خطـــوات مـــصر نحــــو الديــمقــراطــيـــة

مشهد ما قبل إجراء الانتخابات الرئاسية الاولى التي تجرى في مصر بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير والمقررة في الثالث والعشرين من مايو الجاري يدعو للتفاؤل رغم كل الملاحظات والسلبيات والمنغصات التي تغلف المشهد، فالشعوب على مدار التاريخ لم تحصل على استقلالها وحريتها إلا بالدماء، وقد سالت دماء المصريين على مدى ستين عاما من استبداد حكم العسكر في مصر من اجل الحرية، بدءا من اول اثنين من عمال مصر علقا على مشانق ضباط يوليو حينما ثار عمال مصانع كفر الدوار ضد استبداد العسكر في ايام الانقلاب الاولى وأراد الضباط ان يضربوا بيد من حديد فاعدم خميس والبقري ليكونا البداية لمسيرة طويلة من تضحيات الشعب المصري، بدأت من عام 1952 واستمرت حتى شهداء ميدان العباسية قبل ايام، وقد ضمت مسيرة الشهداء الطويلة من اجل إنهاء حكم العسكر والحصول على حرية وكرامة الشعب معظم اطياف وابناء الشعب المصري من كافة الاتجاهات السياسية والفكرية ومن كل ربوع ونجوع مصر، فبعد إعدام خميس والبقري، اعدم ستة من قيادات الاخوان المسلمين عام 1954، وقبض على الآلاف منهم وهرب آخرون خارج مصر، كما تعرض الشيوعيون وغيرهم حتى من غير المنتمين بل اعتقل العشرات ممن كانوا يروجون النكات السياسية وتعرضوا إلى حملات تعذيب وتم تصفية العشرات منهم سرا خلال سنوات الخمسينيات والستينيات خلال التعذيب ودفنوا في الصحراء المحيطة بالسجن الحربي، بينما علق سيد قطب وعدد آخر من قيادات الاخوان منتصف الستينيات على اعواد المشانق والتهمة ثابتة في كل حالات الاعدام والاعتقال لكل من عارض النظام الاستبدادي الذي أقامه العسكر وهي التآمر على النظام، وقد وجد السادات حينما جاء بعد عبد الناصر في عام 1970 فرصة لبناء شعبيته عبر الافراج عن آلاف المعتقلين من كل الاتجاهات السياسية لا سيما الاخوان واعطاهم متنفسا حتى ظهرت قضية الفنية العسكرية التي اعدم بسببها مجموعة من خيرة العقول المصرية والعربية مثل صالح سرية والانصاري والاناضولي، ومازال سر هذه القضية بتفاصيلها مجهولا حتى الآن، وقد حاولت ان اعرف بعض التفاصيل من نائب رئيس الجمهوية المصري آنذاك حسين الشافعي قبل وفاته إلا انه لم يكن يعرف سوى انه كان هناك مخطط لوضعه على رأس هذا التنظيم للتخلص منه ثم ارتأى السادات ان يتخلص منه بالطريقة التي تمت، ثم ظهرت قضية ما يسمى بالتكفير و الهجرة التي لاتزال مليئة بالالغاز والغموض مثل معظم القضايا المشابهة، حيث تم تصفية بعض الزعامات الفكرية التي كان من الممكن ان يراجعوا فكريا لكن الاسلوب الاقصائي القائم على رؤية العسكر الضيقة للتعامل مع المجتمعات و الافكار كان كفيلا بأن يجعل مسيرة الدماء مستمرة وان يزيف الاعلام للناس كل ما يريده الحاكم وان يكون هناك قضاة جاهزون لتدبيج الاحكام التي يريدها الحاكم ثم يكافأوا بالمناصب الزائلة والامتيازات الحرام، ولما ضاق السادات ذرعا، اعتقل المئات واودعهم المعتقلات، وغلبته عقليته العسكرية رغم حنكته السياسية فلقي حتفه على يد الاسلامبولي ورفاقه، ثم يأتي حكم مبارك الذي بدأ هادئا ثم تحول إلى وحش كاسر بعدما أحاط نفسه بأراذل الناس الذين استحلوا اموال المصريين ودماءهم فسلبوا ونهبوا وقتلوا وكانت سنوات الرصاص في التسعينيات والتي لم يمط عنها اللثام بعد وعن الفظائع التي ارتكبت فيها واستخدم النظام فيها رجال الامن وابناء الجماعة الاسلامية وكلاهما من ابناء مصر لتصفية بعضهم البعض بداية ثم تحول الامر إلى حرب إبادة ضد المنتمين للجماعة الاسلامية في قصص مريعة بينما ترك مبارك الاسرائيليين يمرحون ويسرحون في ربوع مصر، ثم يسدل الستار بعد سنوات طويلة لينتهي بالحوار الذي كان يجب ان يتم البدء به، والمراجعات التي كانت كفيلة بحفظ الدماء من البداية، ولأن النظام حول مجموعة من رجال الامن إلى قتلة ومجرمين فقد اصبح من الصعب على هؤلاء ان يعودوا بشرا عاديين فواصلوا القتل حينما قامت ثورة الخامس والعشرين من يناير ووقعت احداث الثورة التي استمرت حتى سقوط مبارك في الحادي عشر من فبراير، فسقط خلالها مئات الشهداء وآلاف الجرحى، وواصلت الثورة طريقها وسط الدماء التي لم تتوقف ووقعت كثير من الاحداث سقط خلالها شهداء وجرحى وكلها كانت من اجل عرقلة الثورة ووقف مسيرة التحول نحو الديمقراطية وبقاء النظام الاستبدادي الذي أذاق المصريين الهوان طوال ستين عاما، لكن الشعب لم تتوقف تضحياته، وكنت أتعجب دائما كلما رأيت حشود الشباب وهي تتوجه إلى مبنى الاذاعة والتليفزيون وميدان التحرير وشارع محمد محمود ومجلس الشعب وتعتصم امام مجلس الوزراء ووزارة الداخلية ثم ميدان العباسبة رغم ان العشرات كانوا يسقطون بالرصاص، وكان هذا تأكيدا على معنى جميل هو ان الخوف قد مات في نفوس المصريين، وانهم لن يعودوا للوراء وأن كل شهيد يسقط هو استمرار لمسيرة خميس والبقري التي بدأت بعد انقلاب عام 1952، وسوف تستمر حتى تكتمل التجربة ويأتي حاكم يحفظ دماء المصريين وأموالهم واعراضهم ويعرف شيئا اسمه الحرام، والمسؤولية، والامانة، وقيمة الانسان، لذلك فإن كل ما يحدث من تجاوزات وعراقيل في طريق الوصول لاكتمال الثورة هو جزء من المسيرة الطويلة لا يستدعي الخوف او القلق لأن الشعب قرر ان يستعيد سيادته التي سلبت منه مهما كانت التضحيات، ومن تحمل ستين عاما فلن تطول عليه عدة سنوات؟!!!


الوطن القطرية

Total
0
Shares
السابق

الأزمة السياسية المتصاعدة في مصر

التالي

الاختـبـــار الأكبـــر للثــــورة المصـــريــــة

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

Total
0
Share