العسكر وارباك المشهد

خلال أيام معدودة أربك المجلس العسكري الحاكم في مصر المشهد كله واشاع الفوضى السياسية في البلاد عبر عدة قرارات اتخذت في آن واحد أكدت أن المجلس العسكري فقد توازنه، أو قام بانقلاب عسكري ناعم على القوى السياسية وعلى إرادة الشعب المصري بعدما أدرك أنه قاب قوسين أو أدنى من أن يسلم السلطة مرغما إلى من انتخبه الشعب المصري في أول انتخابات رئاسية حرة ونزيهة تجرى في تاريخ البلاد.
فرغم أن سلطة الضبطية القضائية هي سلطة يمنحها وزير العدل لبعض الفئات من موظفي الدولة كل في تخصصه وحدود عمله مثل رجال الجمارك ومفتشي الصحة ومأموري الضرائب، إلا أننا فوجئنا بقرار من وزير العدل يمنح رجال القوات المسلحة حق الضبطية القضائية بشكل مطلق وفضفاض بما يعتبر في رأي رجال القانون قرارا أسوأ من قانون الطوارئ الذي حكمت به مصر معظم الستين عاما الماضية، في نفس التوقيت أصدرت المحكمة الدستورية قرارها بحل مجلس الشعب، وأود هنا أن اذكر القراء بالتصريحات الهامة والتاريخية التي أعلنها الدكتور محمد سعد الكتاتني رئيس مجلس الشعب، في حواره معي في برنامج «بلا حدود» يوم الأربعاء 25 إبريل الماضي حينما قال : إن رئيس الحكومة الدكتور كمال الجنزوري هدده في حضور الفريق سامي عنان رئيس الأركان بأنه في حالة إصرار مجلس الشعب على المطالبة بإقالة حكومة الجنزوري فإن قرار حل مجلس الشعب موجود في درج المحكمة الدستورية، هذه التصريحات اقامت الدنيا ولم تقعدها في ذلك الوقت، وكانت الخبر الرئيسي في كل أو معظم وسائل الإعلام، وخرج الجنزوري لينفي هذه التصريحات وسألت الكتاتني بعد ذلك وقلت له إن الجنزوري نفى أنه قال لك ذلك فقال «رئيس مجلس الشعب لا يكذب»، وكان هذا اتهاما صريحا للجنزوري بالكذب، لكن الشاهد وهو الفريق سامي عنان التزم الصمت، و قد جاء حكم المحكمة بعد ستة أسابيع من هذا الحوار ليؤكد أن ما ماذكره الكتاتني كان صحيحا، لكن السؤال الذي أطرحه وربما يطرحه كثيرون غيري لماذا لم يعقد الكتاتني جلسة لمجلس الشعب ويؤكد على النواب جميعا الحضور في نفس اليوم الذي أصدرت فيه المحكمة الدستورية الحكم وهو الرابع عشر من يونيو، وأن يعلنوا الاعتصام في المجلس إذا صدر حكم بحله طالما أن لديهم علما بأن هناك حكما معدا سلفا لحل المجلس؟ ، أما أن يجلسوا في بيوتهم ليسمعوا الحكم كما يسمعه عامة الشعب، ثم يحاولوا الذهاب للمجلس فيجدوه مغلقا أمامهم بالسلاسل، إن هذا خطأ تاريخي من المجلس ورئاسته، فلوا أنهم بقوا معتصمين في المجلس لتغير المشهد السياسي وحالوا دون تفاقم المشهد بعد ذلك وصدور قرار الحل من المشير.
في نفس اليوم أصدرت المحكمة الدستورية قرارها بعدم قانونية قانون العزل السياسي، ودخل أحمد شفيق الانتخابات رغم أنف المجلس الذي اختاره الشعب، ثم أصدر المجلس العسكري بعد أن أصبح هو المشرع ما يسمى بالإعلان الدستوري المكمل الذي لم يكن سوى انقلاب عسكري على السلطات القائمة وعلى أي سلطة قادمة ووضع العسكر في مكانة الوصاية على عرش مصر، ومنحهم السلطات الكاملة والمستقلة عن رئيس الجمهورية، وحينما أعلن محمد مرسي يوم الاثنين أنه هو الفائز برئاسة مصر أصدرالمشير قرارا في ظروف غامضة ومفاجأة بتشكيل مجلس الدفاع الوطني من عشرة عسكريين وخمسة مدنيين أي أن المدنيين هنا هم صورة أيضا للبصم على ما يقره العسكر، المجلس كشف عنه يوم الاثنين غير أن المجلس العسكري فاجأ الجميع بأن القرار صدر ونشر في الجريدة الرسمية الخميس أي في نفس اليوم الذي صدر فيه حكم الدستورية بحل المجلس وتفويض الضبطية القضائية وعدم دستورية قانون العزل. وكانت تقارير قد أشارت إلى أن هذا المجلس قد تم التوافق عليه بين بعض القوى السياسية ومنها الإخوان والمجلس العسكري في يناير 2012 على أن يكون نصفه مدنيين ونصفه من العسكر أي 7 عسكريين و7 مدنيين لكن العسكر يفعلون الآن ما يريدون ولا يحسابهم أحد.
فجأة ظهر اللواء ممدوح شاهين مع اللواء العصار في مؤتمر صحفي يوم الاثنين وقال العصار إن رئيس الجمهورية له الصلاحيات كاملة يعين الوزارة بوزرائها بما فيه وزير الدفاع، ولما كان هذا الكلام مناقضا لكل ما تم وصدر من قرارات منذ يوم الخميس الماضي وعلى رأسها الإعلان الدستوري المكمل الذي سلب رئيس الدولة كافة صلاحياته فقد سعينا للبحث عن السر فوجدنا السر لدى صحيفة واشنطن بوست الأميركية في عددها الصادر صباح الثلاثاء حيث ذكرت الصحيفة أن إدارة الرئيس الأميركي أوباما هددت قادة المجلس العسكري بوقف المساعدات العسكرية والأقتصادية الأميركية عن مصر إذا لم يقوموا بتسليم السلطة بسرعة، وقالت إن مسؤولين بوزارة الدفاع ووزارة الخارجية أعربوا عن قلقهم إزاء «قرار اللحظة الأخيرة الذي اتخذه المجلس العسكري ليمنح لنفسه سلطات واسعة تبقى قبضته على الحكم و تجعل من رئيس الدولة مجرد منصب شكلي، وذلك عقب إعلان المرشح الإسلامي فوزه في انتخابات الإعادة وبعد يومين من قرار المحكمة الدستورية بحل البرلمان»، مع هذه التطورات الهائلة التى حدثت خلال أسبوع واحد لا نعرف من نصدق؟ اللواء العصار وما ذكره في المؤتمر؟ أم الإعلان الدستوري المكمل الذي كان يشرحه اللواء شاهين في نفس المؤتمر؟ أم أن الواشنطن بوست قد كشفت المستور؟

الوطن القطرية

Total
0
Shares
السابق

الانقلاب الدستورى المكمل

التالي

كشف المستور

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

Total
0
Share