الانقلاب الدستورى المكمل

انقلاب عسكرى كامل الأركان بامتياز قام به المجلس العسكرى الحاكم فى مصر من خلال ما أطلق عليه الإعلان الدستورى المكمل الذى أصدره يوم الأحد الماضى 18 يونيو 2012؛ فقد استعاد المجلس العسكرى سلطات مجلس الشعب الذى تم حله، ووسّع سلطاته بشكل كامل ونزع صلاحيات وسلطات الرئيس المنتخب من قِبَل الشعب، ووضعه تحت وصاية المجلس العسكرى فى كل قراراته المصيرية بعدما أصبح لزاما على الرئيس المنتخب من قبل الشعب أن يأخذ موافقة المجلس الأعلى للقوات المسلحة فى قرار مصيرى، وأصبح المجلس الأعلى للقوات المسلحة من خلال الصلاحيات المطلقة التى فرضها فوق كل السلطات. هذا الانقلاب العسكرى الناعم فسر كثيرا من الأمور التى جرت على أرض مصر خلال الأسابيع القليلة الماضية والتى تُوِّجت بحل مجلس الشعب المنتخب من قبل الشعب، وأكدت أن العسكر حينما أدركوا أن سلطاتهم تتقلص عبر مجلس الشعب الذى قطع شوطا كبيرا فى التشريعات المناوئة للعسكر ونظام مبارك الذى ما زال يحكم، فتحوا الباب أمام حله بحكم قضائى أعد فى أيام من محكمة تقضى سنوات حتى تصدر أحكاما فيما هو أقل من ذلك من قضايا، وقبل ذلك لعب العسكر الدور الرئيسى فى إفشال الهيئة التأسيسية للدستور وفجروها من داخلها، والشىء نفسه كرروه مرة أخرى مع الهيئة التى صدرت من مجلس الشعب قبل حله بتشكيلها؛ حيث ضمنوا الإعلان الدستورى ما يجعلهم يشكلون لجنة جديدة فى تجاوز دستورى وقانونى لقرار مجلس الشعب وللجنة القائمة فعلياً، يعاونهم فى ذلك ثلة من ترزية القوانين والمنتفعين السياسيين، سواء من رجال الأحزاب الشكلية أو ما يطلق عليهم الناشطين السياسيين أو الطامعين فى المناصب والمزايا. لم يكتف العسكر بالعبث بمصر طوال ستين عاما أعقبت انقلاب يوليو 1952 فأخرجوها من موقعها العربى والدولى والأفريقى وجعلوا الفساد يتفشى فى ربوعها فأفقروا الشعب وأفسدوا حياة الناس فإذا بهم يعبثون الآن بثورتها وإرادة شعبها، فبعد حل مجلس الشعب الذى كان أولى ثمار الثورة، يتم تحويل الرئيس ومنصبه وصلاحياته وسلطاته إلى بروتوكولات شكلية ويصبح لا يملك من أمره شيئا إلا بعد أن يستأذن المجلس العسكرى فى كل صغيرة وكبيرة من شئون الدولة الكبيرة، والأخطر من ذلك هو تحويل المؤسسة العسكرية إلى دولة داخل الدولة لها سلطاتها واقتصادها وقراراتها وكل ما يتعلق بها ليس للرئيس أو مجلس الشعب أو أى سلطة أخرى أن تتدخل فى شئونها أو تعييناتها أو قراراتها أو ميزانيتها أو اقتصادها ومؤسساتها، بل إن مؤشرات سابقة تفيد بأن يتم تخصيص ميزانية القوات المسلحة كبند أول من بنود ميزانية الدولة ولا يُسألون عما يفعلون بها، هذه الصورة تشبه الصورة التى كان عليها العسكر فى تركيا قبل عشر سنوات فقط والامتيازات الهائلة التى كانوا يتمتعون بها طوال العقود الماضية، لكن سلطات عسكر تركيا تقصلت إلى حد كبير وأصبح كثير من قادتهم الآن فى المحاكم والسجون والمعتقلات يحاسَبون على ما اقترفوه من جرائم بحق الشعب التركى طوال العقود الماضية، ولا أعرف لماذا يصر قادة المجلس الأعلى للقوات المسلحة على استغفال الشعب المصرى وفرض الوصاية عليه بعدما قال كلمته مرتين: الأولى فى انتخابات مجلس الشعب، والثانية فى انتخابات الرئاسة التى جاءت بمرشح الإخوان د. محمد مرسى، ولماذا لا ينظرون حولهم ويشاهدون أعتى مؤسسة عسكرية فى المنطقة، وهى المؤسسة العسكرية التركية، كيف لجنرالاتها الذين قاموا بالانقلابات العسكرية ضد الديمقراطية وإرادة الشعب يحاكَمون الآن رغم أن أحدهم اقترب من التسعين من عمره وهو كنعان إيفرين؟ ولماذا لا يوفون بوعودهم ويسلمون السلطة لمن انتخبه الشعب ويدخلون التاريخ معززين مكرمين بدلاً من أن تتبدل القوانين ويفرض الشعب سلطته كما فرضها فى تركيا ويجد هؤلاء وغيرهم أنفسهم يحاكَمون بالقانون؟ إن الأجيال التى تحاكم كنعان إيفرين وغيره من عشرات الجنرالات فى تركيا ليست هى التى انقلب عليها إيفرين، وإنما هى أجيال جديدة جاءت بعد ثلاثين عاما وفتحت الملفات ووجهت الاتهامات على الجرائم التى لا تسقط بالتقادم، وإذا كان العسكر قد ضمنوا ألا يحاسَبوا الآن وهم فى أوج قوتهم، فربما يأتى من أبناء الشعب المصرى العظيم بعد عشرين أو ثلاثين عاما ليحاكم كل من أجرم بحق هذا الشعب فى تلك الجرائم التى لا تسقط بالتقادم حتى لو كان عمره تسعين عاما، فهل يفى العسكر بوعدهم ويسلمون السلطة دون إبطاء، أم يصرون على انقلابهم الجديد ويتحملون أمام الله والتاريخ وأمام الشعب بعد ذلك نتائج أعمالهم؟

Total
0
Shares
السابق

ترسيخ الاستبداد فى مصر

التالي

العسكر وارباك المشهد

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

Total
0
Share