خداع الرأى العام

تلعب استطلاعات الرأى دورا مهما فى حياة الأمم المتقدمة فمن خلالها يتم قراءة توجهات الناس فى شتى المجالات ومن خلالها يتعرف الحاكم على ما ينبغى أن يقوم به تجاه قضية ما أو تشريع أو سن قانون وكذلك يتم التعرف على ميول الشعب خلال الانتخابات إلى مرشح رئاسى أو تشريعى، وعادة ما تقوم بها أجهزة متخصصة فى قراءة الرأى العام حيث تعتمد على وسائل علمية وطرق مدروسة تجعل نسبة الخطأ لا تزيد على 2٪ من رأى المستطلعين، لكننا فوجئنا خلال الدعاية التى جرت للانتخابات الرئاسية فى مصر بأكبر عملية تضليل وخداع تمارس ضد الشعب المصرى من خلال أجهزة رسمية ومراكز بحثية كان يفترض بها المهنية والدقة وإثبات أن عصر الخداع والتضليل قد انتهى، حيث كانت هذه الأجهزة تجعل من مرشحى الرئاسة المنتمين للنظام السابق -وهما أحمد شفيق وعمرو موسى- على قمة الفائزين، لكن النتائج فى النهاية جاءت بخلاف ما ذكرت هذه المراكز، على الأقل فيما يتعلق بعمرو موسى. من الناحية المهنية لم أقف متفرجا ولأنى عادة ما أتابع مراكز استطلاع الرأى فى الغرب وأرى دقتها المتناهية حتى أنها فى الانتخابات الفرنسية الأخيرة ذكرت النسب التى سيحصل عليها كل مرشح قبل إعلانها وجاءت متطابقة إلى حد كبير، فقد سعيت لتقديم قراءة مهنية ودقيقة لتوجهات الناخب المصرى فوجدت أن الأمر فى غاية الصعوبة لاعتبارات كثيرة، لكنى حينما التقيت مع الدكتور عبدالخالق فاروق الذى أسس مؤخرا مع شخصيات مستقلة وطنية مركز النيل للدراسات الإستراتيجية والاقتصادية أبدى استعدادا للقيام بهذا الاستطلاع وفق الأسس العلمية الدولية واتفقت معه أن تكون حلقة برنامج «بلا حدود» ليوم الأربعاء 23 مايو موعدا لإعلان نتائج الاستطلاع، وتم وضع الأسس والقواعد الدقيقة للعينة على أن يكون الاستطلاع على مرحلتين الأولى قبل الانتخابات وجرت على ثلاثة أيام وتم فيها استطلاع عينة من أكثر من ثلاثة آلاف منزل وتم الاعتماد فيها عشوائيا على الهواتف الأرضية من كل أنحاء الجمهورية وحصلنا فيها على نتائج مذهلة لأنها عبرت عن توجه العائلة، وكان من أبرز ما حققه هذا الاستطلاع أن 80% من الناخبين سوف يمنحون المرشحين الخمسة الأوائل مرسى وأبوالفتوح وصباحى وعمرو موسى وأحمد شفيق أصواتهم ومن ثم تم استبعاد بقية المرشحين من المنافسة، وهذا ما تحقق بالفعل، أما الاستطلاع الأهم فهو ما أطلق عليه «استطلاع الخروج» وهو استطلاع مباشر يتم وجها لوجه أمام اللجان للناخبين بعد خروجهم منها وتم توزيع نحو 65 باحثا على 18 محافظة حيث تعثر علينا الوجود فى المحافظات النائية والحدودية، وتمكنا فى اليوم الأول للانتخابات وهو الأربعاء 23 مايو من استطلاع آراء نحو خمسة آلاف ناخب وكانت المفاجأة التى أصبحت واقعا، أولا أن عمرو موسى أصبح خارج السباق حيث حصل على 10% من الأصوات وهذا ما أعلناه بالفعل فى حلقة «بلا حدود» لكن بقيت لدينا مشكلة مهنية أن الصناديق سوف تغلق فى اليوم التالى (24 مايو) ومن ثم يجب ألا نعلن النتيجة كاملة حتى لا ندخل فى إطار توجيه الناخبين أو إحباطهم لكن تقدم كل من أحمد شفيق وحمدين صباحى مثّل مفاجأة جعلتنا متخوفين من إعلان نتائج الاستطلاع رغم دقة الإجراءات لكن الواقع لم يذهب بعيدا عن ذلك لاسيما بعد استكمال الاستطلاع فى اليوم التالى، ومع وضع نسبة الخطأ التى لا تزيد على 2٪ فقد جاء الاستطلاع قريبا من النتائج حيث حصر نسبة الأربعة الأوائل بين 24 و19% وجاء بحمدين ثانيا بعد مرسى بينما احتل شفيق المركز الثالث وأبوالفتوح الرابع مع فوارق بسيطة بينهما، بينما بقى عمرو موسى أخيرا، مما أكد لى على حقيقة أساسية هى أن المقدمات الصحيحة تقود إلى النتائج الصحيحة وأن عملية التضليل التى جرت للشعب المصرى عبر الاستطلاعات السابقة يجب أن تكون الأخيرة فهناك طرق علمية لقياس الرأى العام بعيدا عن الخداع وعلى رأسها الاستطلاع الذى نترقب إجراءه لجولة الإعادة الثانية بين مرسى وشفيق.. فهل سيتوقف المدلسون عن خداع الشعب وتقديم الحقيقة أم أن النظام السابق لم يسقط بعد؟

Total
0
Shares
السابق

التصويت الجماهيري يعيد أحمد شفيق

التالي

خداع الرأى العام

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

Total
0
Share