معركة طرابلس «3 »

أدت عملية القبض على مصطفى نوح المنسق العسكري لائتلاف السابع عشر من فبراير في العاصمة طرابلس من قبل جهاز الاستخبارات الليبي الذي كان يقوده عبد الله السنوسي إلى هروب معظم العسكريين الذين كانوا ينتمون للتنظيم أو اختفائهم حيث كان بعضهم على رأس عمله لاسيما الذين كانوا يعملون في الأجهزة الأمنية وقد أبلغني العقيد محمد الشيخ مسؤول ملف الداخلية في العاصمة طرابلس الآن وأحد ضباط الداخلية الكبار الذين كانوا يعملون مع الثوار أنه ما ان علم بالقبض على مصطفى نوح حتى اختفى مع زميل له في أحد المزارع في طرابلس، وبعد عدة أيام من الاختفاء كاد أن يقبض عليهم، حينما قام بعض شباب الثوار بالهجوم على نقطة أمنية ملاصقة للمزرعة التي كانوا يختبئون بها، مما دفع قوات القذافي إلى طلب تعزيزات وبدأوا بتمشيط المنطقة من بداية الليل وحتى الصباح وقد وصلوا إلى أعتاب المزرعة التي كانوا يختبئون بها واعتقدوا أنهم مقبوض عليهم لا محالة لكن القوات انسحبت فجأة وتنفسوا الصعداء بعدها.
بعدما شعروا ببعض الأمن قاموا بالاتصال ببعض المجموعات التي كانوا يتعاملون معها وكانت المشكلة هي الحصول على السلاح، لاسيما بنادق القناصة التي كان لها أن تمكنهم من اصطياد عملاء القذافي ورجاله من مسافات بعيدة تتجاوز الألف متر، وقد شرح لي فوزي عبد العالي عضو المجلس الانتقالي ومسؤول التسليح فيه عن أنهم كانوا يواجهون مخاطر كبيرة في تهريب الأسلحة إلى طرابلس فالانتفاضة لا يمكن أن تتم في ظل وجود كميات قليلة من السلاح فكل الشباب كان لديهم الاستعداد لحمل السلاح لكن المشكلة كيف يصل السلاح إلى طرابلس لاسيما بعدما كشفت أكثر من عملية حاول الثوار أن يقوموا بادخال السلاح خلالها من البحر.
تم اعداد الخطة للسيطرة على طرابلس وكانت تقوم على قيام الأحياء المختلفة بالانتفاضة من داخلها فطرابلس بها أكثر من ثلاثين حيا كبيرا تتفرع منها أحياء صغيرة تصل إلى ثمانين حيا، لكن الاعتماد كان يتم بشكل أساسي على الأحياء الكبيرة مثل سوق الجمعة وفشلوم وتاجوراء والنوفليين والسياحية والشعال وغيرها لأن بعض الأحياء الأخرى ينتشر بها عملاء القذافي، علاوة على ذلك تم الاتفاق مع بعض قيادات الشرطة داخل المدينة أن يقوموا بتحييد قواتهم مقابل عدم المساس بهم في نفس الوقت كان الثوار خارج طرابلس وتحديدا في منقطة الجبل الغربي يعدون عدة كتائب للهجوم على المدينة من الخارج في نفس الوقت وقد أبلغني عبد الحكيم بالحاج رئيس المجلس العسكري لطرابلس أنه كانت هناك خمس كتائب في الجبل تعد نفسها لاقتحام المدينة من الخارج، أما خطة التحرك الداخلية فكانت تقوم على أن يقوم الشباب باغلاق الشوارع الرئيسية المؤدية للأحياء بكل الوسائل ومهاجمة النقاط الأمنية في داخلها أما المسلحون فينتشرون على مداخل الأحياء ويقاتلون حتى الموت حتى يمنعوا قوات القذافي وكتائبه من دخول الأحياء من هنا يتم تحرير الأحياء من داخلها والدفاع عنها من الخارج في نفس الوقت يقوم الثوار من الخارج بالهجوم على المحاور المختلفة لطرابلس بحيث يشتتون قوة الكتائب التي كان كثير منها قد استنزفك قوته بالفعل في معارك مصراتة والزنتان والجبل الغربي وغيرها وكان القذافي قد استعاض عن هؤلاء بالمحكومين من المجرمين في السجون واغراهم بالمال وغيره، وكان تقدير الثوار للمعركة أنها يمكن أن تمتد لأسبوعين من ثم يجب أن يتم تأمين احتياجات السكان من الطعام والشراب والتكافل بين الناس طوال الوقت خلال هذين الأسبوعين، كما كانت استراتيجية الثوار قائمة على الهجوم على مخازن السلاح والذخيرة للحصول عليها، وقد كان كثير من رجال القذافي يبيعون أسلحتهم للثوار كما كان كثير من رجاله الذين ائتمنهم وحول بيوتهم إلى مخازن للسلاح والذخيرة داخل الأحياء والمدن يبيعون هذه الأسلحة للثوار وقام كثير من تجار طرابلس الشرفاء بالتبرع بأموال كبيرة من أجل شراء السلاح، وقد وصل سعر قطعة الكلاشينكوف حسب قول العقيد محمد الشيخ إلى أربعة آلاف دينار ليبي، فقد أدرك رجال القذافي أن النظام ساقط لا محالة ومن ثم سعى كل منهم ليبيع النظام وما أعطاه النظام من أجل الحصول على أكبر قدر ممكن من الأموال، لم تكن الأسلحة كافية على الاطلاق فقد كان كل أربعة ثوار يملكون بندقية واحدة لذا قامت استراتيجية الثوار في المدينة على أن يتبادل كل أربعة ثوار بندقية واحدة يتبادلونها فيما بينهم ست ساعات حتى تكون لديهم القدرة للقتال أربعا وعشرين ساعة بينما الكتائب لا تملك هذه الميزة، وقد أخبرني أكثر من مسؤول عسكري للثوار أن قلة السلاح هنا أصبحت ميزة وليست عيبا حيث لم تكن لدى الثوار القدرة على القتال المتواصل ثمان وأربعين ساعة وهي الجزء الفاصل من المعركة حسب الخطة، لذلك كانت خطة استخدام كل أربعة من الثوار لبندقية واحدة كفيلا بقدرة الثوار على الاستمرار في القتال مدة أسبوعين على الأقل، لكن بعد أسبوعين لم تكن هناك رؤية لذا كان التركيز كله أن تكون معركة طرابلس معركة خاطفة وحاسمة في أقل وقت ممكن وبأقل خسائر ممكنة بين الثوار والمدنيين، بالنسبة للموعد تم تحديد بداية رمضان لكن الأمر كان به صعوبة كبيرة بعد القبض على أكثر من مسؤول عسكري وكشف عملية التهريب الكبرى للسلاح، فتم تحديد العاشر من رمضان ثم السابع عشر تيمنا بذكرى غزوة بدر لكن التواصل بين ثوار الداخل والخارج أثبت أن الجاهزية يوم 17 لن تكون كاملة وطلبوا الـتأخير ليومين لاسيما وأن الناتو كان مخططا أن يضرب ما يزيد على سبعين هدفا قبل الانتفاضة حتى يشل قوات القذافي ويجهضها لكن الناتو لم يفعل فتم تحديد يوم العشرين تيمنا بفتح مكة، ورغم أن الناتو لم يضرب الأهداف المتفق عليها لكن الثوار تحركوا ولم ينتظروا الناتو، وتحديدا تم تحديد يوم عشرين الساعة عشرين وعشرين دقيقة أي الثامنة والثلث مساء حيث يكون موعد الافطار قد دخل وتبدأ الانتفاضة بالتكبير في كل المساجد ثم ينقض الثوار على النقاط الأمنية ويبدأون في اغلاق الشوارع الرئيسية للأحياء والدفاع عنها وهذا ما حدث بالفعل، وقع الرعب في نفوس الكتائب في معظم الأحياء والذي لم يقتل فر هاربا أو أسر، ووجد الثوار أن خطتهم التي وضعوها لأسقاط المدينة خلال أسبوعين قد نجحت في اسقاط المدينة في ثماني ساعات كما قال لي أكثر من واحد منهم حتى انهم أصابتهم الحيرة كانوا يتوقعون دفاعا مستميا من القذافي ورجاله، توجه الثوار دون توجيه بعد سقوط أحياء المدينة المختلفة إلى باب العزيزية المعقل الحصين للقذافي في نفس الوقت تمكنت قوات الثوار من الخارج في الوصول إلى باب العزيزية مساء الحادي والعشرين من رمضان وأغسطس فوجدوا بقايا من قوات القذافي في باب العزيزية تم تمشيط المكان وبعض أحياء المدينة لعدة أيام حتى تم اعلان تحرير طرابلس وهربت فلول القذافي إلى سرت وبعض المناطق الأخرى.

الوطن القطرية

Total
0
Shares
السابق
ممدوح حمزة

ممدوح حمزة (2) : علاقته بشباب الثورة .. وتفاصيل تظاهرات 25 يناير

التالي
ممدوح حمزة

ممدوح حمزة (3) : جمعة الغضب ومعركة كوبري قصر النيل

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

Total
0
Share