الاختـبـــار الأكبـــر للثــــورة المصـــريــــة

تمثل الانتخابات الرئاسية المصرية الاختبار الأكبر للثورة المصرية، فالثورة التي لم تحقق إلا القليل من أهدافها مهددة بالتراجع إذا نجحت الخطط القائمة لإعادة إنتاج النظام السابق من خلال الانتخابات الرئاسية، لاسيما وأن الانتخابات سبقتها خطوات قام بها فلول النظام السابق من خلال عودتهم بقوة للظهور بأشكال مختلفة من أهمها أن اثنين من أبرز رموزهم على قائمة مرشحي الرئاسية وكل منهما يحظى بفرصة تجعله من بين الخمسة الأوائل في استطلاعات الرأي المختلفة حول فرص المرشحين الثلاثة عشر في الانتخابات، وإذا نجح أي منهما فمعنى ذلك أن شيئا لن يتغير في مصر إلا بما يخدم مصالح كافة رجال النظام الذين مازالوا يديرون كل شيء في البلاد، فالمجلس العسكري الذي وضعته الثورة على رأس البلاد محسوب على مبارك ونظامه، كما أن رئيس الوزراء كمال الجنزوري هو أحد رجال مبارك الذين عملوا معه عشرين عاما ومعه منظومة الوزراء والمستشارين والمحافظين والمعاونين ولعل أداء الجنزوري والمنظومة التي معه في الفترة الماضية كشف حقيقته وحقيقة أن شيئا لم يتغير في مصر كما أزال أداؤه عنه الهالة التي أضفاها عليه خلع مبارك له بسبب خلافات على إدارة أمور مازالت غامضة وليست خلافات جوهرية لمصلحة الشعب والبلد.
الأمر الآخر الأخطر هو أن رجال الأعمال الذين أفرزهم النظام الفاسد السابق والذين أدركوا أن ملفاتهم سوف تفتح جميعا لاسيما الذين أثروا ثراء فاحشا من دماء الشعب وثرواته قرروا برعاية شبه رسمية أن يعيدوا إنتاج الحزب الوطني المنحل عبر حزب جديد أعلن عنه مؤخرا تحت مسمى حزب الشعب الجمهوري وأكدت مصادر مختلفة أنهم جمعوا عشرات الملايين من الجنيهات لاطلاق هذا الحزب وجمع الفلول للدفاع عن المكتسبات التي حققوها بالباطل وعبر نظام فاسد ساقط، ومع استمرار تغلغل رموز النظام السابق في كل أركان الدولة وعرقلتهم لأية خطوات تنفيذية لتغيير البلاد نحو الأفضل فإن إعادة بناء هذه المنظومة الفاسدة هو أخطر ما يهدد الثورة في هذه المرحلة، يعزز هذا الخطر الخلافات التي لا نهاية لها بين القوى السياسية التي فقد كثير من رجالاتها الرشد وانحصروا في ضيق الأفق أو الأنانية والاعتزاز بالرأي والعمى السياسي، ويزيد من هذا الخطر المنظومة الإعلامية سواء الرسمية أو الخاصة التي تصب بشكل مباشر أو غير مباشر في مصلحة النظام السابق ورموزه لاسيما وأن كثيرا من رموزه يملكون معظم وسائل الإعلام الخاصة، ويلعبون دورا خطيرا في تشويش الشعب ونظرته للقوى الثورية ويعملون على ترسيخ مفاهيم اختيار من لهم خبرة في إدارة الدولة عن غيرهم من الجدد الذين لم نجربهم بعد، ولعل بعض استطلاعات الرأي تؤكد على أن الإعلام نجح إلى حد كبير في تشويش نسبة لا بأس بها من الشعب وتشويه نظرتها للثورة، كذلك الميكنة الأمنية بكل أجهزتها مازالت كما هي وتريد أن تبقي على مكتسباتها كما يريد العسكر كذلك الابقاء على امتيازاتهم وأوضاعهم وعدم خضوعهم لأية سلطات، ولعل الحديث عن إعلان دستوري مكمل يعطيهم هذه الصلاحيات التي من بينها تعيين وزير الدفاع وأن تبقى ميزانتهم سرية ولا يحق لرئيس الدولة أو البرلمان أو الحكومة التدخل في عملهم يجعلهم دولة فوق الدولة وهذا من أخطر ما يهدد الثورة ومبدأ العدالة والمساواة ودولة القانون.
الكل يتطلع إلى المرحلة الأولى من الانتخابات التي بدأت يومي الثالث والعشرين و الرابع والعشرين من مايو الجاري فلها ما بعدها وما سوف تفرزه هذه المرحلة من نتائج سيحدد بشكل مبدئي ما سوف يكون عليه مستقبل البلاد ومستقبل الثورة، حيث ستنحصر المنافسة بين شخصين إن لم تحسم من الجولة الأولى لأحد المرشحين وهذا ما تستبعده كافة التوقعات.
لكن إجراء الانتخابات الرئاسية حتى لو جرت بشفافية تامة لا يعني أن مشاكل مصر قد انتهت ولكن كل ما يعنيه أن الثورة قد دخلت مرحلة جديدة من مراحل التحدي التي ربما تستمر لعقد كامل حتى تستعيد مصر مكانتها ويعيد الشعب المصري بناء منظومة الإدارة والريادة والسيادة مرة أخرى، فهل تتجاوز الثورة التحدي الأكبر ويختار الشعب المصري من يحكمه ومن ثم يملك حق محاسبته وعزله؟ أم ينجح الفلول في العودة مرة أخرى إلى حكم مصر؟

الوطن القطرية

Total
0
Shares
السابق

خطـــوات مـــصر نحــــو الديــمقــراطــيـــة

التالي

التصويت الجماهيري يعيد أحمد شفيق

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

Total
0
Share