مرحلة جديدة للإخوان المسلمين

منذ أكثر من ستين عاما وأدبيات جماعة الإخوان المسلمين وثقافتهم تقوم على المحنة والابتلاء والسجون والمعتقلات والصبر والاحتساب وإعداد النفس للحظة النصر والتمكين، هذه الأدبيات صاغها رجال عاشوا سنوات طويلة خلف القضبان وتعرضوا لابتلاءات شديدة، وظلم كبير، وكان رصيد هؤلاء كبيرا عندما خرجوا من السجون يواصلون الطريق ويعيدون بناء الجماعة بعد تعرضها لضربات كبيرة فى عهد عبدالناصر كان أبرزها ضربتى 1954 و1965، فأعادوا البناء وجمعوا الإخوان مرة أخرى وفرضوا الجماعة كأمر واقع رغم قرار الحل الذى صدر فى العام 1954 بعد خلافهم مع عبدالناصر، ولم يكد شهر العسل بينهم وبين الرئيس السادات يمر منه بعض الوقت حتى عصفت محنة بهم وبغيرهم فيما يُعرف بقرارات التحفظ عام 1981 حيث اعتُقل العشرات من قيادات الإخوان والسياسيين ثم اغتيل السادات وخرج مبارك فأفرج عنهم وفتح المجال أمام الإخوان لعدة سنوات ثم دخلوا فى معارك كر وفر مع النظام استمرت حتى سقوط مبارك فى الحادى عشر من فبراير عام 2011. الجماعة التى أسسها حسن البنا فى العام 1928 وكان أول مرشد عام لها حتى اغتياله فى فبراير عام 1949، عاشت بعد اغتياله فراغا قياديا، وقد بقى هذا الوضع حتى اختيار حسن الهضيبى مرشدا عاما لها فى العام 1951 وبقى حتى وفاته فى العام 1973، ثم كان هناك فترة ما عُرف باسم المرشد الخفى، لكنه لم يبق طويلا حتى جاء عمر التلمسانى مرشدا فأعاد مجلة الدعوة وعايش محنة الإخوان فى العام 1981، وبعد وفاته جاء محمد حامد أبوالنصر ثم مصطفى مشهور ثم مأمون الهضيبى ثم محمد مهدى عاكف الذى رفض أن يجدد له ثم مرشدها الحالى الدكتور محمد بديع. لو أردنا أن نقسم المراحل التاريخية للجماعة فإن مرحلة التأسيس والانتشار كانت فى عهد مؤسسها حسن البنا، ثم مرحلة المحنة والابتلاء كانت فى عهد حسن الهضيبى، ثم المغالبة والكر والفر فى عهد المرشدين من بعده حتى المرشد الحالى، لكن بعد فوز مرشح الإخوان المسلمين الدكتور محمد مرسى برئاسة الدولة وقبلها فوز الإخوان بالنسبة الأكبر من مجلس الشعب، واستعدادهم لتحمل مسئوليات إدارة الدولة ورعاية المجتمع، إذن فنحن أمام مرحلة تاريخية جديدة لها مقتضياتها التاريخية والأخلاقية، ومن أهم هذه المقتضيات أن تدرك القيادة الحالية للجماعة أنهم إذا كانوا قد أداروا الجماعة طوال العقود الماضية بأدبيات المحنة والابتلاء والصبر والمغالبة والكر والفر، فإن مرحلة البناء تقتضى روحا جديدة وربما قيادة جديدة ودماء جديدة ورؤية جديدة وثقافة جديدة، لقد عاش معظم الإخوان فى العقود الماضية بين الإخوان، وكانت احتكاكاتهم السياسية والثقافية والاجتماعية داخل المجتمع الإخوانى الضيق، عاشوا للجماعة ولم يعيشوا للدولة، وعاشوا للتنظيم أكثر من عيشهم للمجتمع، والآن تغير كل شىء وعليهم أن يعيشوا للدولة بمفهوم الدولة الذى هو جديد حتى على قياداتهم، فلم يسبق لهم أن أداروا دولاً كما أن اطلاعهم على تجارب الآخرين ليس كافيا لأن يصنعوا تجربة جديدة ناجحة، علاوة على ذلك فإن تركيبة إدارة الجماعة قبل ذلك تحتلف بشكل جذرى عن تركيبة إدارة الجماعة فى هذه المرحلة، يجب الفصل بين أشياء كثيرة، ويجب أن تتغير أمور كثيرة حتى تتناسب مع المرحلة ومقتضياتها، هناك حركات إسلامية نجحت فى تجاربها وحركات لم تنجح، فالحركة الإسلامية، على سبيل المثال، فى عهد نجم الدين أربكان لم تنجح فى مشروعها رغم التنظير الهائل وتجربة إدارة الدولة لدى أربكان، وقاد العسكر انقلابا عليه وأبعدوه عن السلطة وأرهقوه بعد ذلك فى الملاحقات القضائية، لكن التجربة نجحت مع تلامذته أردوغان ومن معه، ونجحوا بعد عدة سنوات من المغالبة مع العسكر أن يعيدوا العسكر إلى مربع المسئولية العسكرية وأن يقصوهم عن التدخل فى القرار السياسى، لقد نجح أردوغان لأنه فهم آليات وتكتيكات وطبيعة المرحلة، واعتمد على الشباب والمحترفين فى أن يقيم نظاما جعل تركيا بين الدول العشرين الكبرى اقتصاديا خلال أقل من عقد، بينما كانت بعد المائة قبل أن يتولى السلطة، فما هو المطلوب من الإخوان المسلمين فى هذه اللحظة التاريخية؟ نكمل غدا.

Total
0
Shares
السابق

من الشعب إلى «الإخوان»

التالي

المطلوب من الإخوان المسلمين

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

Total
0
Share