينما قبل المتعاطفون خطابنا بل إن أحدهم جاءني بعد ذلك في نقابة الصحفيين يوم الأربعاء وقال لي : لقد اكتشفنا أننا كنا مخدوعين بهذا العمل لكن البلطجية هاجمونا وطالبونا بالخروج من الميدان فخرجنا في الساعة الواحدة بعد منتصف الليل دون أن تفلح محاولاتنا فتح الميدان، وصباح الثلاثاء أعلن رئيس الوزراء عصام شرف أنه أمر بتشكيل لجنة قضائية للتحقيق فيما حدث في ميدان التحرير يومي الجمعة والسبت وكانت هذه خطوة إيجابية، وظهر نفس اليوم اتصل بي عدد من شباب الثورة وقالوا إنهم في ميدان التحرير يحاولون إقناع الذين يغلقونه بفتحه وأن هناك تجاوبا من المتعاطفين مع الثورة لكن المشكلة في البلطجية، ذهبت إليهم ومعي بعض الزملاء والأصدقاء في الساعة الثانية والنصف ظهرا تقريبا وما إن رآني الناس حتى اجتمعوا حولي و كان بينهم عدد كبير من أبناء مصر المخلصين توافدوا للميدان مثلي بهدف فتحه بينما كانت هناك أعداد من البلطجية يقدرون بالعشرات وقد أبلغني بعض الحضور أن البلطجية معهم سيوف وأسلحة بيضاء ويجهزون قنابل مولوتوف سوف يستخدمونها ضد كل من يحاول فتح الميدان، وكان شباب الثورة قد قاموا قبل يوم واحد باكتشاف ما يقرب من أربعين قنبلة مولوتوف في بيارة إحدى العمارات المطلة على التحرير وجاء الجيش فتسلمها، حاول بعض البلطجية الاعتداء علي لكن الشباب التفوا حولي وحموني، وبعد ما يزيد على ساعة نجحنا في إقناع المتعاطفين في الميدان بضرورة فتحه الآن لأن ما يقومون به هو عمل معاد للثورة، وجدت الحماسة تملأ وجوه الجميع، لكن البلطجية ثاروا علينا وقاموا بالاعتداء على بعض الشباب، لكننا نجحنا في فتح أول شارع وهو شارع الفلكي المجاور للجامعة الأميركية ودخلت أول سيارة للميدان فرماها البلطجية بالحجارة، لكن السيارات توالت وتوالى فتح الشوارع التي يبلغ عددها عشرة شوارع واحدا بعد الآخر، وسط فرحة عارمة واشتباكات بيننا وبين البلطجية الذين كشفوا عن وجوههم في النهاية فقد كانوا تابعين للحزب الوطني ونظام مبارك حيث أخذوا يهتفون بميكرفون في أيديهم للرئيس المخلوع ويعتذرون له ويطالبونه بالعودة، وقمنا بتصوير هذا المشهد وبثته قناة الجزيرة عدة مرات على شاشاتها، وانكشفت اللعبة والمخطط بالكامل الذين كانوا وراءه لقد كانوا هم الذين أغلقوا الميدان، وهم الذين رتبوا المخطط الكامل لأفساد العلاقة بين الشعب والجيش وتضليل ضباط الجيش الذين لجأوا للميدان، لكنهم بغبائهم أيضا كانوا سببا في تعجيل القبض عل مبارك وعائلته وبقايا رجاله من رموز الفساد الذين بدأت التحقيقات معهم في الأسبوع الماضي.

الوطن القطرية

Total
0
Shares
السابق

الفجور في نهب ثروات مصر

التالي

الرئيــس الــــذي ســــرق بـــــلادي «1»

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

Total
0
Share