قصة البيان الأول لثورة 25يناير(2)

من الأفكار الأخرى التى دحرجناها فى ميدان التحرير فكرة حصار مبنى الإذاعة والتليفزيون وقد جاءت الفكرة فى أعقاب نجاح فكرة حصار مجلس الوزراء ومنع رئيس وزراء المخلوع أحمد شفيق من الدخول، وقد نفذت الفكرة ليلة الجمعة 11 فبراير بعد خطاب مبارك الأخير الذى لاقى اعتراضات هائلة فى الميدان ورغم أنى لم أكن أظهر على الإطلاق قبل هذا اليوم على المنصة الرئيسية فى ميدان التحرير وإنما كنت دائماً خلفها حيث أجيد التخفى طوال أيام الثورة حتى إن بعض زملائى لم يكونوا يتعرفون علىّ ومنهم أسعد طه الذى فاجأته يوماً فى الميدان وأخذته على حين غرة وأنا متخفٍّ وقلت له كما يقول ضباط أمن الدولة «فين بطاقتك يا أستاذ» ارتبك لكنى كشفت له وجهى وضحكنا، كنت أتخفى لأسباب كثيرة أهمها أنى أفضل العمل وراء الكواليس فيما يحب الناس الظهور فيه، يكفى أنى ظاهر دائما أمام الناس من خلال شاشة التليفزيون، وأذكر أن المستشار محمود الخضيرى كان الأكثر دهشة حينما كان يرانى كل مرة متخفياً بشكل مختلف فيضحك من قلبه ويقول لى «والله ما عرفتك»، إلا أنه مع حالة اليأس التى كانت تتسرب للميدان فى بعض الأحيان دفعنى الشباب دفعاً لأتحدث إلى الناس وقالوا لى إن الناس بحاجة إلى رموز يحبونها تبعث فيهم الحماسة، هنا رضخت وكشفت عن رأسى ووجهى للمرة الأولى وتحدثت إلى الناس وقدت الهتافات من على المنصة الرئيسية مساء الأربعاء 9 فبراير، واشتعل الميدان خلفى بالهتافات التى كانت تنم عن الحب والاحترام لى ولقناة الجزيرة رغم أنى كنت أشارك هنا كمواطن مصرى وليس كإعلامى فى الجزيرة، وأذكر من الهتافات القوية التى رجت الميدان «الجزيرة.. . الحقيقة»، وكان هذا حجة لشباب المنصة بعد ذلك أنه كلما هدأ الميدان نادونى وقالوا «أشعل لنا الميدان بالهتافات يا أحمد» حتى ذهب صوتى، وحينما ظهرت على شاشة الجزيرة للمرة الأولى بعد نجاح الثورة يوم السبت الثانى عشر من فبراير كان صوتى شبه مفقود. بعد محاصرة مجلس الوزراء ونجاح الخبر وانتشاره عالمياً وكان له تأثيره السلبى على شفيق وحكومته، تحدثنا كإحدى خلايا التفكير للعقل الجمعى المصرى فى ميدان التحرير وقلنا يجب أن نصنع كل يوم خبراً جديداً يكون هو الخبر الرئيسى فى وكالات الأنباء ومحطات التلفزة العالمية، فالمليونيات لم تعد خبراً جاذباً بعد تكرارها وبلوغها ذروتها فى مليونية 8 فبراير وإنما لا بد من ابتكار أفكار تجبر وسائل الإعلام على أن تضعها دائماً خبراً رئيسياً وجديداً، واقترحت عليهم أن نضع فى خطتنا كل يوم مكاناً قريباً من الميدان نحاصره حتى لا تتفتت قوة التجمع وحتى يمكن الإمداد اللوجستى بالطعام والبطاطين، ومن بين الأماكن التى حددناها مبنى الإذاعة والتليفزيون ودار القضاء العالى، واستبعدنا القصر الجمهورى بسبب البعد والحرس، لكن بعد خطاب الخميس من مبارك وتحت ضغط الشباب هتفت فى الناس مساء الخميس 10 فبراير من على المنصة الرئيسية بعد خطاب مبارك مباشرة قائلا «على القصر الجمهورى» فانطلق الناس إلى القصر الجمهورى بل كان بعضهم قد انطلق بعد الخطاب مباشرة دون توجيه من أحد، من ثم فإن الأفكار لا تتحول إلى حقائق فى كثير من الأحيان إلا فى ظل اكتمال ظروف وعوامل كثيرة، حينها لا يكون الداعى بحاجة إلى جهد حتى يستجيب الناس، بل فقط إلى نداء، وهكذا كانت الثورة كلها فقد كان الشعب المصرى مهيأ وبحاجة فقط إلى النداء. كانت ولادة هذه الأفكار نتاج تفكير جمعى، بمعنى أن ما كنت أفكر فيه كان عشرات وربما آلاف آخرون من المصريين يفكرون فيه مثلى، ولم نكن نحن كمفكرين وإعلاميين وقانونيين إلا معبرين عما يجول فى نفوس الشعب، لذا من الصعب أن يعلن أحد أن أى فكرة حتى التى يطرحها هو للمرة الأولى كانت فكرته هو، وإنما كنا جميعا نتحرك ضمن منظومة العقل الجمعى المبدع للشعب المصرى، حيث كان هذا أحد إبداعات حضارته على مر الزمان ومن هنا أيضاً جاءت فكرة البيان الأول للثورة، نكمل غداً.

Total
0
Shares
السابق

قصة البيان الأول لثورة 25يناير (1)

التالي

قصة البيان الأول لثورة25 يناير (3)

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

Total
0
Share